تفخيخ الكابيتال كونترول وحماية المصارف بالداخل والخارج

اقتراح قانون الكابيتال كونترول الجديد فيه من المخالفات الجوهرية ما يجعل إقراره جريمة (دالاتي ونهرا)
اقتراح قانون الكابيتال كونترول الجديد فيه من المخالفات الجوهرية ما يجعل إقراره جريمة (دالاتي ونهرا)


تلعب المصارف دور "نواب الظل"، فتغيّر وتسحب وتدس اقتراحات قوانين، من شأنها حماية مصالحها. وللمصارف اليد الطولى في مجلس النواب. تقترح ما يلائم مصالحها ولا يُرد لها طلب. فلا يمكن تفسير التطورات التي طالت ملف "الكابيتال كونترول" سوى بأن المصارف وحراسها في مجلس النواب، دسوا نسخة جديدة من الكابيتال كونترول، على شكل اقتراح قانون يختلف عن ذلك الذي يتم العمل عليه منذ أشهر في لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل.

اقتراح قانون الكابيتال كونترول، وهو الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية (نص اقتراح القانون كاملاً)، وتم وضعه من قبل فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يقدم مصالح المصارف على سواها من دون أدنى شك، وتتجه العديد من الكتل النيابية، وفق ما يؤكد مصدر في حديث إلى "المدن"، إلى تمريره سريعاً في أول جلسة تشريعية مرتقبة، وقبل انتهاء دورة مجلس النواب العادية في نهاية العام الحالي.

لكن ثمة من يصف اقتراح قانون الكابيتال كونترول الجديد بالجريمة الموصوفة، فما الذي يخفيه في تفاصيله؟ وما هي المخاطر المرافقة في حال إقراره؟


تعريفات أم أفخاخ؟

يتضمن اقتراح الكابيتال كونترول الجديد والمؤلف من 6 صفحات، صفحة كاملة لتعريفات من المفترض أنها بديهية، تشرح مفاهيم سبق لقانون النقد والتسليف أن شرحها وحددها، بما يمنع أي لبس فيها. أما اقتراح الكابيتال كونترول فتضمّن تعريفات "ملتبسة" لمفاهيم عديدة كالمصرف والحساب المصرفي وحسابات الودائع الائتمانية. وهو أكثر ما لفت انتباه الباحثة القانونية سابين الكيك، المتخصّصة بالشأن المصرفي: "حسب ما جرت العادة لا يتم إدراج تعريفات بمسودة قانون إلا في إحدى الحالتين، إما أن يكون التعبير لا تعريف له بالقانون، أو أن يكون المقصود تعديل التعريف، خصوصاً في تعريف المصارف" تقول الكيك في حديثها إلى "المدن". وبالاستناد إلى قانون النقد والتسليف، فهو يتضمن تعريفات واضحة، وبالتالي يصبح وجود تعريفات في مسودة قانون الكابيتال كونترول أمراً غير مبرر، لا بل ملتبس ويثير الشبهة.

إن التعريفات التي اعتمدها القانون في بدايته من شأنه أن يغير فيها مفهوم النظام المصرفي اللبناني، أولاً لناحية تعريف المؤسسة المصرفية، فهو مناقض لتعريف المادة 122 من قانون النقد والتسليف، أو أقله أصبح لدينا مفهومان للمصارف، على ما توضح الكيك. ما يعني أنه أصبح لدينا مصارف الودائع ومصارف التسليف، والذي يمثل (أي التسليف) نشاطاً أساسياً في العمل المصرفي. فالمادة 122 تنص على ان المصارف تتلقى الأموال من الجمهور للاستثمار، وهو نفسه يأتي على ذكر مصارف القطاع العام. وهي المصارف التي تملك فيها الدولة أكثرية الأسهم. وهنا تُطرح كبرى علامات الاستفهام.

نقطة أساسية أخرى تثيرها الكيك في سؤالها، عما المقصود بالودائع الائتمانية؟ فمفهوم الائتمان يختلف كلياً من وجهة نظر القانون عن مفهوم الوديعة.. والائتمان هو التسليف. فما المقصود بالودائع الائتمانية؟ وإذ تسأل الكيك ماذا يستهدفون وينوون عليه من هذا القانون؟ تجزم بأن اقتراح القانون المذكور ليس قانون "كابيتال كونترول"، بل قانون له أهداف أخرى أعمق وأخطر من قانون يستهدف شرعنة القيود على التحاويل المصرفية، رغم التحفظ على القيود وظلمها للمودعين.


القانون الجريمة

وأخطر ما تضمنته مسودة اقتراح قانون "الكابيتال كونترول" هو المادة 8، التي تتناول طابع النظام العام وتنص على "أن أحكام هذا القانون هي استثنائية ومن النظام العام وتطغى على كل نص يتعارض معها، وتطبّق فوراً بما في ذلك على التحاويل التي لم تنفذ بعد، كما تطبق على الدعاوى والمنازعات في الداخل والخارج التي لم يصدر فيها حكم مبرم وغير قابل لأي طريق من طرق المراجعة وذلك خلال مدة نفاذه. وهنا تكمن الكارثة فهذا القانون وفق الكيك "يدعي انه استثنائي لكنه في حقيقة الأمر يتعلق بالنظام العام ويطبق في حال تعارضه مع أي نص قانوني"، وكيف لقانون استثنائي يقيد حق الملكية يعتبر قانوناً يتعلق بالنظام العام. فالنظام العام هو اولاً قواعد ومبادئ الدستور. وإذا كان هذا القانون يتعارض مع المبادئ الدستورية هل من الممكن أن يكون قانوناً يتعلق بالنظام العام وينسف كل المبادئ القانونية الأخرى؟!

أما من وجهة نظر رابطة المودعين، فاقتراح القانون مشوّه بالشكل والمضمون. ويفنّد أحد محامي رابطة المودعين، حسام حكيم، في حديث إلى "المدن"، التجاوزات التي تشوب القانون ومنها أن "الاقتراح الحالي تضمن الصيغة القديمة نفسها التي جبهت وتم تعديلها في اللجان تماشياً مع الكثير من الملاحظات". هذا من حيث الشكل، أما بالمضمون فالاقتراح أعطى مصرف لبنان سلطة مطلقة، وجعل منه المسؤول والمراقب في الوقت عينه، وينص على إنشاء وحدة مركزية في مصرف لبنان. كما أعطى السلطة للمركزي لوضع شروط واستثناءات يتم على أساسها التحويل الى الخارج. هذا إضافة إلى أن القانون يفرق بين الأموال الجديدة والقديمة. والامتيازات لصاحب الأموال الجديدة تختلف عن صاحب الأموال القديمة، وغيرها كثير من المخالفات الجوهرية التي تجعل من إقراره جريمة بكل معنى الكلمة.


إسقاط الملاحقات والأحكام

واكثر من ذلك، يعطل اقتراح القانون الدعاوى المرفوعة على المصارف في لبنان والخارج وبمفعول رجعي، وتلك التي ستصدر داخل وخارج لبنان. وحسب حكيم، فإنه ينسف آلاف الدعاوى القديمة والجديدة المرفوعة على المصارف. وهذه "مصيبة المصائب"، يقول حكيم. كما أن هذا القانون يخالف الأصول القانونية لإقراره. كما أنه تم منحه مرتبة خاصة فوق القوانين، بمعنى انه في حال تعارض مع قانون الموجبات والعقود أو قانون النقد والتسليف يتم تطبيقه وإعلائه على سواه من القوانين.

وإذ تتفق الكيك مع حكيم على أن اقتراح القانون يُعد جريمة موصوفة لنواب العار في المجلس النيابي، تسأل هل من الممكن أن يوافق صندوق النقد الدولي على صيغة قانون مشوهة؟

تعليقات: