قراراته الأخيرة مقلقة: هل أفلَسَ رياض سلامة؟

مقرّبون من سلامة نصحوه برفض تأمين الدولار لدعم الاستيراد (علي علوش)
مقرّبون من سلامة نصحوه برفض تأمين الدولار لدعم الاستيراد (علي علوش)


ربما أصدَقُ ما قاله حاكم مصرف لبنان، كان في تشرين الثاني 2019، عندما صرَّحَ لمحطة الـCNN بأن لبنان على بُعد أيام من الانهيار الاقتصادي. وعلى بُعد شهر من نزول الناس إلى الشوارع رفضاً لما آلت إليه الأمور، دعا سلامة إلى إيجاد حلّ "خلال أيام". ففي تلك الفترة، كان بالإمكان "استعادة الثقة وتفادي الانهيار في المستقبل".

بعدها تتالت قرارات وتعاميم الحاكم، لتُغطّي الممارسات غير القانونية للمصارف، غير آبهٍ بانعكاساتها على الوضع الاقتصادي، وبتأثيرها على سعر صرف الدولار مقابل الليرة. وخلال عامين، كان سلامة عرّاب الانهيار ومختَرِعَ الدور الجديد لمصرف لبنان والمتناقض حتماً مع الدور الرئيسي للمصارف المركزية، وهو ما جعل سلامة حاكماً "غير مرتاح لوضعه".


ارتفاع حدّة المضاربة

تُسرِّع قرارات سلامة بإفقاد الليرة المزيد من الثقة وإحالتها إلى الدولار الذي تزيد حدة الطلب عليه، وترفع أسعاره، الحاجة لتخزينه أو ضمان تحقيق أرباح أعلى. فرَفضُ سلامة منذ البداية التحكم الفعلي بتأمين الدولارات للسوق، وتفضيله تمرير ما أمكَن منه للمصارف وكبار المستوردين، عزّز المضاربة على الدولار. وزاد مستوى المضاربة عبر قراراته التي تُظهر حجم التخبّط في إدارة الأزمة.

وبرأي أستاذة القانون والمتخصصة بالشأن المصرفي، سابين الكيك، فإن "أضرار الإجراءات التي اتخذها الحاكم كانت أكبر من إيجابياتها". فالحاكم وفق ما تقوله الكيك لـ"المدن"، أهدر الدولارات وسلّمها للصيارفة والمصارف، فيما كثرة تعاميمه وانتقال أسعار صرف الدولار خلالها من معدّل لآخر، على غرار رفع سعر صرف الدولار المصرفي من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة "أظهَرَ الحاكم وكأنه يضارب على الدولار. فيما مهمّة المصرف المركزي حسب قانون النقد والتسليف هي الحفاظ على استقرار النقد وتنظيم القطاع المصرفي وحماية حقوق المودعين. وهي مهام لم تُنَفَّذ".

وبنظر الكيك، فإن سماح الحاكم للمودعين بالحصول على الدولار وفق سعر منصة صيرفة، يعزز المضاربة على الدولار. كما من غير المفهوم "كيف للحاكم إعلان عدم امتلاكه الدولار لتمكين المودعين من سحبها بطريقة طبيعية، ثم يتأمَّن الدولار لبيعه للمودعين بسعر المنصة؟". وهذه الإجراءات تزيد نسبة عدم الثقة لدى المودعين. فهل يشترون الدولار بسعر المنصة أم ينتظرون ارتفاعه أكثر، وهل يسحبون الدولار بالليرة بسعر 8000 ليرة أم ينتظرون؟.

وإذ تسأل الكيك سلامة عن سبب عدم اللجوء إلى هذه السياسات قبل هذا الوقت إن كانت مفيدة، تؤكد بأن الواقع أثبت فشلها. فقد خسر الحاكم الكثير من الوقت "ولو كان تدخَّلَ مباشرة قبل صرف الأموال على الدعم وغيره، لكان النفع أكبر".


مرحلة الإفلاس

سقط سلامة بين السياسيين والمصارف. الطرف الأول يريد شراء أصوات المودعين عبر إيهامهم بأن رفع سعر الدولار المصرفي يحرر المزيد من الأموال، من دون الالتفات إلى تداعيات القرار والقدرة الشرائية للأموال المحررة قياساً لسعر دولار السوق، والطرف الثاني يريد إطفاء المزيد من الحسابات والتخفيف من حدّة الضغط الذي يتعرّض له.

في المحصّلة، أفلَسَ سلامة من الحلول، وقمة إفلاسه تتجلّى راهناً بامتناعه عن تحويل أموال وزارة الخارجية بالدولار وفق السعر الرسمي. والخلل الأبرز قانونياً "هو رفض حاكم المصرف المركزي احتساب أموال وزارة عامة، بالسعر الرسمي، وهو السعر المسمّى أيضاً بالسعر القانوني. وإن كان المركزي لن يضمن تسليم إدارات الدولة بالسعر الرسمي، فما فائدة وجود هذا السعر؟". تتساءل الكيك. فضلاً عن أن الرفض "يمسّ سيادة الدولة".

بالتوازي، تذهب مصادر مصرفية للقول في حديث لـ"المدن"، أن قرارات سلامة الأخيرة "تشير إلى مصلحة ما غير واضحة المعالم بينه وبين المصارف، قد تُفضَح تفاصيلها لاحقاً. لكن ما هو مؤكّد بأن المصرف الذي يحكمه سلامة، لم يعد مصرفاً مركزياً. وإلى أي مدى يمكن لهذا المصرف وحاكمه الصمود؟ هي مسألة وقت".

ولا تفصل المصادر موقف وزارة الخزانة الأميركية بشأن المصارف والفساد، عن كل ما يدور في المركزي والمصارف. "فإلى حدّ بعيد، يضغط موقف وكيل وزارة الخزانة الأميركية للإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، على المصارف ومصرف لبنان من خلال تحميل الأولى عبء تنظيف نفسها من حزب الله، وهو أمر ليس سهلاً، ومن خلال ربط المصرف المركزي بالتحديات السياسية والفساد الذي "أصاب الاقتصاد ونظامه المالي"، وإن كانت الخزانة الأميركية، قلقة مما يواجهه الاقتصاد اللبناني ومن استمرار الفساد، فهذا يعني أن أفق الحل مسدود بالنسبة للمصارف وحاكم مصرف لبنان".


إفلات الحبال

كثرة الضغوط على سلامة لن تولّد سوى انفجار جديد لن يكون سهلاً بتأثيراته على الاقتصاد والليرة. فالحاكم يستعد منذ مدة لإفلات الحبال التي تربط القطاعات بدولاراته. وعبر تقليص حجم إمداده القطاعات بالدولار، وخصوصاً لاستيراد الأدوية والمحروقات، يرسم سلامة معالم ضبابية للمرحلة الجديدة التي يريد للحكومة أن تحمل نتائجها، لا هو.

علماً أن مقرّبين منه، نصحوه منذ البداية برفض تأمين الدولار لدعم الاستيراد، بل الضرب على الطاولة وإدارة الدولارات المتوفرة بصورة صحيحة، تفيد صغار المودعين والأسر التي تحتاج الدعم الفعلي. لكن سلامة استسهل الانصياع للسياسيين رغم تكراره ضرورة تحمّل الحكومة المسؤولية، وذلك عبر عدد من الكتب المرسلة لوزير المالية السابق غازي وزني.

خلاصة القول، أن استسلام سلامة آتٍ بشكل رسمي، فحتى استمرار تأمينه للدولار على سعر منصة صيرفة غير مضمون. لكن السؤال الأبرز، هو حول قدرة الحكومة على الاستجابة لتداعيات خروج سلامة من المشهد في حال أعلن وقف تأمين الدولار. "ولا يمكن الاستناد إلى الاحتياطي الإلزامي كما يُروَّج عادة لإطالة أمد المرحلة الراهنة، لأن هذا الاحتياط غير موجود بكميات كافية، إذ تُوَظَّف النسبة الأكبر منه بتوظيفات إلزامية كالسندات الحكومية وسندات اليوروبوند والقروض المصرفية وما شابه، وتسييل هذه التوظيفات ليس بالأمر اليسير".

تعليقات: