تعتمد معظم المنازل في بيروت على مياه الصهاريج (علي علوش)
السياسات المائية الخاطئة المتّبعة على مدى سنوات من الهدر والفساد، أوصلت لبنان الغني بالثروة المائية، إلى الهاوية. ووصل الأمر بالعاصمة "بيروت الكبرى" وضواحيها، إلى نقص في المياه وتفاقم مع انقطاع الكهرباء بشكل شبه كلي، وعدم توفر المازوت برغم رفع الدعم عنه.
زيادة تقنين المياه
ويهدد استمرار انقطاع الكهرباء بزيادة عطش العاصمة وضواحيها. ووفق ما يؤكده مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، جان جبران، في حديث إلى "المدن"، فإن "أزمة المياه ستزداد مع الانقطاع الشامل للكهرباء".
وأوضح جبران أن "إمداد بيروت وجبل لبنان بالمياه، تراجع بين 40 و50 بالمئة، بسبب أزمة الكهرباء والمازوت. أما صيانة إمدادات المياه فتراجعت بنسبة 80 بالمئة، وهذه النسب سترتفع مع الانقطاع الشامل للكهرباء".
قوانين بلا تطبيق
أحد أسباب عطش بيروت وضواحيها، هو "التفاوت في أحجام الاشتراكات وأعداد المشتركين بين منطقة وأخرى"، حسب مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، غسان بيضون. وهو يقدّر في حديثه إلى "المدن"، أن "بيروت الكبرى وجبل لبنان يشكلان الأكثرية من حيث عدد المشتركين والاشتراكات".
"التطوّر المُدني، برأي بيضون، "زاد نسب الاستهلاك". فيما عدم الالتزام بالقوانين، أضاف ضغطاً إضافياً على الاستهلاك، وزاد نسبة هدر المياه. فالقانون ينص على وجود "العيار"، وهو الأداة التي تضعها مصلحة المياه، عند مخرج المياه النهائي لدى المشترك، لتحدّد كمية الأمتار المكعبة التي تحق له. وهذا لا يجري التقيّد به، حيث يُنزَع العيار لتتدفّق المياه لمشترك بكمية أكثر من مشترك آخر.
عجز المؤسسات
مؤسسة مياه بيروت واقعة في عجز مالي كمعظم مؤسسات الدولة، وتحتاج إلى المساعدة، علماً أنه "كان لديها احتياطي، تم استهلاكه في سد جنة. وستشهد عجزاً إضافياً في حال الاستمرار بهذا الانحدار من ناحية ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم القدرة على تأمين المستلزمات". إلى جانب الناحية المالية، هناك الناحية الفنية، ويقول بيضون إن "هناك شبكات مهترئة ويجب ترميمها، ما يساهم في هدر المياه، حيث وصل الهدر عبر الشبكات إلى 40 بالمئة في بعض المناطق".
عموماً، "كل مؤسسة مياه لديها ضمن نطاقها الجغرافي حجم موارد معينة من المياه، إن كان من الينابيع أو المياه الجوفية. وهي تحتاج لتجهيزات، لكي تستخرج المياه وتوزعها على المواطن. وهذه الوظائف تحتاج إلى تمويل". أما وزارة الطاقة، وهي وزارة الوصاية على مؤسسات المياه، "فسياساتها وتوجّهاتها وتسلّطها على المؤسسات واستغلال ضعفها، أوصلها إلى الفشل".
لم يُفقَد الأمل
مع كل ما تمر به مؤسسة مياه بيروت، إلاّ أن الأمل بإيصال المياه إلى المنازل في بيروت وضواحيها، لم يتبخّر. فيؤكد الخبير الهيدروجيولوجي، الدكتور سمير زعاطيطي لـ"المدن"، أن البحث عن مصادر المياه الجوفية القريبة من بيروت أدّى إلى تكوّن "قناعة علمية بوجود مناطق شرق العاصمة تُعتبر بنيتها الجيولوجية وظروفها الهيدروجيولوجية مناسبة جداً لاستثمار المياه الجوفية العذبة. وهي كافية لتزويد بيروت الكبرى على مدار السنة، بكميات إضافية من المياه الجديدة، أي غير المعروفة سابقاً، وكافية للمساعدة في سد النقص الحاصل في كل صيف".
وبحسب الخبرات المكوّنة "في محطات ضخ آبار وادي جيلو قرب صور ومحطة وادي فخر الدين مدخل النبطية، يمكن تنفيذ المشروع والقيام بالخطوات التمهيدية التي تقوم على إجراء دراسة إجمالية، يجري فيها تحديد المواقع الجيولوجية المناسبة للاستثمار في المرتفعات الشرقية لبيروت الكبرى، ووضعها على خرائط جيولوجية وطوبوغرافية. وكذلك إجراء دراسة تفصيلية تحدد مواقع حفر الآبار في كل منطقة، مع وضع برنامج عمل لحفر وتغليف وتجربة كل بئر، مع تقديم لائحة بالأشغال المطلوبة والكميات والأسعار، لمعرفة أسعار المتعهدين".
وأضاف زعاطيطي أن الإشراف الفني ضروري لإنجاح المشروع. وهذا الإشراف يعتمد على "طبيعة العمل تحت الأرض، وهو يتطلب عدداً من أصحاب الشهادات والخبرة لاتخاذ القرارات الأساسية في استكمال أو وقف أو تعديل في الأشغال المطلوبة، وعدم ترك الأمور للمتعهدين أو الحفارين الذين لا يعرفون عن علوم الجيولوجيا شيئاً. كما يجب تنظيم التقارير الفنية النهائية بعد انتهاء أعمال الحفر والتغليف واستلامها بعد تجربة ضخ 72 ساعة متواصلة للبئر. وبعد إجراء تعيين الوقت والتصريف وهبوط منسوب المياه، يصار إلى تحضير تقرير فني نهائي على ضوء المعطيات العلمية وتحديد عمق المضخة والتصريف الممكن أخذه من كل بئر".
حليف "الضاحية" يمنع عنها المياه
تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت أزمة مياه كبيرة، منعت السجالات السياسية إيجاد حل لها. وتؤكد مصادر متابعة للملف، في حديث لـ"المدن"، أن "المناكفات والتقسيم المناطقي والطائفي يحول دون تنفيذ مشاريع حفر آبار للحصول على المياه الجوفية على بعد كيلومتر واحد من الضاحية الجنوبية، وهذه الآبار تروي عطش المنطقة المحرومة وبتكلفة لا تتخطى 500 ألف دولار".
وتشرح المصادر أن "التيار الوطني الحر هو من عرقل هذا المشروع، ومنع حليفه حزب الله من حفر آبار في وادي شحرور، حيث يقع الصخر الجوفي-الكارستي، والذي تبلغ سماكته 1200 متر".
وبحسب المصادر، فإن "تكلفة حفر بئر بعمق 220 متر واستخراج المياه منه، تقدر بـ 100 ألف دولار (بلا ثمن الأرض). وفي حال تم حفر 4 آبار، نحصل على 25 ألف متر مكعب يومياً، يتم من خلالها سد احتياج 25 ألف منزل في الضاحية الجنوبية". ولفتت المصادر إلى أنه "تم عرض الملف من قبل رئيس إحدى البلديات في الضاحية الجنوبية على وزارة الطاقة والمياه. لكن الوزارة رفضت حفر الآبار وأعطت اذناً لحفر الآبار في خلدة، حيث المياه في الساحل مالحة ولا تصلح للمشروع".
تعليقات: