أجرى برنامج الغذاء العالمي "world food programe"، بالتعاون مع مركز عصام فارس للدراسات في الجامعة الأميركية في بيروت، دراسة عن الواقع الزراعي في لبنان خلال الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، تفيد بأن القطاع الزراعي في لبنان يعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات، مثل استيراد البذور والشتول والأسمدة والمبيدات وأنظمة الريّ. وقبل اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019، استمر هذا الاعتماد من خلال ربط الليرة اللبنانية والدولار الأميركي والسياسات المصرفية التي أتاحت خطوط الائتمان لموردي المدخلات، الذين قدموا بدورهم الائتمان للمزارعين، أما اليوم فقد انهار هذا النظام إلى حد كبير، مما يعرض القدرة الإنتاجية للقطاع الزراعي في البلاد والأمن الغذائي للخطر.
وتفيد الدراسة في ملخصها، بأن الزراعة بما في ذلك صيد الأسماك، تمثّل بمساهمتها الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني بنسبة 20٪ إلى 25٪ من السكان النشطين في لبنان (منظمة الأغذية والزراعة، 2020). علاوة على ذلك، يُنظر إلى العمال الزراعيين على أنهم أفقر العمال بين جميع قطاعات التوظيف، حيث يُعتبر 40٪ منهم فقراء (مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، 2020).
يعاني معظم صغار المزارعين والصناعات الزراعية الكبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية داخل القطاع الزراعي من مشاكل تتعلق بتكاليف الإنتاج، وانخفاض قيمة المخرجات، والبنية التحتية المتداعية، ونقص السيولة بسبب آليات الرقابة المصرفية التي وضعها القطاع المصرفي. وقد أعاق ذلك بشدة قدرتهم على شراء الأدوات وقطع الغيار والمدخلات المختلفة لدعم أعمالهم. وكانت نتيجة هذه النواقص الاقتصادية انكماشاً عاماً للقطاع الزراعي، فاضطرّ إلى الانتقال لنظام منخفض المدخلات، أدى بدوره الى انخفاض مستويات الانتاج ما هدد سبل عيش المزارعين.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بين أكتوبر 2019 ونوفمبر 2020، بنسبة 133٪، بينما ارتفع مؤشر أسعار الغذاء بنسبة 423٪، وهي زيادة تهدد الأمن الغذائي بين الفئات الضعيفة بشكل أكبر بينما تشير التقديرات إلى أن معدلات الفقر والفقر المدقع بلغت 55٪ و23٪ من السكان في عام 2020 بحسب لجة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
الخصائص الطبوغرافية للبنان والتحديات
تغطي المساحات الزراعية حوالي 65٪ من الأراضي اللبنانية، ما يجعلها أعلى نسبة من الأراضي الزراعية بين دول الجوار. ويكون مناخ لبنان عادة متوسطياً مع موارد مائية كافية وهطل أمطار غزير نسبياً - بمتوسط ما يقرب من 2.2 مليار متر مكعب سنوياً. ومع ذلك، تبلغ مساحة لبنان الزراعية المزروعة 27.5٪ من إجمالي مساحة الأراضي اللبنانية، نصفها مروي.
تشير هذه الأرقام إلى أن إمكانات القطاع الزراعي في لبنان لم تُستغل بالكامل، ما ترجم انخفاضاً في إنتاج القطاع الزراعي، من 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1990 إلى 4٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، بحسب برنامج الأغذية العالمي لعام 2016.
وتطرح الخصائص الطبوغرافية للبنان بعض التحديات للقطاع الزراعي، حيث تحتوي مناطق البقاع وبعلبك - الهرمل على 47٪ من الأراضي الزراعية، تليها 25٪ في شمال لبنان وعكار، و 19٪ في جنوب لبنان والنبطية، وجبل لبنان 9٪ فقط.
تغيّر المناخ وتأثيره على الزراعة
يعد القطاع الزراعي عرضة بشكل خاص للكوارث والمخاطر الناتجة عن تغير المناخ، التي غالباً ما تؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل، وتتمثل مخاطر تغير المناخ الرئيسية التي تواجه البلاد في الارتفاع التدريجي في درجات الحرارة، وانخفاض معدل هطل الأمطار السنوي، وزيادة حدوث موجات الجفاف والفيضانات، التي أدّت بالفعل إلى أضرار جسيمة بالبيئة والأراضي الزراعية.
توقعات تغيّر المناخ التي أجريت في إطار تطبيق التقييم المتكامل لنقاط الضعف الخاص ببرنامج ريكار لتقرير قطاع الزراعة اللبناني، تزيد في درجة الحرارة بمتوسط 2.7 درجة مئوية إلى 3.9 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، وهو انخفاض في هطل الأمطار بنسبة 6-11٪ بحلول نهاية القرن، وهذه مدعاة للقلق في ما يتعلق بسبل العيش والأمن الغذائي (MoA، CNRS & ESCWA، 2019). بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن بداية هطل الأمطار ومدته أصبحت غير قابلة للتنبؤ على نحو متزايد، فقد وجد المزارعون صعوبة في التكيف مع التغيرات في مواسم الأمطار والبرد، ما أدّى إلى اضطراب التقويم الموسمي للمحاصيل وأضر بالإنتاج، وهذا ما نلاحظه في التغيّرات الحاصلة في الإنتاج الزراعي اللبناني.
ويضاف إلى محدودية الموارد المائية والأراضي في لبنان، ضعف البنية التحتية الداعمة لتخفيف آثار #التغير المناخي، إلاّ أن وزارة البيئة اللبنانية حاولت عبر استراتيجية الزراعة الوطنية 2020-2025 تقديم ركيزة تهدف لتحسين التكيف مع تغير المناخ والإدارة المستدامة لنظم الأغذية الزراعية والموارد الطبيعية. وتضم الركيزة، زيادة التكيف مع تغير المناخ، والاستثمارات الخاصة في سلاسل قيمة الأغذية الزراعية، وتعزيز وتوسيع استخدام وإمداد مياه الري، وتشجيع استخدام #الطاقة المتجددة في قطاع الزراعة، وأخيراً تعزيز الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.
الزراعة المستدامة... حلّ عصري للأزمة
بما أن أهداف الاستدامة تتمثّل بتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان مع الحفاظ على الموارد والنظم البيئية التي ستمكن الأجيال القادمة من العيش، يمكن للزراعة أن تكون مصدراً مستداماً للدخل في لبنان، كما يمكن تحقيق ذلك عبر تطبيق مجموعة من تدابير التكيف والتأقلم مع تغير المناخ. وتشمل هذه التدابير بداية، حوكمة المشكلة في العديد من القطاعات في لبنان، سواء كانت إدارة الموارد أو توفير وسائل الراحة على مدار الساعة أو تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات، وتطوير السياسات والاستراتيجيات وتنفيذ برامج بناء القدرات ونقل التكنولوجيا، كما تتطلب تطوير ونشر الخدمات الإرشادية المستهدفة، ودعم بناء القدرات والمهارات للمزارعين وغيرهم من أفراد المجتمع في مجموعة متنوعة من الأنشطة غير الزراعية المدرة للدخل.
ومن الحلول التي بدأت تنفذ في العاصمة بيروت، الزراعة العمودية العضوية على الأسطح، وهو مشروع قائم بين المهندس البيئي والصناعي زياد أبي شاكر بالمشاركة مع الجامعة الأميركية في بيروت. يتميز هذا المشروع، بالقدرة على إنشاء هذه المزارع بمساحة لا تتخطى أربعين متراً وهي مساحة مناسبة مع أسطح الأبنية، كما أن المعدات تكون مستخرجة كلياً من النفايات. هذه المساحة المحدودة، يمكن أن تنتج على سبيل المثال من 2000 الى 2500 خسّة كل 45 يوماً.
المواد المستعملة في هذه التقنية تعتمد تماماً على النفايات، حيث يعاد تدويرها، ويكون التركيز على مواد معينة في عملية الدمج مع التراب، كالكرتون والخشب، مما يساعد على ثبات المياه التي تُستهلك بكمّية أقل، كما أن المواد يكون وزنها أخف من المواد المستعملة عادة في الزراعة.
تُغرس الزراعة على الأسطح بهدف التجارة، بشكل عامودي، حيث يبلغ وزن الأحواض الزراعية 121 كيلوغراماً، وتتسع لـ18513 كيس بلاستيك تُجلب من مكب النفايات، ويبلغ طول الحوض 235 سم فيما يبلغ عرضه 40 سم وارتفاعه 110 سم، ويتسع لـ187 نبتة.
في هذه العملية، لا يُستعمل أيّ سماد غير طبيعي وموادّ كيميائية، بل تتم الزراعة بالطريقة العضوية كاملةً، فيُدمج سماد طبيعي بنسبة 50% مع التراب في الحوض، أي ما يعادل 79 كلغ، وهو سماد مشتق من 144 كلغ من مخلفات الطعام.
يمكن لأي شخص أن يستثمر في المساحات الضيقة على أسطح الأبنية أو في أماكن أخرى، والحصول على منتجات زراعية عديدة، منها الخسّ والقرنبيط والبروكلي والزعتر والفراولة والريحان وجميع الأعشاب الصالحة للأكل.
ويؤكد المهندس البيئي زياد أبي شاكر أن لبنان كان يتمتع بشبه اكتفاء ذاتي من المزروعات خاصة الحمضيات والتفاح والعنب، وتاريخياً كانت البلاد تعتمد على الزراعة خاصة جبل لبنان، بينما يعاني اليوم من خطر الأمن الغذائي، تعود أسبابها الرئيسية الى الأزمة الاقتصادية، لا سيما أن المعدات والاسمدة تستورد بالدولار ومع ارتفاع أسعار المحروقات يعاني المزارع من صعوبة في نقل إنتاجه.
الأزمة الاقتصادية أدت الى تجميد أموال اللبنانيين في المصارف وهذا ما حدّ من تمويل العديد من المشاريع بحسب أبي شاكر الذي اعتبر أن الدولة هي المسؤولة الرئيسية عن هذه الأزمة، كما أنه يجب أن يكون التركيز على الزراعة والصناعة لسد الاحتياجات للمساعدة في تحقيق الأمن الغذائي.
التكنولوجيا في الزراعة
تُستخدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحسين مستوى المحاصيل الزراعية حول العالم، أما في لبنان فالابتكارات تعتمد على مبادرات فردية وعلى الشركات الناشئة. نسرين التركي وكريستينا شكور أنشأتا شركة IO Tree الناشئة التي تعمل على تصميم وابتكار آلة توضع على الأشجار مع كاميرات استشعارية تراقب المحصول الزراعي وترسل المعلومات للمزارع عبر هاتفه الخاص، كما ترسلها إلى الشركة للمتابعة.
يستخدم الذكاء الاصطناعي في حماية المحصول الزراعي من خلال التطبيق حيث يرسل تحذيرات للمزارع من أي أخطار تهدّد محصوله أكانت أمراضاً أم حشرات، ليتمكن المزارع من محاصرة المشكلة في بدايتها ومعالجتها قبل تطوّرها وإفساد محصوله. وبالإضافة إلى ذلك يسهم التطبيق في تقديم الارشادات للمزارع حول كيفية استخدام المواد الصحيحة في زراعته.
ومن خلال استعمال الذكاء الاصطناعي يمكن زيادة الإنتاج وتخفيف التكلفة والهدر، خصوصاً تلك التي تُصرف على المواد السامة التي تضرّ المحاصيل الزراعية.
وبحسب التركي فإن الشركة تقدّم الآلات للمزارع مجاناً في السنة الأولى، وهو أمر قد يساعد نسبة كبيرة من الأهالي الذين وجدوا في الزراعة مورداً لهم في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان، حيث تمكن بعض المزارعين من تخفيف نسبة الهدر الى 30 في المئة، نظراً للمعالجة الاستباقية.
تعليقات: