الحريري منهمك باستثماراته في الإمارات..والسنيورة يطرحالبدائل

الحريري: فليحكم حزب الله ويتحمل وحده المسؤولية
الحريري: فليحكم حزب الله ويتحمل وحده المسؤولية


لم تشهد جماعة سياسية أو طائفية حال الضياع التي تعيشها بيئة تيار المستقبل أو البيئة السنّية عموماً. ارتكس السنّة إلى وجهة نظر تكرست في نفوسهم: حضورهم في السلطة علّة بقائهم ووجودهم. وهذا ما تجلّى في مرحلة تزعّم سعد الحريري الطائفة السنّية وتيار المستقبل.


رئيسٌ أو أغادر البلاد

هناك تجربتان مشهودتان على هذا السلوك في السنوات الأخيرة: الانقلاب على حكومة الحريري الإبن في العام 2011 لتشكيل نجيب ميقاتي الحكومة. وغاب سعد الحريري بعدها عن لبنان كلياً لسنوات عدة. وتكرر المشهد بعد تشكيل نجيب ميقاتي حكومته الحالية: غادر الحريري إلى الإمارات قبل شهور ولم يعد، فيما كتلة المستقبل وشخصيات أخرى وخصوم وحلفاء، ينتظرون منه موقفاً سياسياً ما يحدد معالم المرحلة المقبلة.

وتتضارب المواقف والتسريبات: تارة تشير إلى أن الحريري ليس مرشحاً في الانتخابات النيابية المزمعة، وأبلغ بذلك مسؤولين في تياره، فيما يسارع هؤلاء إلى نفي الخبر، واعدين بعودة الحريري قريباً إلى لبنان لاتخاذ الموقف المناسب.

وعندما غاب الحريري في العام 2011، شهد تيار المستقبل ترهّلاً هائلاً، فتنامت صراعات في داخله، وضعف داخل السلطة وخارجها، وبدأ يتراجع دوره المؤثر في المعادلة السياسية. وبعد عودة الحريري في العام 2014 حاول إعادة استنهاض التيار. فعقد اجتماعات سياسية، لكنها لم تنجح في تعويض ما فات. ولم يعد موقفه السياسي واضحاً، فضعف التيار أكثر فأكثر، أثناء حواره مع حزب الله، وصولاً إلى التسوية الرئاسية التي أدت إلى اختيار ميشال عون رئيساً للجمهورية.


التسوية.. أنا وباسيل

إذا أغضينا عن الأسباب الإقليمية والدولية المؤثرة بقوة في الاستحقاق الرئاسي، وحصرنا التبصر في السبب الذي دفع الحريري إلى اختيار ميشال عون، يطالعنا سبب أساسي: إثبات قدرته على صناعة التسوية، وصناعة "الرئيس" الذي لا يمكن انتخابه من دون موافقته شخصياً وموافقة كتلة المستقبل.

وهناك أيضاً انعدام قدرة الحريري على الانتظار. وهذا ما دفعه إلى التسرع في اختيار عون. ونحى آنذاك جانباً ما قاله له كثيرون: "من لا يجيد الانتظار عليه ألا يقترب من السياسة. عليك أن تنتظر، فلا تستعجل في خيار من هذا النوع لتعود إلى السلطة". وحصل ما حصل.

وتتمة الرواية معروفة، وصولاً إلى استقالته، ووضعه نفسه أمام المعادلة الخاطئة إياها: "إما داخل الحكومة مع جبران باسيل أو خارجها مع جبران باسيل". وكلّفت التسوية الرئاسية الحريري الكثير سياسياً، وأضعفت رصيده الشعبي في الداخل، وفي علاقاته الخارجية، لا سيما مع السعودية، وهي علاقة متدهورة إلى اليوم.


لا سياسة ولا انتخابات

الحريري حالياً في الإمارات. وعمل على تأسيس مشاريع خاصة به في مجالات الاستثمار. ومنذ مدة يفكر جدياً في الابتعاد عن المعركة الانتخابية. الأسباب وراء ذلك كثيرة: اعتباره أن الانتخابات لن تؤدي إلى أي تغيير في المعادلة السياسية. فليحكم حزب الله ويتحمل وحده المسؤولية. وهناك أيضاً ما يشير إلى فيتو عربي عليه، سعودي تحديداً. وثالث الأسباب يتعلق بانعدام الدعم السياسي والمالي، وهما عنصران أساسيان في توفير مقومات المعركة الانتخابية التي يريد خوضها.

وعقد الحريري في الأسبوع الفائت اجتماعاً لكتلة المستقبل بعد طول غياب. فجرى استعراض آخر التطورات في لبنان، واقترح فكرة مقاطعة الانتخابات، فعارضه عدد من النواب. وتؤكد المصادر أن الحريري لم يأت على ذكر مسألة حلّ تيار المستقبل. وعد نوابه بأنه عائد قريباً. وبعد توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتحديد موعد الانتخابات رسمياً، سيكون له موقف علني يحسم فيه خياره.

خصوم الحريري، في المقابل، يعتبرون أنه أصبح خارج اللعبة السياسية في هذه المرحلة، وخارج المعركة الانتخابية. ويقال إنه أبلغ مقربين منه، بينهم عمّته بهية الحريري، بأنه لا يريد أن يترشح للانتخابات ولا أن يرشح أي شخص باسم تيار المستقبل. أما من يريد الترشح فليفعل، وحينها يمكن أن تتشكل كتلة من هؤلاء الذين كانوا منضوين سابقاً تحت راية التيار.


التنصل والقيادة من الخلف

وزار الرئيس فؤاد السنيورة دولة الإمارات في الأيام الماضية، فعقد لقاءين مع الحريري. في الأول عرضا للمرحلة السياسية الفائتة، وجرى تقييم المسار السياسي منذ تشكيل حكومة نجيب ميقاتي وما بعدها. وجرى البحث في التحضير للانتخابات النيابية. وكان الحريري ميالاً إلى عدم الترشح. وهذا يبدو محسوماً لديه. واقترح السنيورة فكرة تحضير مجموعة شخصيات تكون حاضرة انتخابياً وسياسياً، كي لا تبقى الساحة فارغة، على أن يكون ذلك برضى الحريري وموافقته، ولو لم يكن داعماً لذلك عملياً.

في اللقاء الثاني جرى استكمال البحث في الفكرة التي طرحها السنيورة، فأبدى الحريري تقبلاً لها، لأن الغاية منها تجنيب البيئة السنية المزيد من الشروخ والانقسامات.

وهنا تقول المعلومات إن الحريري حدد موعداً جديداً لعودته إلى لبنان: بعد عيد رأس السنة، للقاء نواب كتلة المستقبل وكوادر التيار والبحث في الخيارات.



"نشاط" السنيورة يحفّز الحريري: العودة المشروطة بمواجهة حزب الله؟

تبدّد كل ما حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مراكمته على نتائج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية، والاتصال الثلاثي الذي حصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. تبدد ولم يعد قابلاً للاستثمار ولا لإحداث أي تغيير في الموقف السعودي.


تهافت ميقاتي وحيرة الحريري

تأكد ذلك بعد الموقف السعودي التصعيدي تجاه حزب الله، فيما انطلق موقف رئيس الحكومة من فكرتين أساسيتين: دعوته إلى جلسة حوار للبحث في تعزيز علاقات لبنان العربية واستعادتها. وحرصه على عدم استفزاز حزب الله، واعتباره حزباً سياسياً، مع عدم موافقته على وجود نفوذ إيراني في لبنان.

مثل هذه المواقف لن تؤدي إلى أي تحسّن في علاقات ميقاتي بالسعودية، التي تعتبر هذه المواقف غير كافية، ولا مستقيمة. فأي شخص عاقل لا يرضى بكل هذه المتناقضات: إرضاء الأميركيين، الإيرانيين، حزب الله، السعودية، فرنسا، وسواهم في وقت واحد.

ولمثل هذه الإشارات تبعات سياسية عدة في لبنان، آنياً ومستقبلاً. وهي لا تقول شيئاً سوى المراءة، وأمعاناً في الضياع داخل البيئة السنية. خصوصاً بعد الحديث المكثف والتسريبات عن توجه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى عدم الترشح للانتخابات، ومن ثم لقاء الرئيس الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، وما سُرّب من معلومات عن اجتماع كتلة المستقبل الأسبوع الفائت، وطرح الحريري فكرة المقاطعة، وطلبه من نوابه نفي هذا الكلام، داعياً إياهم للإشارة إلى أنه سيعود إلى لبنان قريباً، لاتخاذ القرار المناسب.


حركة في الفراغ السني

خطوة الحريري هذه تنطوي على احتمالين لا ثالث لهما: لا يريد أن يفكر أحدٌ في الحلول مكانه انتخابياً، ولن يمنح الغطاء لأحد يفكر بخوض غمار المعركة الانتخابية، إذا كان يريد الانكفاء. أو أنه يعيد التفكير مجدداً في الترشح، لقطع الطريق على الآخرين الذين ربما استفزته تحركاتهم، ولم يعد قادراً على الابتعاد، معتبراً أنه المؤهل الوحيد لخوض المعركة الانتخابية، لأن أي جهة سنية سواه غير قادرة على تحصيل الشرعية الشعبية.

لكن لا شك في أن الحريري يحاول النظر إلى الوقائع السياسية اليومية. وهي تشير إلى أن لبنان مقبل على مزيد من الانهيارات والصراعات السياسية بأبعاد إقليمية. وهذا ما قد يدفعه إلى الاستمرار في الإحجام والانتظار.

الأكيد أن ميقاتي لا يمكنه أن يحلّ مكان الحريري سنياً. فبعد موقفه الأخير ارتفع منسوب الغضب السعودي. وهناك جهات داخلية وخارجية تدفع في اتجاه عودة الحريري إلى الساحة السياسية، لأن لا قدرة على إنتاج البديل. لكن بشرط أن يلتزم بعد عودته سقفاً سياسياً في مواجهة حزب الله، على نحو ما كان قائماً أيام 14 آذار واستعادة التحالفات نفسها. لكن هذا غير متوفر حتى الآن.

وهنا لا بد من الإشارة إلى تحرّك السنيورة الذي لا يريد ترك الساحة فارغة. وهو قد يستمد دعماً معنوياً في البداية، بعدما حازت شخصيات مقربة منه سابقاً الجنسية السعودية، كرضوان السيد ومحمد السماك. وهذا قد يكون عنصراً تمهيدياً لاستعادة نشاطه بلا تفاهم كامل مع الحريري.

تعليقات: