لقمان شمس الدين
21 يوماً، قضاها الشاب لقمان شمس الدين (24 سنة)، المتزوج قبل نحو ثلاثة أشهر، في مخفر المساكن في قضاء صور. «التهمة» تعدّي «العريس» على الملك العام. ليس المقصود هنا الأملاك البحرية أو النهرية، ولا مناقصة في إحدى الوزارات خرج منها بـ«سمسرة حرزانة»، وإنما «التجرؤ» على ترميم منزل ذويه المبني منذ أكثر من 30 عاماً على أرض مشاع في منطقة المساكن الشعبية «المشهورة» بالبناء على المشاعات، شأنها شأن كثير من ضواحي المدن.
ولأن بعض القضاء اللبناني شديد الحساسية تجاه التعديات على الملك العام، أُجبرت والدة شمس الدين على دفع تكاليف هدم البلاط الذي جمع ابنها ثمنه «على مدى أشهر طويلة كي يتمكن من الزواج»، وذلك من أجل إقناع المحامية العامة المالية القاضية إيمان عبدالله بالتراجع عن قرار توقيفه. لكن ذلك لم يتواءم وشدة الحساسية تجاه التعديات. فوفق رواية الأم، طلبت عبدالله «إزالة الدهان الجديد أيضاً لأن هدم البلاط غير كافٍ»!
قانوناً، وبحسب وكيل شمس الدين المحامي حسن بزي، فإن توقيف موكله ليس ملزماً طالما أن العقوبة تحت السنة، «لكن المماطلة في إطلاق سراحه سببها إهمال موظف، إذ تتطلب إحالة الملف من النيابة العامة المالية إلى النيابة العامة الاستئنافية في صيدا للبت في طلب إخلاء السبيل، المرور بالنيابة العامة التمييزية، حيث نُسي ملفه وبالتالي تأخر إطلاقه». ويضيف بزي: «لدى مراجعة القاضي إبراهيم استردّ الملف وقرر إخلاء سبيل شمس الدين ورفع الظلم عنه».
لماذا أُوقف شمس الدين طالما أن التوقيف ليس ملزماً؟ وهل قرر القاضي إبراهيم فعلاً إخلاء السبيل تعويضاً عن إهمال موظف؟ وإذا كان قرار إخلائه سببه قناعة القاضي بأن الجرم المقترف لا يرتقي إلى مستوى الحزم فلماذا لم يفرج عنه منذ لحظة إحالة الملف إليه؟
هذه الوقائع تعني أن خيار التسامح مع الشاب كان موجوداً منذ البداية وبالقانون، وكان يمكن، بالتالي، تجنيبه المكوث 21 يوماً بعيداً من زوجته وأهله الذين شكوا من الشدة التي مارسها عناصر الدرك أثناء توقيفه وأثناء نقله إلى المُستشفى بعد إصابته بعارض صحي (إذ يعاني من حمى البحر المتوسط ودواؤه كان مقطوعاً). إذ تروي والدته أنها مُنعت من احتضان ابنها في المُستشفى «وكأنهم يُمسكون بمجرم خطير»، علماً أن المنطقة التي أُوقف بسبب التعدي عليها «كلها مشاع، والقاضية الحريصة على عدم إرساء المخالفات كأمر واقع، فلتتفضل وتأخذ قراراً بجرف المنطقة كلها وليس الاكتفاء بهدم بلاط منزل عريس»، على ما قال أحد جيرانه مُتسائلاً: «هل تريد الدولة التي رعت نمو مناطق مخالفة بأمها وأبيها مثل طريق المطار والأوزاعي وغيرها أن تفتح عليها هذا الفتوح؟». فيما قال آخرون إن «رئيس مخفر المنطقة حطوا براسو للقمان وقرر يربيه».
مظلومية شمس الدين مُقارنةً مع تطنيش الدولة على التعديات على الأملاك العامة من قبل «حيتان المال» والتغاضي عن ملفات كبار الفاسدين «العالقة» عند القاضي إبراهيم نفسه، كانت محور منشورات عشرات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن نشروا مقاطع مصورة وصوراً لهدم تعب الشاب الذي بقي خاطباً لثلاث سنوات كي يؤمن تكاليف ترميم المنزل.
تعليقات: