المجلس الدستوري وقيادة الجيش على محكّ معارك عون


يخوض رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر هجمات استباقية استعداداً للانتخابات النيابية والرئاسية. لكنها بدأت تفرز مشاهد سياسية وقضائية تضع الاستحقاقات كافةً على المحك


يظهر، بوضوح، حجم المعارك الاستباقية التي يشنّها العهد والتيار الوطني الحر قبل الانتخابات النيابية، ومع السنة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. في السياسة، كل شيء مشروع، وأدوات الحملات الهجومية أو الدفاعية متاحة لكل الأطراف. لكن التيار، في ظل انحسار القوى السياسية المعارضة عن الكشف عن معاركها مبكراً، استبق الحملات الانتخابية النيابية والرئاسية ببروغاندا متأخّرة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبحملة على الرئيس سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي بعد التفاهم الأولي للأخير مع القوات على خوض الانتخابات النيابية. إلا أن المعركة الأهم لا تتعلق بالانتخابات النيابية، إذ إن أول ملامح الهجوم المضادّ، المتعلّق برئاسة الجمهورية أولاً وآخراً، تفرز حيثيات سياسية لا يمكن إلا التوقف عندها لأنها تطيح مسلّمات رئيسية:

أولاً، رفع عون سقف المعركة الى الحدّ الأعلى بفتحه موضوع الرئاسة مع بداية السنة الأخيرة من عهده، وأظهر تلويحه أكثر من مرة، من خلال كلام مباشر أو توضيحات أو مقابلات، أن الرغبة في البقاء في قصر بعبدا قائمة، لكن البحث الجدي يدور حول قوننة هذا البقاء. إلا أن عون في كلامه حول ربط بقائه بقرار مجلس النواب، يفتح الباب أمام اجتهادات التلميح بأن لا انتخابات نيابية بالمطلق حتى قبل حسم الرئاسة. والمعادلة بذلك بسيطة، كون أول المؤشرات، وليس ارتفاع تسجيل المغتربين وحده، ترمي ظلالاً من الشك حول استعادة الأكثرية الحالية في المجلس النيابي المقاعد نفسها أو حصول التيار الوطني على الحصة ذاتها، ما يطرح السؤال: أيّ مجلس نيابي سيمدّد لرئيس الجمهورية؟ مجلس عام 2022 الذي تحاول المعارضة تجميع نفسها لكسب الأكثرية فيه، وقد بدأت الأموال تُضَخّ بكثافة تحت عناوين مختلفة لخوض الانتخابات ضد العهد كهدف أول، ولا سيما بعد الاستنهاض الذي أحدثه الكلام الأخير لرئيس التيار جبران باسيل، أم مجلس عام 2018 الممدّد لنفسه برئاسة الرئيس نبيه بري (الذي لم تنجح أي وساطة بجمعه مع التيار الوطني) والذي لم تلاق رسائل رئيس الجمهورية إليه أيّ صدى فيه؟

ثانياً، إن مجرد الكلام حول وساطة بين العهد والتيار وبري من جانب حزب الله يفتح الباب أمام المسّ بسمعة المجلس الدستوري وصدقيّته. ورغم أن المجلس هو السلطة التي يفترض أن تكون فوق الشبهات، ومن المفترض أن يتوّج أعضاؤه ورئيسه مسيرتهم بأحكام لا لبس فيها، ورغم حرص عون في ردوده المتتالية في الفترة الماضية على أهمية الفصل بين السلطات القضائية والسياسية، تقوم الوساطة بينه وبين بري على مقايضة قرار المجلس الدستوري بقرار محاكمة الرؤساء والوزراء. يعني ذلك أن القوى السياسية المتمثلة بعون وبري وحزب الله والتيار الوطني ستطلب من المجلس الدستوري، بكل بساطة، اتخاذ قرار قضائي دستوري في شأن الطعن ببعض مواد قانون الانتخاب. ورغم أن هذا الأمر كان متوقعاً بطريقة مواربة ومن دون إعلان صريح، إلا أن هذه التلقائية في التعامل مع قرار المجلس الدستوري تطيح آخر المعاقل القضائية، سواء من خلال الطعن أو من خلال تطيير النصاب، وتظهر في الوقت نفسه حجم نفوذ هذه القوى ومدى إحكام قبضتها على كل المراكز التي تعتبر أن لها الحق في استخدامها في معارك النفوذ الحالية.


رئيس الجمهوريّة يضع قائد الجيش منافساً له وليس لباسيل فقط

ثالثاً، لم يفتح عون معركة خلافته كما جرت عادته، بل وضع نفسه مجدداً في السباق الرئاسي، ليضع المرشحين التقليديين في منافسة معه، أو لطرح التسوية الرئاسية على الطاولة. وأول هؤلاء قائد الجيش العماد جوزف عون. في أول تلمّس لوضع قيادة الجيش والحرس الجمهوري إذا رفض عون مغادرة القصر الجمهوري من دون مسوّغ قانوني، يكون الجواب التقليدي أن الجيش، والحرس الجمهوري تابع له، سيتصرف كما جرى مع انتهاء عهدَي الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان، أي أن إمرة الحرس الجمهوري، رغم التعيينات التي جرت فيه والمحسوبة على رئيس التيار الوطني الحر، ستعود عملانياً وفعلياً الى قائد الجيش مع انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية. لكن القضية باتت تأخذ أبعاداً أخرى مع طرح مسوّغات قانونية لبقاء عون، ما يعني أن قائد الجيش المرشح لرئاسة الجمهورية لن يكون على موعد مع فراغ رئاسي يتيح له أن يكون مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية على غرار ما حصل مع الرئيس ميشال سليمان، بعد انقضاء مهلة تقديم استقالته. وحده الفراغ قد يأتي به رئيساً، فيصبح المشروع الوحيد للقائد المرشح لرئاسة الجمهورية أن يحصل فراغ رئاسي. لكن رئيس الجمهورية يقطع الطريق أمامه، ليصير قائد الجيش منافساً له، وليس منافساً لباسيل فقط. وهنا يصبح وضعه في السنة الأخيرة على المحكّ، مع أي خطوة يقوم بها خارجياً، أو أداء خاطئ يرتكبه ومجموعة المحيطين به عسكريين ومدنيين. الأكيد أن طلب استبداله في السنة الأخيرة لن يكون مطروحاً كما حصل سابقاً مع طلب عون وباسيل تغيير قائد الجيش العماد جان قهوجي في حكومة الرئيس تمام سلام في عهد سليمان، لأسباب أميركية بالدرجة الأولى، لكن في المقابل لن يكون سهلاً على قائد الجيش خوض معركة رئاسية مكشوفة في ظل ما يضعه العهد وباسيل من مشاريع طموحة، ولو وضعت مستقبل الرئاسة الأولى في دائرة الخطر.

تعليقات: