المقدم سوزان الحاج
المقدم سوزان الحاج، التي ذاع صيتها في أكبر فضيحة عرفتها الأجهزة الأمنية في تاريخ الجمهورية اللبنانية، عبر فبركة تهمة العمالة للعدوّ، «عوقبت» أمس بترقيتها إلى رتبة عقيد، بعد تدخّلات سياسيّة وطائفيّة
كل الوساطات السياسية والماكينات الإعلامية والمنصّات المأجورة لم تفلح في تبرئة المقدم سوزان الحاج من فضيحة التسبّب في سجن مواطن بريء لأكثر من مئة يوم ظلماً، ولم تمسح العار الذي لطّخت به شرفها العسكري باستغلال منصبها كرئيسة لمكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، في فبركة واحدة من أبشع الجرائم، هي التعامل مع العدو الإسرائيلي، لمجرّد التشفّي والانتقام من الممثل المسرحي زياد عيتاني بعدما تسبّبت تغريدة لها بنقلها من مركزها.
رغم ذلك، «عوقبت» الحاج على فعلها الشائن بفبركة تهمة العمالة بترقيتها إلى رتبة عقيد! وذلك بعدما امتنع الرئيس ميشال عون عن توقيع مرسوم ترقيات ضباط قوى الأمن الداخلي إن لم يكن اسمها بينهم، علماً بأن الحاج هي زوجة المحامي زياد حبيش الذي يتردّد أنّ التيار الوطني الحر يسعى إلى ترشيحه على لوائحه في الانتخابات النيابية المقبلة في وجه شقيقه النائب هادي حبيش في عكّار.
فقبل أسابيع، التأم مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي لمناقشة ترقيات الضباط، وانقسم أعضاؤه بعدما اشترط الضباط المسيحيون (خمسة قادة من أصل ١٠) للتوقيع على جداول الترقية إدراج اسم الحاج فيها. إلا أن رفض المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان فرط الاجتماع ليُرجأ إلى أجلٍ غير مسمّى. وبعد جهود بذلها النائب في «تكتل لبنان القوي» أسعد درغام، جدد رئيس الجمهورية في جلسة المجلس الأعلى للدفاع أمس، إصراره على ترقية الحاج شرطاً لترقية بقية الضباط. وبعد جدل استمر نحو ساعة، رضخ عثمان، الموظف النجيب لدى آل الحريري، موافقاً على إدراج الحاج على جداول الترقية لتُرفّع إلى رتبة عقيد في تموز المقبل، علماً بأن عثمان نفسه الذي سار في ركب الموقّعين على فضيحة غير مسبوقة، يستقوي على العسكريين الضعفاء ويمارس جبروتاً على كل من يُشتبه في تورّطه بملفات فساد حتى بعد ثبوت براءته، ويتدخل في عمل رئيس المجلس التأديبي طالباً منه طرد هذا الضابط أو ذاك. وهو بتوقيعه هذا رضي بتضييع جهود ضباطه الذين كشفوا ملابسات هذه القضية وفرّط بالمؤسسة التي يرأسها، بدل أن يتمسك برفض ضابط أدين في المحكمة.
التدخل السياسي لحماية الحاج ليس جديداً. فقد سبق أن مورست ضغوط سياسية لتبرئتها من جرم التدخّل في اختلاق ملف التعامل لعيتاني، والاكتفاء بإدانتها ــــ في المحكمة العسكرية الدائمة عام 2019 ــــ بجرم مخالفة التعليمات العسكرية وحبسها شهرين مع غرامة 200 ألف ليرة فقط! وترافق ذلك يومها مع حراكٍ مشبوه للضغط لإصدار حكمٍ مخفّف عليها جرّاء الحظوة السياسية التي تتمتّع بها، علماً بأن زوجها مقرّب من التيار الوطني الحر، فيما شقيقه نائبٌ عن تيار المستقبل. يومها، توسّط وزير الدفاع السابق الياس بوصعب لدى رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد حسين عبد الله ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية السابق بيتر جرمانوس. ونزل الأخير شخصياً إلى قاعة المحكمة، وهو ما لا يحصل عادةً، ليترافع بوصفه ممثل النيابة العامة، لكنّه طلب البراءة للحاج، مع أنّ وظيفة ممثل الادعاء العام طلب التشدد في العقوبة، لكونه خصم المتهمين! كما «نُيّم» في أدراج القصر الجمهوري مرسوم الهيئة الناظرة في الاعتراض الذي تقدمت به الحاج على قرار المجلس التأديبي في قوى الأمن الذي قرر انقطاعها الدائم عن الخدمة، أي طردها خارج السلك. فقد اعترضت الحاج يومها، وكان يُفترض استئناف محاكمتها مسلكياً أمام المجلس التأديبي، لكن رئاسة الجمهورية عطّلت هذا المسار برفض توقيع المرسوم لاستكمال المحاكمة منذ عام ٢٠١٨.
بدءاً من تموز المقبل، ستُرفّع الحاج إلى رتبة عقيد. لكن الوساطة لم تنته هنا. إذ علمت «الأخبار» أن جهوداً تبذل لإصدار مرسوم بنقلها إلى جهاز أمن الدولة لتتولى منصباً شبيهاً بالمنصب الذي كانت تتولاه في قوى الأمن يوم فبرَكت لعيتاني جريمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. العدالة هذه، على الطريقة اللبنانية، قد تقضي غداً بسجن رئيس فرع المعلومات وضباطه الذين كشفوا ملابسات الجريمة المفبركة، وبإعادة عيتاني إلى السجن مجدداً!
تعليقات: