بقلم جهاد أيوب
..
اكفكف وجودي وليس ما سقط من عيوني حزناً على رحيل الصديق...
أجمع اشلائي كي أرسم لوحة الرفيق المقاوم، وشريك الدرب...
ذاك الغني والمنفتح كيف عجل الرحيل ونحن شركاء اللون الصورة الكلمة الحرف، وطرقات شوكها أكثر من ورودها...
ذاك المهذب قد سرق معه الشمس، وشارك مرضه العضالي في كتابة نهاياته ومشى...
ذاك هو فضل مخدر الواثق بما لديه يمتطي فرس الغياب عن الدنيا إلى مكان يليق به ناحتاً على حائط الوجود الطفل، والمتنور، و الجميل روحاً وقولاً وفعلاً الشيخ الأديب والشاعر، والمصلح، والفنان التشكيلي فضل مخدر...
هزني خبرك الأخير يا صديقي، اوجعني من الداخل، حولني إلى غبار تلاشت معالمه مع صفحات ذهبية عنك، ورماني في بحر الصدمات، ولكن نهر طيفك اعادني اليك، للبحث عن صور داخل ذاكرة أنت بطلها!
صديقي من البدايات ونحن معاً، سبقتك في الحضور الثقافي وتحديداً في التشكيل، زرتني في معرضي الأول " شمعة في طريق المعرفة" في الجامعة الأميركية، وبدأ الحوار، وانطلقت الصداقة، أخبرتني عن شغفك في التشكيل والشعر، ووقفت بجانبك وأنت لم تكن معمماً، كنت في ربيع الشباب، وقلت لك في حينه:" أنت مختلف، أنت صبور، أنت أكثر الشباب حباً للبحث الثقافي..ستصل".
وزاد بنا تقاسم الفكر الحوار والمحبة في مدينة مجنونة، وفي ضاحية لا تعرف غير الكرامة، مشينا معاً شوارع لا تزال تتنفس من عبق كلماتنا، وتحضن عرق تعبنا، وتسمع أحاديثنا...كم كنت مهذباً، وكم كنت وفياً، وكم كنت ثاقباً نبيهاً وكريماً...
غدرت بنا الحياة، وزاد صراخ بيروت، هجرتها أنا إلى الغربة للرزق والتجارب الجديدة، وأنت مكثتها لتبحث عن أحلامك...وعدنا والتقنيات بعد 17 عاماً من الغياب لأجدك شيخاً قديراً في علمك ومعلوماتك، ومتزوجاً من سيدة تعشق العلم والوقار، ادخلتني منزلك تعمداً كي أشاهد لوحاتك المائية وقصاصات أشعارك، والاصغاء إلى مزيد من أحلامك...
كنت في كل لقاء تهديني مفاجأة جديدة من ثقافتك، وآخرها رواياتك التي جمعت فيها خميرة آراءك وأفكار تطلعاتك وصوتك!
في العمل النقابي جمعت كل التضاد في كف محبتك، وزرعت بين هذا وذاك ورود العطاء لاغياً الحقد الذي عشعش في بعضهم، حضنت الجميع، وتنفست الحرية من أجل الجميع!
أسست اللقاءات الفكرية، ولم تقع في فخ الغرور ولا العبودية، عمامتك لم تبعدك عن الشأن اليومي في مساعدة الناس الأدباء الشباب، وشهرتك لم تقوقعك كحال من كذب وصدق كذبته، واتساع صدرك قلبك عقلك تخطى النفوس المريضة بطائفية الإلغاء، وهذا انت بما أنت قزمتهم وما أكثرهم، وحجمتهم وما اسخفهم، وانتصرت عليهم وما اجهلهم، وأنت فزت ورب الكعبة!
صديقي لا أعرف ماذا أكتب، وهل ما أكتبه يليق بك أو أقل من شأنك؟!
لقد اتعبني الموت، كل يوم يأخذ مني من أحب...وأنت من أحب...
منذ شهر بادرتك باتصال، صوتك كان تعباً، أخبرتني أن روايتك الأخيرة تنتظرني، وبأنك تنتظر نقدي...ختمت الحديث:" إذا الله أعطانا العمر تصلك الرواية الهدية، وأنا سأقرأ نقدك...قلمك استاذي مهم، احترمه، واقف عنده كما كنت سابقاً ولا زلت"...
أنت يا شيخنا الجليل المهم بتعبك، وعلمك، وثقافتك، وطيب اصلك...أنت يا شيخنا كنت منارة فكرية في ثقافة باحثة وقيمة لا تزرع غير المحبة في زمن القحط...
أنت يا شيخ فضل مخدر اطربنا في الإبداع، واهمنا في الانسانية، واطيبنا في المحبة، وأكثرناً انفتاحاً ومسؤولية ... لقد خسرنا قامتك الشامخة، لذلك اخذك الله إلى جانبه باكراً...!
تعليقات: