منذ مطلع الشهر الجاري، بدأت شركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية «ميغ»، التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط، منفردة، تقاضي رسوم بعض الخدمات لديها (أذونات التسليم والمستودعات) بالدولار الأميركي نقداً، فيما ترفض أي فلس بالعملة الوطنية، ولو بسعر السوق الموازية. الشركة التي تجعل من الدولار عملة الأمر الواقع تستند إلى غياب من يواجه قراراتها، بسبب السطوة التي تستمدها من «إمبراطورية» الـ«ميدل إيست» في المطار
لا تألو شركة طيران الشرق الأوسط جهداً في التفتيش عن منافذ جديدة لـ «لمّ» الدولارات من السوق. بدا، في الآونة الأخيرة، أن لا شغل لشركة الطيران الوطنية سوى القيام بتلك الوظيفة: لملمة أي دولارٍ بأي طريقة وثمن. وهي بدأت هذا المسار قبل أشهرٍ مع إصدار قرارٍ بإلزام المسافرين والمتعاملين معها دفع بدلات تذاكر سفرهم بالعملة الأجنبية.
اليوم، تكمل «ميدل إيست» ما بدأته في فرض الدولار عملة أمر واقعٍ لضمان استمرارية «الإمبراطورية»، وهذه المرّة من خلال ذراعها «للخدمات الأرضية»: شركة «ميغ» (MEAG). فمنذ مطلع الشهر الجاري، عمّمت «ميغ» عند مداخل مكاتب الشحن «ولمن يهمه الأمر»، قراراً بتحويل رسوم الخدمات الأساسية في مجال الشحن والتخليص الجمركي من العملة الوطنية إلى الدولار حصراً. وحددت هذه الرسوم بأربعة، هي: أذونات التسليم وخدمة مستودع مبرّد وخدمة مستودع عادي وجهاز كشف البضاعة بالأشعة السينية (x-ray). لم تعط الشركة خيارات أخرى لاستيفاء الرسوم، لا بعملة البلاد، ولو بحسب سعر الصرف الموازي - ولا الدفع بالشيكات المصرفية بالعملة الأجنبية، كما هي حال العمل في شركات أخرى للشحن الجوي.
تحرص شركة «ميدل إيست» و«توابعها»، دائماً، على أن تكون أول المفتتحين للقرارات الإشكالية، وتعمد في كثير من الأحيان إلى إصدار تلك القرارات مبكراً قبل دخولها حيز التنفيذ بأشهر، تماماً كما حصل في حالة تذاكر السفر، وما يحدث اليوم في رسوم الخدمات في الشحن. إذ عمّمت القرار في آب الماضي. وعلى قاعدة «ضرب عصفورين بحجرٍ واحد»، لم تكتف الشركة بفرض الدولار بديلاً من العملة الوطنية خلافاً للقوانين (ومنها قانون النقد والتسليف)، وإنما مرّرت في القرار نفسه بنداً بتعديل أسعار الخدمات وبدأت بتطبيقه في الأول من أيلول الماضي. هكذا، مثلاً، عدّلت رسم خدمة المستودع المبرد (cold store) عن كل «كيلوغرام تحجيم» من البضاعة من 7 سنتات إلى 15 سنتاً، ورسم خدمة مستودع عادي (general store) من 3 سنتات إلى 8 سنتات، ورسم أذونات التسليم (delivery order) التي ابتلعها أصحاب البضائع على دفعات من 75 ألف ليرة إلى 200 ألف فـ 765 ألفاً ثم، أخيراً، إلى 50 دولاراً «فريش» عن خدمة لا تكلف في الأصل شيئاً.
وإذ لم يستنفر القرار التجار حتى اللحظة الراهنة، باعتبار أن «لا معلومات إلى الآن عن تأثيرات تسعير شركة ميغ خدماتها بالدولار على عمل التجار»، بحسب رد غرفة التجارة والصناعة والزراعة لـ«الأخبار»، يواجه مخلّصو البضائع القرار مربكين، حيث فرضت تلك التسعيرة جدلاً بين المخلصين وبعض التجار.
برّرت الشركة القرار بأنها «بعد عام» ستبدل أجهزة التفتيش والـ«سوفت وير»
مع ذلك، لا عودة عن القرار. هذا محسوم لدى إدارة شركة «ميغ»، استناداً إلى جملة مبرّرات يطلقها مدير الشركة ريتشارد مجاعص... بعضها سابق لأوانه. ينطلق مجاعص في حديثه عن الأسباب من «مواصفات» مبنى الشحن الحديث، من الأبواب التي تفتح ببطاقات ممغنطة إلى برادات الخزن الحديثة إلى الكاميرات وغيرها من «الزوائد» وما تتطلبه من صيانة مكلفة و«لا غنى عنها للحفاظ على الشهادة الأوروبية للجودة وغيرها من الشهادات» التي ستأتي في وقتٍ لاحق. ولأنه يفترض بالشركة أن تحافظ على «أقصى الإجراءات الأمنية»، لتحافظ تالياً على «الشهادات»، كان لا بد من اتخاذ هذا القرار «لتغطية هذه المصاريف التي تشكّل 70 في المئة من مصاريف الشركة، بعدما أضيفت إليها فاتورة المحروقات التي تكلف وحدها نحو 40 في المئة من المصاريف». أما الجزء الآخر من الأسباب، فهو أنه... بعد عام «بدنا نبدّل مكنات التفتيش وهذه تكلف مليون و200 ألف دولار، وكذلك الـSOFTWARE الذي يحتاج إلى 300 ألف دولار». لذلك، يبدو القرار، بالنسبة لمجاعص، «طبيعياً» لتغطية التكاليف الحالية واللاحقة... بعد عام. ولا اعتراض هنا، خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار سطوة «ميدل إيست» في مجال الشحن الجوي، مع استحواذها على 80 في المئة من «شغل» الشحن من لبنان إلى الخارج، على ما يقول مجاعص، كما أنها تكاد تختصر جلّ أعمال الخدمات الأرضية في المطار، حتى مستودعات الخزن وصيانتها وتزويدها بالطاقة تدفعه هي الأخرى، فيما يبدو رجال الجمارك أقرب إلى «الضيوف» في أرضهم، وكذلك الأمر بالنسبة لأجهزة الكشف بالأشعة والتي هي ملك الميدل إيست، فيما عناصر الجمارك يتولون الكشف فقط.
لم تعد «ميدل إيست» مجرّد شركة خاصة للطيران، بل تستحوذ اليوم، عبر «ميغ» للخدمات الأرضية، على 80 في المئة من خدمات الشحن، وعلى معظم شبابيك تذاكر السفر. المشكلة هنا، ليست في التسعير بالدولار بقدر ما هي كامنة في سعي الشركة للاستحواذ على «كل ما هو ممكن»، وقدرتها على فرض سطوتها في مطار بيروت الدولي، على ما يتردد على لسان العاملين في الشحن.
اليوم، تتمدد الشركة كأخطبوط هناك، وهو مسار رسمته منذ وقتٍ طويل، وبدأ يتبلور بشكلٍ أوضح مع استحواذها على أرضٍ تملكها الدولة لبناء مركزٍ عملاقٍ للشحن تسيطر من خلاله على معظم الخدمات الأرضية.
تعليقات: