لا يزال مصير الانتخابات البلدية المفترض إجراؤها الربيع المقبل مجهولاً. ما يشغل السلطة السياسية هو الانتخابات النيابية، فيما يُفترض التركيز على مُستقبل البلديات التي تحمل - وحدها ربما - تداعيات الأزمة الاقتصادية ووزر الشق الإنمائي والخدماتي في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها، بدءاً من هم إدارة النفايات الصلبة وتداعيات فيروس كورونا وصولاً إلى مخلفات الانهيار الذي فرض على المجالس المحلية التعامل مع أزمتي المحروقات والأدوية والأغذية وغيرها.
يتندّر رئيس إحدى البلديات الكبرى بأن من يترشح لترؤس بلدية أو لعضوية مجلس بلدي في ظلّ الانهيار الحالي «إما مجنون، أو هاوي مشاكل»، نظراً للكم الضخم من التحديات التي تواجهها البلديات التي ترعى وحدها اليوم تسيير الخدمات الإنمائية، في ظلّ احتجاز أموالها وانخفاض نسبة الجباية والرسوم. والأهم، في ظلّ عدم تعديل القوانين الراعية لعمليات الصرف بعدما فقدت العملة نحو 93 في المئة من قيمتها.
وبعيداً من مطلب حسم مصير الانتخابات الذي ينادي به رؤساء بلديات، ممن يريدون التفرغ لأعمالهم الخاصة أو يرغبون في البت في بعض الخطط المستعجلة، ثمة جانب «بالغ الأهمية» يلفت إليه المعنيون بإدارة البلديات، ويتمثل بـ«الورشة القانونية» اللازمة لإعادة إحياء العمل البلدي، أو «على الأقل لفرملة مسار انهيار البلديات وتدميرها»، على ما يقول رئيس بلدية الغبيري معن خليل لـ«الأخبار».
السقف الأعلى المسموح لأكبر بلدية بالتصرف فيه لا يتعدّى 2000 دولار!
قبل أسابيع، تم رفع سقف النفقة المسموح للمجلس البلدي بصرفها إلى 50 مليون ليرة بعد أن كانت عشرين مليوناً (وفق ما كان ينص القانون 2000/212)، فيما رفعت قيمة عقد النفقة المسموح لرئيس البلدية بصرفه من ثلاثة ملايين ليرة إلى 12 مليوناً، بهدف تسيير أمور البلديات. «إلا أن هذه الزيادات تبقى بسيطة مقارنة بالمشاريع التي يتوجب على البلديات تنفيذها. فوفق سعر الدولار اليوم، لا يُسمح لأكبر بلدية بالتصرف بأكثر من 2000 دولار بعد أن كان نحو 13 ألف دولار، فيما السقف الأقصى المسموح لرئيس البلدية التصرف به لا يتجاوز الـ600 دولار» وفق خليل، مُشيراً إلى ضرورة تعديل قوانين الرسوم والعلاوات (رقم 60/88) أيضاً «فالرسم الذي كان محدداً بثلاثة آلاف ليرة وغيرها لم يعد يغطي نفقات شراء أوراق وقرطاسية»، فضلاً عن اقتراح العودة إلى براءات الذمة المالية التي ستعود بإيرادات إلى البلدية.
مصادر إدارية معنية بملف البلديات أكدت لـ «الأخبار» ضرورة تعديل القوانين الراعية لعمليات الصرف والجباية، «بمعزل عن مصير الانتخابات، لأن تسيير العمل هو نفسه سواء مع المجالس القديمة أو المنتخبة»، مشيرة إلى أهمية تعزيز واردات البلديات «التي عليها أن تتحمل أعباء تأمين الفريش دولار لتغطية تكاليف الصيانة والمحروقات وغيرها في ظلّ تآكل قيمة مستحقاتها العالقة لدى الدولة».
ومعلوم أنه من أصل نحو 450 مليار ليرة مستحقة للبلديات، صُرف نحو 270 مليار ليرة في آخر عهد وزير المالية السابق غازي وزني عن مستحقات عام 2019، «علماً أن الأموال المستحقة للبلديات من الصندوق البلدي المستقل والعائدات المستحقة لها من الخليوي وغيرها لم يفرج عنها بعد وتفقد كل يوم قيمتها، فضلاً عن اقتطاع جزء كبير منها لتغطية تكاليف جمع وكنس النفايات»، على حد تعبير خليل.
المصادر الإدارية نفسها تشير إلى أن إقرار قانون الشراء العام في آب الماضي والمباشرة في تدريب متدربين لتسيير الأعمال البلدية المرتبطة بعمليات الشراء بدلاً من الصفقات والمناقصات من شأنه أنه يخفف من الهدر الذي كنا نشهده وأن يساعد المجالس على «ضبط» مصاريفها.
البلديات تطلب سلفاً
إلى ذلك، اجتمع، أمس، عدد من بلديات واتحادات بلديات في محافظة جبل لبنان للبحث في المشكلات التي تواجهها البلديات في ظل الانهيار والسعي لإيجاد حلول آنية ومستقبلية. ووفق بيان صدر عن الاجتماع، «تم الاتفاق على تشكيل لجنة متابعة للتواصل وزيارة البلديات واتحادات البلديات على كافة الأراضي اللبنانية (...)، والمطالبة بمنح سلفات خزينة من أموال الخزينة العامة لمساعدة البلديات واتحاد البلديات لتأمين رواتب العاملين وبدلات النقل وتقديم الخدمات للمواطنين سنداً للمادة 203 من قانون المحاسبة العمومية.
واقترح المجتمعون تخصيص نسبة مئوية من الموازنة العامة العائدة للدولة لتغذية حساب الصندوق البلدي المستقل لصالح البلديات والاتحادات سنوياً، «على أن يتم إبقاء اللقاءات والاجتماعات مفتوحة لمواكبة الواقع البلدي والإنمائي».
تعليقات: