والدة الشهيدة تحمل صورتها والى جانبها حفيدتها دلال المغربي
الأعلام الفلسطينية المرفوعة فوق الشرفة ترشدك سريعاً إلى منزل عائلة الشهيدة دلال المغربي المتواضع في منطقة الطريق الجديدة. هناك جلست آمنة إسماعيل ترحب بضيوفها القادمين للتهنئة بقرب عودة رفات ابنتها التي ودّعتها على عجل في 9 آذار 1978 لتغادر مع 12 من رفاقها (مجموعة دير ياسين) إلى ربوع فلسطين حيث قادت عملية الشهيد كمال عدوان.
ابنة بلدة شوكين الجنوبية، لا تقوى على الوقوف لاستقبال زوارها، وهي تستعين بحفيدتها دلال ابنة السبع سنوات التي تحمل أوجه شبه كثيرة مع عمتها غير اسمها. واضح هو المشهد الذي يرتسم في عيني الحاجة آمنة كلما نظرت إلى صورة تلك الصبية التي التقطت في مدينة صور بالأبيض والأسود وجرى تلوينها وفق تقنيات ذلك العصر قبل أن تهديها إلى والدتها.
آمنة تقول إن وصية دلال أن تدفن في تراب فلسطين. أما والدها سعيد، الذي رحل بهدوء قبل 19 عاماً، فكان دائماً يردد على مسامع العائلة أمنيته بأن يرقد إلى جانب دلال في فلسطين.
وصية «رئيسة» دولة فلسطين كما لقّبها الشاعر الراحل نزار قباني، نُقضت أول من أمس، عندما استقدمت قوات الاحتلال جرافات خاصة لتنبش مقبرة «جسر بنات يعقوب» التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا. وتضم إلى الشهيدة المغربي رفات مئات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين. أعمال النبش وانتشال الرفات تشكل واحدة من أهم الخطوات الإجرائية التي تبشر بقرب تنفيذ صفقة تبادل الأسرى والرفات بين حزب الله وإسرائيل، المتوقع تنفيذها الأسبوع المقبل.
ويروي شهود أنه ليس هناك ما يدلّ على قبر دلال سوى لوحة معدنية تحمل رقماً أكله الصدأ، وإلى جانب هذا القبر تناثرت عشرات من القبور لا فواصل بينها. وكان الراحل أحمد حبيب الله رئيس «جمعية أصدقاء المعتقل والسجين» في الناصرة أول من كشف النقاب عن هذه المقبرة، وأطلق عليها اسم «مقبرة شهداء الأرقام».
يعرف شادي المغربي شقيق دلال الأصغر، أن المكان الذي دفنت فيه شقيقته يفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات اللائقة دينياً وإنسانياً. وهو يستعد مع بقية أفراد العائلة لتحضير قبر يليق بها. «سوف تدفن في مقبرة الشهداء الجديدة التي أنشئت حديثاً إلى جانب روضة الشهيدين» يقول شادي. ويضيف: «ليس هناك العديد من الخيارات. فمقبرة شهداء فلسطين لم تعد تتسع للمزيد من القبور، رغم أنها تضم رفات أبطال ومناضلي وشهداء الثورة الفلسطينية، وكنا نتمنى أن تنضم دلال إليهم ولو بعد غياب 30 عاماً».
فادي المغربي شقيق دلال أيضاً، لا يخفي أن «العائلة بدأت الاستعداد للتشييع الذي سيشارك فيه كل لبنان وبيروت بشكل خاص، والشعب الفلسطيني من مختلف المخيمات. أما تنظيم الجنازة فمتروك للإخوة في منظمة التحرير الفلسطينية، فدلال ابنة حركة فتح».
«ابنة حركة فتح» لن تكون وحدها بين العائدين، فمعها سيعود أربعة من أفراد المجموعة، لن يكون بالمستطاع معرفة هويتهم إلا بعد إجراء فحوصات الـ«دي إن آي». ومن المتوقع أن يكون من بينهم اللبنانيان يحي سكاف وعامر العامرية من بلدة بحنين ـــ قضاء المنية. أما بقية أفراد المجموعة فمنهم من غرق في البحر أثناء رحلة الوصول إلى فلسطين ومنهم من تفحّمت أجسادهم داخل الحافلة التي أسروها واقتادوا من فيها لمسافة طويلة قبل أن يتخذ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر قراراً بقصفها من الجو. كما أسر اثنان من أفراد المجموعة هما: حسين فياض وخالد أبو اصبع، وبقيا في السجون الإسرائيلية إلى أن أطلق سراحهم في تبادل العام 1985.
ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي أكد لـ«الأخبار» أن حركة فتح ستسعى مع حزب الله والألمان من أجل ضمان انتقال جثمان الشهيدة دلال المغربي إلى أراضي السلطة الفلسطينية لتدفن في رام الله أو القدس أو بيت لحم». ويضيف «في جميع عمليات التبادل السابقة كان الأسير يخيّر إما بالبقاء في فلسطين أو الرحيل، ووصية دلال أن تبقى في فلسطين، وعلينا أن نسعى لتنفيذ هذه الوصية».
«سوف يذكر التاريخ أن ثمة زهرة كانت هي ربيع فلسطين حيث تغير شكل الروح ومقامها دلال المغربي»، عبارة أوردتها منتديات فلسطينية متعددة على الإنترنت، حين فتحت نقاشاً لا ينتهي حول ووصية التي «أنشئت عليه جمهورية مستقلة لساعات طوال قبل أن تستشهد».
تعليقات: