لا تزال برك تجميع المياه، في القرى والبلدات الجنوبية، معيار الأهالي المعتمد في تحديد حجم هطول الأمطار كلّ عام. فبعد كلّ هطول للمطر، تصبح البرك مقصد الجميع لمشاهدة حجم المياه الزائد. فلا تخلو أيّ بلدة أو قرية في قضاءَي مرجعيون وبنت جبيل من برك تجميع المياه التي لا تزال حاجة أساسية لأبناء تلك المنطقة، كونها مصدر الريّ الرئيسي في ذلك المجتمع الزراعي.
بعد توقف المطر، يقصد أحمد إبراهيم (67 سنة) بركة بلدته كونين بهدف «معرفة نسبة هطول الأمطار. البركة تحتاج إلى عاصفة مماثلة لتمتلئ». بركة كونين من أقدم برك جبل عامل، التي حُفرت منذ مئات السنين، وتتّسع لـ 24 ألف متر مكعّب من المياه. اعتمد عليها مزارعو المنطقة لوجودها في منخفض بين بلدات بنت جبيل وعيناثا والطيري وبيت ياحون.
في بلدة برعشيت، أصبحت «بركة السهلة» القديمة من التراث الذي يحتاج إلى ترميم «كون البركة لا تمتلئ بالمياه بسبب حفر جوانبها»، كما يقول حسن فرحات، الذي يشير إلى أنّ «أبناء البلدة كانوا يعتمدون على البركة للري. أما اليوم فأغلبهم أصبح يعمل في الخارج، وكنا إذا أردنا معرفة نسبة الأمطار الهاطلة نقصد هذا المكان». بلدية برعشيت رمّمت بركة ثانية صغيرة جداً ولا تؤمّن مياه الريّ إلا لأسابيع قليلة». تكاد لا تخلو القرى والبلدات الجنوبية من برك تجميع المياه، التي حفرها الأهالي بسواعدهم، منذ عشرات أو مئات السنين، بهدف تجميع مياه الأمطار شتاء، للاستفادة منها في الصيف، لريّ الأراضي الزراعية، التي كانت مصدر الرزق الأساسي لجميع الأهالي.
بعد النزوح والهجرة، بسبب الاحتلال، تغيّر واقع الأهالي الذين أهملوا بمعظمهم الأراضي الزراعية، لتُهمل معها البرك القديمة. حتى إنّ الأبنية السكنية انتشرت حولها، ما ساهم لاحقاً في ردم عدد منها. أما القرى التي بقيت تعتمد على الزراعة فقد حافظت على هذه البرك، التي تساهم حتى الآن في تأمين المياه للمزارعين. وفي السنوات الأخيرة الماضية، استدركت بعض البلديات أهمية البرك في عملية التنمية وتشجيع الأهالي على الزراعة. فلجأت بلدية عيترون (قضاء بنت جبيل) إلى بناء بركة زراعية جديدة، بعد أن ردمت البركة القديمة، بعد التحرير، التي كانت في وسط البلدة. فيما قامت بلدية مجدل سلم (قضاء مرجعيون) ببناء بركة زراعية كبيرة، بعد أن ردمت البركة القديمة، التي بني مكانها مبنى البلدية الجديد. كما عمدت بعض البلديات إلى ترميم وتجميل وتوسعة البرك القديمة، كما فعلت بلدية بنت جبيل. ونظراً إلى زيادة عدد المزارعين في المنطقة، لجأ بعض البلديات، بالتعاون مع الجمعيات الدولية، إلى إنشاء وتأهيل برك زراعية منها في الهبارية وعيترون والطيري وبليدا وحداثا وعيتا الشعب وعدشيت القصير.
وعلى الرغم من نهوض المنطقة العمراني، ما زالت هذه البرك من المعالم الأساسية للقرى والبلدات. ففي بلدة شقرا، أصبحت بركتها محاطة بالمحالّ التجارية الكبيرة وملتقى للشبان. وفي بلدة رميش، لا يزال الأهالي يعتمدون على بركتَي البلدة بشكل أساسي في زراعة التبغ. ويعتبر المزارع طوني الحاج (45 عاماً) أنّ بركتَي البلدة سرّ صمود المزارعين هنا، فأبناء البلدة المقيمون يعتمدون على مياهها في معيشتهم لريّ أراضيهم الزراعية».
تعليقات: