جديدة ولدت من رحم الأزمات التي تعصف بلبنان، ضحاياها المطلّقات وأولادهنّ، فبعد أن كنّ يرفعن الصوت بعدم كفاية نفقاتهنّ ونفقة أبنائهنّ قبل الانهيار الذي ضرب البلد، كيف الآن مع جحيم الأسعار؟
سبق أن حكم القاضي الشرعي لسعاد سنة 2015 بـ700 ألف ليرة شهرياً نفقة لابنتيها، يفترض أن تكفيها كطعام، مسكن، لباس، أقساط مدرسية وطبابة وغيرها، وبحسب ما قالت لـ"النهار" "حينها كان المبلغ يعادل 466 دولاراً، أمّا اليوم فبالكاد يصل إلى 33 دولاراً لا تكفي غداء لهما لمدّة أسبوع، وتحت الضغط تراودني فكرة التخلّي عن حضانتهما، أي عن روحي التي أحيا بها، لأعاود تقوية نفسي، فبعد أن ربحت معركة تربيتهما لن أستسلم مهما قسا عليّ الدهر، وها أنا أعمل كمعلمة، وإن كان راتبي لا يكفي شيئاً إلّا أنّه يسندني قليلاً كي لا تكسرني الأيام". وتساءلت: "متى سيتمّ النظر بالنفقات ومعادلتها، ألا يفكر القضاة بآلاف السيدات اللواتي يعانين داخل جدران منازلهنّ، غير قادرات على مواجهة الحياة"؟
قبل أشهر رفعت هيام دعوى طلاق بعد أن وصلت علاقتها بزوجها كما قالت إلى نهايتها بسبب خيانته لها وتعنيفها، هي التي رزقها الله بولد كانت تأمل أن يسندها مهرها البالغ 25 ألف دولار لسنوات، وشرحت: "صعقت بعدما علمت أنّه عندما يحكم القاضي في القضية وأيّاً يكن حكمه سواء أكان مهري كاملاً أم نصفه، سأحصل عليه على سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة، ما يعني أن قيمته أصبحت 178 دولاراً، فأيّ عدل هذا؟ وكيف لي أن أؤسّس حياة جديدة من دون مهر ولا عمل؟ وكيف لي أن أتمسّك بحضانة ابني من دون معرفتي مقدار النفقة التي سأحصل عليها"؟!.
في المحاكم السنية
لكن ماذا عن النفقات ومهر السيدات اللواتي تطلّقن في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار؟ عن ذلك شرح قاضي بيروت الشرعي الشيخ حسن الحاج شحادة لـ"النهار" قائلاً: "شرعاً تقدّر نفقة المطلقة من تاريخ الطلب ما يعادل ما ينفقه طليقها على نفسه، ايساراً واعساراً، فإن كان ميسوراً عليه أن ينفق عليها بقدر ايساره، وعلى المعسر بقدر استطاعته"، مضيفاً "نفقة الأولاد تختلف عن المطلقة، حيث تقدر بقدر كفاية الولد سواء أكان الوالد غنياً أم فقيراً، إذ ينظر القاضي ما هي كفايته من مأكل، مسكن، لباس، طبابة وتعليم".
وأشار القاضي شحادة الى أنه "في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار وما ترافق معه من مداخيل متدنية يوازن القاضي بين مداخيل الرجل والنفقة، أي الّا تظلم المرأة وأولادها وألا يظلم هو". وفيما يتعلق بالمهر، شرح أن "أيّ مهر تحكم به المحكمة للمطلقة تأخذه على سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة، وهذا بحسب القانون لا الشرع، فالشرع يعطيها ما هو مكتوب، لكن دوائر التنفيذ في العدلية تتقيد بسعر صرف مصرف لبنان، من هنا تتصاعد الصراخات وتتطالب المطلقات بالعدالة".
في المحاكم الجعفرية
لا يختلف الأمر لدى المحاكم الجعفرية حيث أكّد رئيس محكمة الشياح الجعفرية القاضي الشيخ موسى السموري لـ"النهار" أنّه "حتى الآن نسير حسب رواتب الشعب اللبناني التي هي بالليرة اللبنانية، ما عدا من يقبض بالدولار فإنّ النفقة تحدّد حينها بالعملة الأجنبية، وذلك في ظلّ غياب الوضوح فيما يتعلّق بالرواتب".
وفيما يتعلق بالمهور، قال القاضي السموري "اذا كان المهر بالدولار فنحكم للمطلقة بالدولار لكن المشكلة في دوائر التنفيذ التي تطلب الإيداع على سعر صرف 1500 ليرة، لذلك تتمّ مراجعتنا في قضايا عدّة، جوابنا أنّ حكمنا شرعيّ والمشكلة من الناحية القانونية، وهذا لا ينفي التزام البعض بالشرع والدفع للمرأة بالدولار".
الصرخات تعلو في المحاكم سواء السنية أو الجعفرية، فمن كانت تتوقّع أن تحصل على مهرها بالدولار تصدم بالواقع وبالقوانين، وبأنّ المبلغ الذي اتفقت عليه عند عقد قرانها لم يتآكل فقط بل ابتلعه ارتفاع سعر صرف الدولار.
تعليقات: