رحلة البحث عن مرحاض
المصنع ـ
تخبو مشكلة غياب المراحيض عن منطقة المصنع الحدوديّة فترات قليلة، لتعود بقوّة مع إطلالة فصل الصيف وقدوم السيّاح، الذين لا يجدون مفرّاً من الشكوى والاعتراض على هذا الغياب الفاضح لأبسط الحاجات في المنطقة التي تستقطب المئات من العابرين يوميّاً. فهنا، في المصنع، وتحديداً عند نقطة الأمن العام اللبناني، لا يكتفي العابر بانتظاره الطويل لانتهاء التفتيش، ويضاف إلى استيائه حرج من غياب المراحيض، وخصوصاً عندما يشعر بحاجته الملحّة إليها. وقد يضطرّ العابر، في غالبيّة الأحيان، إلى قضاء «حاجته» هذه في البراري المحيطة بالمنطقة وخلف مكاتب التخليص في مقرّ الأمن العام، التي عادة ما «يستنفر» أصحابها وموظفوها لمراقبة من يعبر إلى الجهة الخلفيّة، خوفاً ممّا قد يظنّون أنه يحصل!
غياب هذه المراحيض دفع بحسّان، السائح القادم من السعوديّة برفقة عائلته إلى اكتشاف «الحمّام الطبيعي» للمرّة الأولى، بعدما وصلت به الحاجة إلى «عدم تقبّل الأمر». يتذكّر حسّان تلك الحادثة مبتسماً، ولا ينسى إلى الآن جواب أحد موظّفي الأمن العام عندما سأله عن موقع المرحاض، حيث فاجأه بكلام لم يألفه في بلاده «ما في... دبر حالك بهالبرية». ولكن الابتسامة التي يتذكّرها اليوم، لم تكن كذلك لحظة عبوره الحدود، ففي حينها لم يكن في وارد قبول الفكرة، إذ إنّه «عيب ما يكون عند الحدود مراحيض»، ويستطرد قائلاً «قد يكون ما صادفني استثنائيّاً، ولكن المرضى، وخصوصاً مرضى السكّري، ماذا يفعلون».
أما أم جميل التي حاولت إخفاء حرجها من إجابة موظّف الأمن بالردّ بابتسامة، إلّا أنّها لم تستطع مع الوقت تحمّل ذلك الشعور، فطلبت من ابنها أن «يستدلّ إلى أقرب بيت أو أي شيء». ولأنّه «لم يكن باليد حيلة»، لم يجد جميل ما يجيب به والدته المسنّة سوى «ليس لك إلّا الهواء الطلق أو السيارة...».
ولكن في هذا الوضع، لم يكن العابرون هم فقط من يشعرون بالاستياء لغياب المراحيض، فموظّفو مكاتب التخليص يشاركونهم الشعور. وفي هذا الإطار، يشير أحد الموظّفين مصطفى أبو هيكل إلى أنّه اتّخذ قراراً في غرفته منع بموجبها فتح النوافذ «بسبب الروائح التي تنبعث من الخارج، وثانياً لوجود موظّفات معنا وفهمك كفاية». يتابع أبو هيكل، وهو يحاول أن يجد مبرّراً لعدم وجود مراحيض لتخلّصهم من الروائح وتجنّب القادمين الإحراج، ولكن من دون أن يتوصّل إلى نتيجة «لأنّني لست أنا المعني بهذا الأمر».
وإذ رأى رئيس بلدية مجدل عنجر حسن صالح، «أنّ المشكلة ليست في البلدية، لأن مبنى الأمن العام يخضع لوزارة الداخلية»، إلّا أنّه لم يخف أن هذه «الأزمة تحرج الدولة اللبنانية، لأنّ معبر المصنع هو بوّابة لبنان إلى الوطن العربي، فلا يعقل أن يستمرّ الحال على ما هو عليه». وبعيداً عن مشكلة المراحيض، تواجه المنطقة مشكلات إهمال أخرى، حيث يشير «إلى سوء الطريق الفاصلة بين الحدود السورية واللبنانية التي تؤدّي في الكثير من الأحيان إلى حوادث خطرة، إن كان بسبب غياب الدولة أو الإنارة التي تواجه خطر التقنين القاسي».
تعليقات: