الفطر البري: «مونة» ومنتجات للبيع من دون رأسمال


ابتاع أحمد الزين (41 سنة) أغراضه جزمة ملائمة لسبر أغوار البراري في الشتاء. اصطحب أسرته من مكان إقامتهم في الضاحية الجنوبية باتجاه بلدته قبريخا (قضاء مرجعيون) لتمضية عطلة منتجة قوامها قطف الفطر البري.

الزين حفظ من أجداده مواعيد استواء الفطر البري ومواقع نباته وتمييز السام منه عن القابل للأكل. يتسابق مع أبناء المنطقة المحيطة بوادي الحجير لقطفه. لكنّه هذا الموسم بعد انتهاء العاصفة الأخيرة، فوجىء بازدياد عدد المهتمين والمنتشرين في البراري. الهدف لم يعد الاستمتاع بأكله فحسب، بل ببيعه أيضاً.

«الوضع الاقتصادي السيّء جعل الجميع يتسابقون على قطاف الغلّة. حتى إنّ عدداً من الأشخاص، بينهم أطفال، يمتهنون بيع الفطر والحشائش البرية، لا سيّما أنّ ثمن كيلو الفطر يزيد على 70 ألف ليرة»، يقول الزين.

ساعات طويلة يمضيها عشرات الأهالي في الحقول، بعد أن تهدأ «الشتوة» الأولى، مع بداية فصل المطر. ينتشرون في الحقول «البور» غير المزروعة. يطأطئون رؤوسهم ويحدّقون بالنباتات باحثين بين براعم الأعشاب الخضراء عن الفطر كالذهب بين الرمال. إنّه موسم الفطر البرّي، الذي بات يجمع كثيرين، كباراً وصغاراً، من دون تمييز بين غنيّ وفقير.

موسى (12 سنة) انتظر عطلة الأسبوع، ليغادر صباحاً إلى الحقول ويعود بعد الظهر محمّلاً بأكياس الفطر. يبيعه للتجّار الذين يبيعونه بدورهم للزبائن. ورث موسى عادة قطاف الفطر عن والده، الذي كان يقطفها بهدف الطعام فقط، وهو يقول إنّ «طريقة البحث عن الفطر تحتاج إلى خبرة ومعرفة بالحقول التي توجد فيها، إضافة إلى ضرورة معرفة أنواع الفطر الصالحة للأكل». على بعد مسافة قليلة من موسى، كان أحمد حسين من بلدة حولا يبحث مع طفله عن الفطر الأبيض. «كل أنواع الفطر الأخرى لا تلفت انتباهي، فقد تعوّدت منذ صغري على ممارسة هذه الهواية الممتعة، التي أعلّم أولادي عليها، فالأمر لا يتعلق بكمية الفطر الذي نهوى قطافه، لأنّني أستطيع شراءه من الباعة. ما يجذبني هو هذه الرحلة الجميلة، وممارسة الرياضة، إضافة إلى منافسة زملائي في جمع أكبر كمية ممكنة». يذكر حسين أنّ «المشكلة الآن تتعلق بانتشار المنازل في معظم أماكن المنطقة. إذ تدنّت مساحات الأراضي البور الخالية من العمران، وبات علينا أن نقصد الأماكن البعيدة عن البلدة». ويشير إلى أنّ «عادة قطاف الفطر والهليون والأعشاب البرية قديمة جداً، وكان المزارعون يعتمدون عليها في إطعام أولادهم. وبعد أن كانت في الأعوام السابقة طريقة للتسلية والترفيه فهي اليوم وسيلة من وسائل العيش بسبب الأوضاع السيئة».

تحدق مخاطر عدة بانتشار الكثيرين في البراري بشكل عشوائي. الألغام والقنابل العنقودية لا تزال تشكّل خطراً دائماً، فضلاً عن أنّ البعض يقطف القطر السام.

ويحذّر محمد حمادة من بلدة الصوانة من «تناول بعض أنواع الفطر البرّي، الذي يكون سامّاً ويؤدّي إلى تشمّع حادّ في الكبد ويعجز الأطباء عن معالجته، ما قد يسبب بموت المتسمّم».

تعليقات: