تقول الحكاية:
كانت مدينة سامراء في شمال العراق، مدينة علم، وفيها جامعة كبيرة، على رأس هذه الجامعة العلامة الكبير (أبو الحسن).
وكان أبو الحسن، من ألمع رجالات الفكر في العراق، ولديه عدد كبير من الطلاب من دنيا العرب..
كان من بين تلامذته، تلميذ فقير الحال لكنه يحمل ذهناً متوقداً، كان طموح التلميذ أن يصبح أحد أعمدة العلم في العراق.
وفي يوم قائظ، خرج التلميذ الفقير من الدرس جائعاً إلى السوق، يحمل في جبيه فلساً ونصف الفلس، لكن الوجبة من الخبز والفجل تكلف فلسين ،،،
اشترى بفلس واحد خبزة واحدة،
ذهب الى صاحب محل الخضروات وطلب منه باقة فجل وقال للبائع: معي نصف فلس فقط، فرد عليه البائع ولكن الباقة بفلسٍ واحد!
قال الولد : سوف أفيدك في مسالة علمية أو فقهية مقابل الفجل، فرد عليه بائع الفجل لو كان علمك ينفع لكسبت نصف فلس من أجل إكمال سعر باقة فجل واحدة ...
إذهب وانقع علمك بالماﺀ واشربه حتى تشبع !!!!!!
كانت كلمات البائع أشد من ضرب الحسام على نفسه ...
قال الولد لنفسه: نعم، لو كان علمي ينفع لأكملت به سعر باقة الفجل الواحدة نصف فلس !!! علم عشر سنوات لم يجلب لي نصف فلس !!!!
لأتركن الجامعة، وأبحث عن عمل يليق بي وأستطيع أن أشتري ما أشتهي.
بعد أيام من الغياب افتقد الأستاذ الكبير تلميذه النجيب، وفي قاعة الدرس سأل الطلاب أين زميلكم المجيد؟؟
فرد عليه الطلاب، إنه تخلى عن الجامعة والتحق بعمل يتغلب به على ظروفه القاسية.
أخذ الاستاذ عنوان الطالب وذهب إلى بيته كي يطمئن عنه...
ولما سأله الأستاذ عن سبب تركه الجامعة رد عليه سارداً له القصة كاملة، وعيناه تذرفان الدموع.
فقال له أستاذه: إن كنت تحتاج إلى نقود إليك خاتمي هذا، إذهب وبعه وأصلح به حالك .
قال الولد أنا كرهت العلم لأني لم أنتنفع منه.
قبل الطالب هدية أستاذه، وسار إلى محلات الصاغة وهناك عرض الخاتم للبيع.
استغرب الصائغ وقال : أشتريه منك بألف دينار ولكن من أين لك هذا الخاتم؟؟
فقال هو هدية لي من أستاذي ابو الحسن.
ذهب الصائغ مع التلميذ وقابلا الأستاذ واطمئن الصائغ الى صدق الطالب.
أعطى الصائغ ثمن الخاتم إلى الطالب، و رحل.
قال الأستاذ: أين ذهبت عندما أردت بيع الخاتم ؟
فرد الطالب إلى محلات الصاغة بالطبع .
فرد عليه الأستاذ : لماذا ذهبت إلى محلات الصاغة و لم تذهب الى بائع الفجل؟
فرد عليه الطالب هناك يثَمِّنون الخواتم والمعادن الثمينة !!!
فرد عليه الأستاذ متعجباً: لماذا إذا قبلت أن يقوم بائع الخضار بتقييم علمك فيقول إن علمك لا ينفع شيئاً؟!!!
هل يُثمِن البائع علمك؟...
لا يُقَيّم و لا يثمن الشيﺀ سوى من يعرف قيمته، وأنا من يعرف قيمة علمك.... إنك من أعظم طلابي يابني.
لا تدع من لا يعرف قيمتك يثمنك، ثمّن علمك عند من يعرف قدرك إرجع الى درسك وعلمك...
العبرة
كم مرة نقع ضمن تثمين خاطئ من شخص لا يعرف قيمتنا ؟
الناس معادن ولايعرف قيمة المعدن النفيس إلا من يفهم بالمعادن.
فلا تجعل بائع الفجل يُقيّمك.
(منقول) فواز حسين حرفيش خريف 2021
تعليقات: