عام الطوابير والعتمة: انفجار أزمة المحروقات واشتعال البلد

أزمة المحروقات غيَّرَت حياة اللبنانيين (علي علوش)
أزمة المحروقات غيَّرَت حياة اللبنانيين (علي علوش)


ورث العام 2021 جملة من الخيبات والأزمات عن سَلَفه واجتهد في إيصالها إلى مستويات أعمق. وبدأت التحوّلات المقلقة من منتصف العام. حينها اتخذت الحكومة قرار رفع الدعم تدريجياً عن البنزين، ليؤمّن مصرف لبنان دولارات استيراده بسعر 3900 ليرة بدل 1500 ليرة. وعلى مدى 6 أشهر أخرى، كان معدّل رفع الدعم يزداد وتتقلّص معه نسبة تأمين المركزي للدولارات وسعر المنصّة يتغيّر أيضاً. ومع نهاية العام، بات المركزي يؤمّن 85 بالمئة من دولارات الشركات المستوردة التي عليها تأمين الـ15 بالمئة المتبقّية، من السوق أو من المركزي بسعر 27300 ليرة. وارتفع سعر المنصة من 3900 ليرة ليصل إلى نحو 24000 ليرة. وبالتالي، ارتفع سعر صفيحة البنزين من نحو 50 ألف ليرة إلى نحو 70 ألف ليرة، وتواصل الارتفاع إلى نحو 340 ألف ليرة.


طوابير المحطات

على متن رحلة الأسعار، شهدت المناطق اللبنانية كافة، طوابير السيارات أمام المحطات وانفلات السوق السوداء وتصاعد الإشكالات، التي تطوّرت من التلاسن إلى التضارب بالأيدي وصولاً إلى استعمال السلاح. وبالتوازي، كانت صهاريج التهريب تسلك طريقها نحو سوريا ليل نهار، ولا يعكّر صفوَ مسيرتها سوى بعض المداهمات الفلكلورية التي استخدمتها الدولة لإثبات وجودها المتلاشي. فأوقِفَت صهاريج وفُتِحَت مستودعات وخزّانات لم تفلح في رفد السوق بالكميات المطلوبة لتخفيف الأزمة. بل إن المعالجة العشوائية أدّت إلى حادثة انفجار خزان بنزين في عكار، أصيب خلاله أكثر من 100 ضحية بين قتيل وجريح.

ووسط التحولات الكبيرة في الأسعار، وعدم قدرة غالبية المواطنين على تأمين حاجتهم من البنزين، رأى وزير الطاقة السابق ريمون غجر أن ارتفاع أسعار المحروقات أمر لا بد منه، وحينها "المقتدرون سيدفعون سعر المواد"، ومَن لا يستطيع تحمّل الكلفة بعد رفع الدعم "ليس عليه استعمال سيارة البنزين، بل يستعمل شيئاً آخر". وما على الناس إلا "التعوّد والاقتناع بأن الدعم سينتهي".


مازوت الأفران

حَسَمَ المازوت موقفه مبكراً، فأعلن بأنه لن ينزل السوق إلاّ بالدولار. ولأن المازوت يدخل في تحديد كلفة إنتاج الخبز، كان لرفع الدعم عنه أثرٌ مباشر في ارتفاع سعر ربطة الخبز وصولاً إلى 9500 ليرة، فضلاً عن خفض وزنها مراراً. على أن هذا السعر مرتبط أيضاً برفع الدعم عن مواد أخرى تدخل في صناعة الخبز، كالسكّر والخميرة وغيرها. علماً أن سعر بعض أنواع الخبز، كالخبز الأسمر، يصل إلى 15 ألف ليرة.

وتكاملت أزمة البنزين والمازوت لتهدد إيصال الخبز إلى المستهلكين في المناطق، إذ أعلن موزّعو الخبز عجزهم عن التوزيع ما لم تُرفَع نسبة عمولتهم، وامتنعوا عن تسلُّم الخبز من الأفران التي بدورها طالبت بحصّتها من الإضافة على السعر.


عام العتمة بامتياز

عجز مصرف لبنان عن تأمين الدولارات الكافية لتلبية رغبة الحكومة في إعطاء سلف مالية لمؤسسة كهرباء لبنان، بهدف شراء الفيول لمعامل إنتاج الكهرباء. وبما أن المؤسسة مستقيلة من دورها في تأمين الفيول، وارتفاع أسعار الدولار قلّص القيمة الشرائية للسلف المالية، وما عادت وزارة المالية قادرة على إعطاء سلف بأرقام خيالية توازي كلفة الفيول بالدولار، تراجعَ إنتاج معامل الكهرباء وبواخر الطاقة التركية (قبل مغادرتها)، وصولاً إلى حد إغراق البلاد بالعتمة الشاملة التي خرقتها ساعتا تغذية يومياً.

ولم تفلح اتفاقية شراء زيت الوقود العراقي واستبداله بالفيول المطلوب للمعامل، في زيادة ساعات التغذية لأكثر من ساعتين، لم يلحظها المواطنون بسبب توزيع التقنين بصورة عشوائية، إلى جانب الهدر في التوزيع. أما الحل الذي وجدته وزارة الطاقة، فهو انتظار تنفيذ إتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن واتفاقية استجرار الغاز من مصر، حين يحصل لبنان على موافقة البنك الدولي على التمويل.

بالتوازي، حاولت المولّدات الخاصة ملء الفراغ، لكنها سقطت أمام شح المازوت ورفع الدعم عنه، فضلاً عن استحالة تشغيل المولّدات 24 ساعة متواصلة. فكان التقنين إلى حين تأمين المازوت بالدولار، ورفع وزارة الطاقة تسعيرة المولدات الخاصة التي تنقّلت من 687 ليرة لكل كيلواط ساعة، في شهر كانون الثاني 2021، إلى 1097 ليرة في شهر أيار. وفي النصف الثاني من العام، إنتقل سعر الكيلواط ساعة من 1326 ليرة في شهر حزيران، إلى 7100 ليرة عن شهر كانون الأول.

وأجبَرَ الارتفاع في فاتورة المولّدات الكثير من المواطنين على الإستغناء عن المولّدات، تحديداً في المناطق التي يمتنع فيها أصحاب المولّدات عن تركيب عدادات، ويتقاضون تعرفة شهرية "مقطوعة" تتجاوز المليون ليرة، ويعمدون إلى التقنين لتوفير الأكلاف ومراكمة الأرباح. فكانت البطاريات وأنظمة الطاقة الشمسية هي الخيار الأنسب.


الإتصالات والإنترنت

لم تكن هيئة أوجيرو وشركتيّ الخليوي تاتش وألفا، وكذلك شركات الإنترنت الخاصة، بمنأى عن نتائج دولرة أسعار المازوت وارتفاع أسعار الدولار عموماً. فشحّ المازوت ودولرته لاحقاً تسبّب بخروج محطات الإرسال من الخدمة، بسبب إطفاء المولّدات وانقطاع كهرباء الدولة. فتراجعت خدمات الاتصالات والإنترنت مع زيادة الضغط على المحطات التي ما زالت تعمل. فالهيئة وشركتيّ الخليوي، أعطوا أولوية تأمين ما توفّر من مازوت للمحطات الكبيرة التي تزوّد أكبر عدد من المشتركين، وتغطّي أوسع نطاق جغرافي، فيما المناطق الأخرى حاولت التقاط ما أمكَن من الإشارات.

بالتوازي، بات رفع كلفة الخدمات أمراً حتمياً، فأوجيرو تتقاضى من الدولة مساهمات مالية بالكاد تكفي لشراء المازوت ولا تغطي كامل الحاجة للصيانة. وإن كانت العملية تحتاج إلى ترتيبات قانونية في أوجيرو وشركتيّ الخليوي، إلا أن الشركات الخاصة سارعت في تموز الماضي، إلى تقاضي فواتيرها بالدولار النقدي أو بالليرة على سعر 3900 ليرة بدل 1500 ليرة. وفي كانون الأول أعلنت أنها ستتقاضى 25 بالمئة من قيمة الفاتورة بالدولار النقدي fresh، على أن يُدفع الباقي بالدولار عبر "الشيك" أو التحويل الإلكتروني، أو بالليرة اللبنانية وفق سعر 8000 ليرة، بدءاً من العام 2022.

يستقبل اللبنانيون العام الجديد باحتمالات مفتوحة أمام ارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات. وإن كان زوال جرعة الدعم المتوفرة لدولار البنزين سيرفع أسعارها، فإن عدم تأمين الدولار لشراء المازوت وفيول معامل الكهرباء، سيهدد فُتات الدولة الموجودة حالياً.

تعليقات: