قانون «الكابيتال كونترول»، حتى ولو أتى متأخراً، محطة أساسية للتعافي، ويدخل في صلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي والاعتراف بالخسائر وتوزيعها. لا يكمن الحلّ في تنفيذ أجندة صندوق النقد أو الحفاظ على مصالح فئة صغيرة من المجتمع، بل اتخاذ كلّ الإجراءات التي تحمي الاستقرار وتؤمّن مصادر التمويل والاحتياجات الوطنية وتُعيد إطلاق الاقتصاد
في 28 تشرين الأول الماضي، كان يُفترض أن تُطرح على الهيئة العامة لمجلس النواب نُسختان لمشروع قانون القيود على السحوبات المصرفية (الـ«كابيتال كونترول»)، أحدهما قدّمته لجنة المال والموازنة، والثاني يتضمّن ملاحظات لجنة الإدارة والعدل. إلا أنّ البند سُحب عن جدول أعمال الهيئة العامة بتدخّلٍ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تنفيذاً لطلب صندوق النقد الدولي بعدم إقرار مشروع القانون قبل الأخذ بملاحظاته التي تعدّ أساسية، وإلا فإنّ الصندوق سيتعامل معها كـ«رسالة سلبية» في إطار التفاوض على برنامج قرضٍ. الاعتراض على عدم إدراج ملاحظات «الصندوق» في مشروع القانون، نقله المدير التنفيذي لصندوق النقد وممثل المجموعة العربية في مجلس إدارة الصندوق محمود محيي الدين إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلال لقائهما في تشرين الأول الماضي.
صندوق النقد طلب، ورئيسا مجلسَي النواب والوزراء التزما: لا دعوة لجلسة اللجان المشتركة إلا بعد وضع مسودة جديدة تتضمن ملاحظات الصندوق. النسخة الجديدة أصبحت جاهزة مع نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس اللجنة الوزارية لوضع خطّة التعافي والتفاوض مع الصندوق، سعادة الشامي. وهو سيُقدّمها اليوم إلى أعضاء لجنتَي المال والموازنة والإدارة والعدل. لكن بعض النواب استبعدوا الانتهاء من مناقشة مسودة الشامي في جلسة واحدة «لقراءتها وتقديم ملاحظاتهم». مثلاً، يعترض الصندوق على حصر الصلاحيات بمجلس النواب أو بتوسيع دور مصرف لبنان، ويسعى ليكون هناك دور أوسع للسلطة التنفيذية «من خلال المراسيم والتعاميم». ومن غير الواضح، إذا كان هذا الشرط سيكون إشكالياً لجهة إثارة صراع الصلاحيات بين المرجعيات المختلفة.
يختصر مسار قانون القيود على السحوبات المصرفية، الذي انطلق مع حكومة حسّان دياب في ربيع عام 2020، طريقة تعامل المسؤولين مع الأزمة المالية - الاقتصادية - النقدية. كلّ الإجراءات التي اتُخذت كانت مقصودة لعدم المسّ بجوهر العلّة، بالتالي عدم تعريض مصالح أبناء النظام للخطر. لكن ممثلي «الصندوق» لديهم رأيٌ آخر. فهم يتحدثون عن ضرورة إقرار «الكابيتال كونترول» كأحد شروط عقد الاتفاق معه، وباعتباره لا ينفصل عن مرحلة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وعودة التحاويل المالية المصرفية، وكأساس لمعالجة عجز ميزان المدفوعات (بيان تُسجّل فيه كلّ التبادلات المالية لبلدٍ ما مع بقية دول العالم. العجز فيه يعني أنّ العملة الصعبة التي دخلت البلد أقل من الكميات التي خرجت منه).
لم يعد النقاش حول الكابيتال كونترول مرتبطاً بما تريده المصارف أو بحاجات المجتمع والاقتصاد
حالياً، لم يعد النقاش حول قانون القيود المصرفية يجري لا بناءً على ما تُريد المصارف، ولا بناءً على الحاجة المجتمعية والاقتصادية له، بل تُعقد اجتماعات النواب لتفصيله على قياس صندوق النقد، كسباً لدولاراته المفترضة. فمن غير الواضح، بالنسبة لصندوق النقد، إذا كان مشروع القانون المُقدّم سيزيد أم يُقلّص القيود على تحويلات الحساب الجاري (يضم الحساب التجاري الذي يُسجّل عمليات الاستيراد والتصدير، وعوائد عناصر الإنتاج) وحساب رأس المال، أو إذا كان سيزيد الضغوط على الليرة ويؤدي إلى انهيارها أكثر. ما لا يقوله ممثلو «الصندوق» إنّ الناس ستلجأ إلى استبدال ليراتها بالدولار من السوق الموازية، ما سيرفع سعر الدولار. وفي هذا الإطار، يتوقّف «الصندوق» عند عمليات السحب والتحويل من العملة الأجنبية إلى المحلية، ومدفوعات القروض والرهن العقاري التي ستتم على أساس سعر الصرف في السوق، بحدّ أقصى «الأرجح أن تضعه المصارف التجارية. المحاولات الأخيرة لتقييد المعاملات في السوق الموازية، وتوجيه سعر الصرف، وفرض عقوبات على الصرافين غير الشرعيين، أتت بنتائج عكسية». انطلاقاً من هنا، «ترك هذه المسألة بيد المصارف، سيؤدي إلى سلطة استنسابية وتمييز بين المودعين، لا سيما الصغار والمتوسطين».
يعتبر صندوق النقد أنّ تحديد سعر الصرف في المستقبل «أمر بالغ الأهمية لتقييم تأثير مشروع قانون الكابيتال كونترول. مثلاً، تحديد سعر صرف لكل معاملات التجارة الخارجية ستتطلب تدابير أخرى للتعامل مع القيود المصرفية، بما فيها ما يتعلّق بالدولارات الجديدة».
تعليقات: