شركة «أجنحة الشام» في بيروت: تجارة بالبشر تدفع بالمهاجرين غير الشرعيين إلى حدود اوروبا

أجنحة الشام
أجنحة الشام


كانت زيارة نائب رئيسة المفوضية الأوروبية مارغاريتس سكيناس الى كبار المسؤولين اللبنانيين يوم الجمعة الماضي المؤشر الأول على الحجم الكبير للهجرة غير الشرعية من مطار بيروت الى دول الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا. لكن وسائل إعلام أوروبية عدة كانت طرحت هذا الموضوع بقوة خلال الاسبوع الماضي. وقد ربطه بعضها بتهديد وزير الخارجية السابق جبران باسيل قبل سنوات بتدفق النازحين السوريين من لبنان الى أوروبا ما لم تقدّم أوروبا الدعم الى لبنان وترفع الشروط التي تعرقل ترحيلهم الى سوريا بحجة الخوف من تعرّضهم للملاحقة من النظام.

وكان تلفزيون "دويتشه فيلله" نقل عن الشرطة الألمانية أن نحو ألف مهاجر غير شرعي يصلون الى مينسك، عاصمة بيلاروسيا يومياً، تمهيداً للانتقال في الأحراج عبر بولندا الى دول أوروبية في طليعتها ألمانيا وهولندا وبريطانيا. ويأتي معظم هؤلاء من العراق وسوريا وإيران وأفغانستان وتركيا، وقلة منهم من الكاميرون والكونغو. ويتهم الأوروبيون الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو بضلوعه في خطة لتسهيل قدوم المهاجرين الى بيلاروسيا بصفة سياح، وارسالهم بعد هذا الى حدود بولندا للعبور خفية، وذلك لخلق مشاكل للدول الأوروبية والضغط عليها لابتزازها. ومعروف ان بيلاروسيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا، ويُعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحليف الوحيد للوكاشنكو. وفي حين نقلت صحف أوروبية أخبار سحب الحكومة العراقية أوراق اعتماد قنصل بيلاروسيا في بغداد ووقف الرحلات إليها، ذكرت أن لبنان وعد بتكثيف المراقبة، بلا إيقاف للرحلات.

وقد نشرت جريدة "فولكس كرانت" الهولندية المعروفة يوم السبت الماضي تحقيقاً مفصلاً عن الموضوع، أعده من بيروت مراسلها في الشرق الأوسط يني-يان هوتلاند، عنوانه: "حديث الساعة بين النازحين في بيروت هو: الحل الأسهل للهجرة بطاقة ذهاب بلا إياب إلى مينسك”. وهو يعرض لأساليب #الهجرة غير الشرعية الى اوروبا، بقيادة عصابات منظمة تبتز النازحين، الذين يضطرون إلى بيع كل ممتلكاتهم في سوريا ولبنان لدفع التكاليف. وقد قال أحدهم للمراسل إنه رغم معرفته بكذب وعود الوسطاء وإدراكه لحجم المخاطر والأوضاع الصعبة، فهو عازم على المغامرة، لأن هذا هو أمله الوحيد بحياة جديدة. وهو يأمل أن يعبر من بيلاروسيا إلى هولندا أو بريطانيا، حيث سبقه آخرون من معارفه. ويقول إن الرحلة عبر بيلاروسيا غير متاحة للذين لا يستطيعون جمع المال الكافي ولا يملكون روح المغامرة والمقامرة.

يقول المراسل إن البعض يقصد مباشرة قنصلية بيلاروسيا في بيروت، للحصول على تأشيرة سياحية، بناء على جواز سفر وبطاقة سفر وبوليصة تأمين صحي، بكلفة تقارب الألفي يورو. ولأن المعاملات القنصلية تطول بسبب كثرة الطلبات، يلجأ البعض الى وسطاء لتسهيل المعاملات، التي قال أحد الذين قابلهم المراسل أن بعضها يجري عبر مكتب شركة طيران تدعى "#أجنحة الشام". وقد زار المراسل المكتب الصغير للشركة في بيروت، حيث امتنع الموظفون، ومعظمهم من السوريين، عن إعطاء معلومات. ويقول المراسل إنه حين كرر سؤاله عن طبيعة عمل الشركة وتسهيلها للهجرة والرسوم التي تتقاضاها، أجابه أحد الموظفين: "لو طرحت هذه الأسئلة في دمشق، لكنت الآن في السجن". ويذكر التحقيق أن شركة طيران أجنحة الشام موضوعة على لائحة العقوبات الأميركية منذ عام 2016. وهي تعرض على طالبي الهجرة بطاقات سفر واقامة في مينسك لسبعة ايام، وخدمات أخرى. ويعرض وسطاء في لبنان تسهيل اجراءات الهجرة غير الشرعية عبر بيلاروسيا لقاء دفع مبلغ 3900 يورو قبل السفر و 2400 يورو عند الوصول الى مينسك. ويشك بعض الذين تحدثوا الى مراسل الجريدة الهولندية أن تكون "أجنحة الشام" غطاءً لجمع العملة الأجنبية لحساب النظام السوري.

أحد طالبي الهجرة، الذي اكتفى باسمه الأول، محمد، وهو جاء الى لبنان منذ سنوات من القامشلي، قال للمراسل انه رغم التكاليف والمخاطر، "فالبقاء في لبنان ليس متاحاً والعودة الى سوريا ليست خياراً، لأنها تعني قبول الانخراط في جيش الأسد". ويترك محمد زوجته وطفليه الصغيرين في لبنان لعدم قدرتهم على تحمّل مخاطر السفر، على أن يلتحقوا به إذا نجح في الوصول والحصول عل إقامة شرعية.

وقد أبلغ أحد الذين قابلهم المراسل عن وجود صفحة على الفيسبوك تحت إسم belarusonline تعرض الهجرة إلى بيلاروسيا مقابل مبلغ يراوح بين 10 آلاف و 12 ألف دولار، وتدّعي الصفحة ان الحكومة تمنح القادمين بيوتاً مجانية وتؤمن لهم العمل. لكن ما يحصل فعلاً انه يتم التغرير بهم، ولا يحصلون على شيء من الوعود، بل يُرسَلون الى الحدود للعبور الى بولندا في رحلة تحف بالمخاطر. ويقبع اليوم الآلاف على الحدود في أوضاع سيئة جدا، بعدما غررت بهم بيلاروسيا وتركتهم لمصيرهم.

ويُذكر أن شركة الطيران البيلاروسية، بيلافيا، التي تسيّر رحلات من بيروت، تعتزم توسيع شبكتها في الشرق الأوسط لتصل إلى 40 رحلة اسبوعياً. ويتخوف الأوروبيون أن تحمل كل رحلة إضافية المزيد من المهاجرين غير الشرعيين.



تعليقات: