مزارعون في حقل في البقاع
بدأ المزارعون تحركهم في مواجهة الأسباب التي يعتقدون أنها تقف وراء انهيار الأسعار في السوق المحلية إلى ما دون الأكلاف، فيما يواجه العالم أزمة ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. إلا أن السياسيين سارعوا إلى الدخول على الخط في محاولة استقطابية بحثاً عن تدعيم مشروعهم الانتخابي في المناطق الزراعية، في ظل توقعات بإعادة العمل بالبرنامج من ضمن توجهات الرئيس الجديد. فالتجار يتحركون في هذا الاتجاه بدعم سياسي ــــ انتخابي، ولكنهم «يعاقبون» المزارع على تراجع الأسعار، فيتسلّمون المنتجات بأسعار منخفضة، والدولة ممثّلة بوزير الاقتصاد والتجارة سامي حداد «تعاقب» الجميع بقرار غير مدروس، قد تتراجع عنه بسبب الضغط السياسي الانتخابي، لا بسبب كونه قد أهلك المزارعين.
■ موسم انتخابات
فجأة، ارتفعت وتيرة الضغط في اتجاه إعادة العمل ببرنامج دعم الصادرات الزراعية «إكسبورت بلاس»، علماً بأن «الصمت السياسي» كان سيد الموقف عندما اتخذت الحكومة هذا القرار بوقف العمل بالبرنامج لمدة سنة، وسبقه قرار آخر بوقف العمل بالبرنامج نهائياً بعد خمس سنوات، على أن تخفض قيمة الدعم 20 في المئة سنوياً.
وكان النائب السابق خليل الهراوي، الذي تربطه علاقة وطيدة بالرئيس ميشال سليمان، هو أول من خرق جدار الصمت مباشرة بعد انتخاب سليمان، لتبدأ مرحلة جديدة من «الكلام» بهدف الاستقطاب الانتخابي، ولا سيما بعد أن انضمت النائبة بهية الحريري إلى موجة المطالبين بإعادة العمل بالبرنامج المذكور.
هذه الخطوة السياسية لم تكن الوحيدة، وخصوصاً في منطقة البقاع التي تشهد تنافساً انتخابياً قوياً. فبحسب المعلومات، وَعَدَ النائب سعد الحريري مزارعي البطاطا في البقاع بالتعويض عليهم من جيبه الخاص جرّاء وقف العمل ببرنامج إكسبورت بلاس وانخفاض الأسعار في السوق المحلية، أو شراء قسم من المحصول، ما أدى إلى توقف بعضهم عن «قلع» البطاطا، فتحركت الأسعار صعوداً، ولكن ليس بما يتناسب مع الكلفة، فيما لم تترجم هذه الوعود حتى اليوم.
والمتداول بين التجار أيضاً أن كبار المزارعين ــــ التجار لجأوا إلى النائبة بهية الحريري للاعتراض على قرار تعليق «إكسبورت بلاس»، فهي لم تتوقف عن دعمهم، وأعربت لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن معارضتها للقرارات التي اتخذت ضد برنامج «إكسبورت بلاس» وضد «الروزنامة الزراعية».
■ سياسة جديدة
وينقل زوار سليمان أنه يتحدث بإيجابية عن القطاع الزراعي، ولا سيما أنه يعلم الأضرار التي تصيب هذا القطاع من خلال الكشوف التي كان يجريها الجيش اللبناني في السابق، كما أن لديه أقرباء عاملين في هذا القطاع، فضلاً عن علاقته القوية بالهراوي. وقد سمع متابعون لموضوع إعادة العمل بالبرنامج من وزير الاقتصاد والتجارة سامي حداد (وهو عرّاب قرارات الإلغاء وعدم طلب تجديد العمل بالروزنامة الزراعية)، كلاماً عن سياسة جديدة يريد الرئيس الجديد انتهاجها.
وتقول مصادر المزارعين إن الفريق القريب من حداد يبحث، ضمن السياسة الجديدة، عن صيغة جديدة لإعادة العمل بالبرنامج، من دون أن تمر بمجلس الوزراء، وإذا كان ذلك غير قابل للتنفيذ، فإن الإعداد يجري بناءً على دعم المنتجات المصدّرة بحسب سلّم زمني متحرك يحافظ على مستوى «مقبول» للأسعار، يكون فيه هامش للمزارعين وآخر للتجار. وتشير المصادر إلى ضغوطات تمارس على حداد ليتزامن قرار التراجع عن تعليق «إكسبورت بلاس» مع إعادة إحياء الروزنامة الزراعية.
■ تحت الكلفة
في المقابل، كان هناك آثار حقيقية محرّكة للمطالبة بإعادة العمل ببرنامج إكسبورت بلاس. فالأسعار التي يفرضها التجار على المزارعين دون أسعار الكلفة، وقال عضو جمعية المزارعين، أكرم مهنا، لـ«الأخبار» إن سعر كيلوغرام البطيخ بالجملة يتراوح بين 50 و100 ليرة، وسعر كيلوغرام البندورة يبلغ 150 ليرة، وكيلوغرام الدراق أو التفاح بين 500 و600 ليرة، والخيار 100 ليرة... ويشير إلى أن إلغاء الرسوم الجمركية على دخول المنتجات الزراعية دفع الأسعار نزولاً، وقضى على الإنتاج المحلّي.
وفي ظل هذه الوقائع، يلفت مهنا إلى حالات إفلاس زراعية ناتجة من عدم قدرة المزارعين على تسديد الأقساط الواجبة عليهم من القروض المصرفية، فيما يصرّف الإنتاج بشكل محدود بسبب غياب القدرة التنافسية للمزارع اللبناني وارتفاع الأكلاف، علماً بأن هامش تأثّر التجار بانخفاض الأسعار ضئيل، إذ إنهم يخفضون الأسعار على المزارع وبالتالي لا تتأثر أرباحهم إلا بنسبة صغيرة، حيث تقتصر «الأضرار» على قيم الدعم، وفق برنامج إكسبورت بلاس، والتي كانوا يحصلون عليها لقاء كل «كونتينر» محمّل بالمنتجات الزراعية يجري تصديره.
وكان مضمون المؤتمر الصحافي الذي عقده حداد، الاثنين الماضي، والذي رأى فيه أن المستفيد من تراجع الأسعار هو المستهلك اللبناني، قد أثار ردود فعل المزارعين. ورد رئيس تجمع مزارعي الجنوب، هاني صفي الدين، على حداد، مشيراً إلى أنه «نسي أو تناسى أن الإنتاج الزراعي في لبنان يفوق حاجة اللبنانيين، والتصدير ضروري كي يتمكن المزارع من متابعة عمله في هذا القطاع»، لافتاً إلى أن مقولة التعاون الزراعي ــــ الصناعي لا تكفي، «فهل يريد أن ننتظر إنشاء المصانع، وهذا غير ممكن حالياً، وخصوصاً في هذه الظروف، فيتوقف المزارع عن الزراعة ريثما تنشأ المصانع؟ وهل يستطيع المزارع أن يتحمّل فرق سعر المحروقات، وزيادة الأكلاف؟».
مجرد إشارة
ثورة الفلاحين
دعا رئيس «جمعية المزارعين اللبنانيين»، أنطوان الحويك، رداً على كلام وزير الاقتصاد سامي حداد عن الصادرات الزراعية، إلى الإعداد «لثورة الفلاحين إذا لم تتراجع الدولة عن قراراتها المجحفة التي أدت إلى انهيار معظم القطاعات وكساد المواسم وإفلاس المنتجين». وأكد أن صغار المزارعين هم المتضرر الأكبر من إلغاء «إكسبورت بلاس» لأنهم واقعون بين مطرقة السلطة وسندان التجار، أما المستفيد فهو التجار الذين يشترون المنتجات بعد تدهور أسعارها إلى ما دون الكلفة، يخزنونها بهدف تصديرها بعد «إعادة العمل ببرنامج دعم الصادرات التي ستتم، في حدّها الأقصى، عند تأليف الحكومة الجديدة، وستكون أول قرار يتخذ في أول اجتماع لمجلس الوزراء».
وعدّد الحويك، في بيان له أمس، مطالب المزارعين كالآتي: إعادة العمل بالروزنامة الزراعية، مساواة إنتاج الفروج بالرغيف، إعادة دعم إنتاج القمح، إعادة العمل ببرنامج دعم الصادرات الزراعية وبمشروع إنعاش الإنتاج الحيواني.
وقال إن كلام حداد يوم الاثنين يؤكد شعاره وشعار الفريق الاقتصادي الحاكم «إننا نعمل بكل فخر واعتزاز على إفلاسكم والهجرة أشرف لكم من الفقر»، مشيراً إلى ما ورد أيضاً على لسان حداد من أن دعم إنتاج القمح كلّف «خسارة 150 ألف ليرة للطن الواحد»، أي ستة ملايين دولار أميركي لدعم الأمن الغذائي للبنانيين، بينما هُدرت ملايين الدولارات في دعم القمح المستورد وتوزيع 4 آلاف طن من الطحين المدعوم شهرياً على الأزلام والمحاسيب بقيمة 7 ملايين دولار حتى أيار الماضي.
تعليقات: