2021 المشؤومة: رحلة انهيار الليرة ستستمر عام 2022

عامان وشهران فقط كانا كفيلين بتدمير الجزء الأكبر من العملة الوطنية
عامان وشهران فقط كانا كفيلين بتدمير الجزء الأكبر من العملة الوطنية


لم يتمكن اللبنانيون حتى اليوم من استيعاب مسألة انهيار العملة الوطنية وتدهور قيمتها أمام الدولار، وتغير عوامل السوق ومقاييس الأسعار ونسب التضخم. فليس أمراً عادياً أن تفقد العملة من قيمتها نحو 94 في المئة في مدة تزيد قليلاً عن العامين فقط، ويرتفع متوسط أسعار السلع الأساسية بما لا يقل عن 4000 في المئة. فكيف يمكن استيعاب أن تصبح ربطة الخبز مثلا بما يفوق 6 دولارات، أي أكثر من 9 آلاف ليرة مرتفعة من دولار واحد أو 1500 ليرة (وفق سعر الصرف الرسمي) بالنظر إلى أن رواتب الشريحة الأكبر من اللبنانيين مقومة بالليرة، ولا تزال على حالها، أي مرتبطة بسعر الصرف الرسمي 1507 ليرات.

عامان وشهران فقط كانا كفيلين بتدمير الجزء الأكبر من العملة الوطنية. قد تكون المدة الزمنية قصيرة جداً نظراً لفداحة الانهيار، لكنها على الرغم من ذلك شهدت مراحل ومحطات عديدة، دفعت بغالبيتها سعر صرف الدولار إلى الارتفاع مقابل تراجع قيمة الليرة بشكل دراماتيكي، لم يستنفر السلطات السياسية ولا النقدية، ولم يردعها عن مزيد من الارتكابات الإجرامية بحق عموم المواطنين، ومنهم الموظفون والعسكريون والمودعون وأصحاب الإدخارات، محدودي المداخيل أو الميسورين.

في نهاية العام 2019 أقفل سعر صرف الدولار في السوق السوداء على 2000 ليرة. أما في نهاية العام 2020 فأقفل على ما يقارب 10000 ليرة. ويبدو أنه سيقف نهاية العام الحالي على سعر يفوق اضعاف ما بلغه في الأعوام السابقة. وهو ما لا يقل عن 27000 ليرة للدولار الواحد. فما هي المراحل التي مر بها سعر صرف الدولار في العام 2021؟ وهل من مؤشرات لتوجهاته في العام المقيل 2022؟

بين 1507 ليرة و27300 ليرة

لم يتغيّر سعر صرف الدولار منذ تاريخ تثبيته في العام 1999 وحتى العام 2019. استمر سعر صرف الدولار مقابل الليرة عند 1507.5 ليرات كمعدل وسطي على مدى 20 عاماً، قبل أن تبدأ مرحلة انهيار الليرة اللبنانية في الأشهر الأخيرة من العام 2019، حين كسر سعر صرف الدولار السعرَ الوهمي لليرة، وارتفع بشكل تدريجي إلى نحو 2000 ليرة مطلع العام 2020، ليبدأ بعدها رحلة الصعود مقابل العملة الوطنية اللبنانية، التي تلقّت الضربة تلو الأخرى ليس من الدولار وحسب بل من أصحاب القرار في السلطتين السياسية والنقدية. أجهز مصرف لبنان والمصارف التجارية ومعهم الحكومات المتعاقبة والسلطة التشريعية على أكثر من 94 في المئة من قيمة الليرة اللبنانية، لتبلغ اليوم عشية العام 2022 نحو 27500 ليرة للدولار الواحد.

شهد العام 2020 على مراحل عديدة مسار الليرة اللبنانية، وكانت السمة الأبرز فيما بينها هو الاتجاه النزولي لليرة اللبنانية مقابل الدولار، الذي بدوره فاق كل التصورات فاستمر بالارتفاع متجاوزاً مستوى 8000 ليرة في نهاية العام 2020، وسرعان ما كسر حاجز الـ10 آلاف ليرة ومن ثم 15 ألف ليرة في الأشهر الأولى من العام 2021، لتبدأ الليرة بذلك مرحلة من الانهيار التاريخي استمر طيلة العام 2021، ولا يُستبعد استكمال انهيارها في العام 2022 فيما لو استمرت العوامل السلبية نفسها في المرحلة المقبلة، لاسيما منها التعطيل الحكومي والتخلف عن إجراء أي إصلاحيات بنيوية، وعدم التعامل بجدّية في ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

دولار الـ2021

انطلق سعر صرف الدولار مطلع العام 2021 الذي شارف على الانتهاء، من مستويات تراوحت بين 9000 ليرة و10000 ليرة لتبلغ خلال الأشهر القليلة الأولى من العام 2021 أكثر من 15 ألف ليرة للدولار الواحد. وكانت السمة الأبرز للعام المنتهي تلاعب السوق السوداء بسعر الصرف والتأثير عليه ارتفاعاً وهبوطاً بشكل كبير ومفاجئ، ما جرّد الكثير من المواطنين مدخراتهم، في مقابل تحقيق أرباح طائلة لتجار السوق السوداء من صرافين ومصرفيين وتجار وغيرهم.

عديدة هي الأحداث التي أثرت على سعر صرف الدولار في العام 2021، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، فمنها ما دفعه للارتفاع الهائل، ومنها ما خفّضه بشكل كبير، لكن في المحصلة سجّل سعر صرف الدولار عند بداية العام 2021 وحتى نهايته، ارتفاعاً من نحو 9000 ليرة إلى 27500 ليرة، بصرف النظر عن المراحل التي مرّ بها. وهو ما جرّد اللبنانيين من قدرتهم الشرائية ورفع معدلات الفقر إلى مستويات مرتفعة جداً فاقت 50 في المئة.

في الفصل الأول من العام 2021 سجّل سعر صرف الدولار قفزات كبيرة مقابل الليرة، ما دفع بمصرف لبنان إلى إنشاء منصة "صيرفة" في سبيل لجم ارتفاع الدولار، غير أن العوامل السياسية بدّدت كل احتمال بلجم انهيار الليرة.

وفي بداية الفصل الثاني من العام 2021 ترسّخ الفراغ الحكومي باعتذار رئيس الحكومة المكلّف آنذاك سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، فكان هذا الحدث مفصلياً في مسار سعر صرف الدولار، الذي استمر بالارتفاع في وجه الليرة مسجلاً قفزات جنونية تجاوز معها 20 ألف ليرة. واستمر الحال حتى نهاية شهر تموز الفائت، حين تم تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة.

وعند التكليف تراجع سعر صرف الدولار بشكل كبير لامس 17000 ليرة لكنه سرعان ما استعاد مساره الصعودي بفعل استمرار العوامل الضاغطة. وتكرّر المشهد عينه عند تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي، فتراجع سعر صرف الدولار بشكل متسارع جداً من نحو 21 ألف ليرة ملامساً 15000 ليرة. استمر منخفضاً فترة قصيرة، قبل أن يستعيد مساره صعوداً مسجلاً مستويات قياسية جديدة.

انفلات الدولار

أما في الأشهر الاخيرة من العام 2021 فأخذ سعر صرف الدولار شكلاً من الإنفلات شبه التام. إذ لم تعد تُحدث تعاميم مصرف لبنان المتنوعة أو أي من القرارات الأخرى تغييرات تُذكر في السوق الموازية. وحدها السجالات السياسية والأحداث الأمنية كانت تتحكم بمسار الدولار في الأشهر الماضية، بدءاً من تسييس قضية جريمة مرفأ بيروت، ومحاربة القاضي طارق البيطار والمطالبة بعزله، مروراً بأحداث الطيونة التي انطلقت في إطار القضية عينها، ووصولاً إلى تعطيل الحكومة بشكل كلّي، ما جعل من مسألة الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي مجرّد عناوين لا قيمة لها في ظل غياب السلطة التنفيذية.

كل تلك العوامل، وسواها ساهمت بانهيار الليرة اللبنانية، وآخرها الأزمة السياسية والاقتصادية مع دول الخليج العربي، وقد أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى محيط 25000 ليرة، ليستمر بالارتفاع مؤخراً، تزامناً مع رفع مصرف لبنان سعر الدولار المصرفي من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة. وبلغ سعر صرف الدولار مطلع شهر كانون الأول الجاري رقماً قياسياً لامس 29000 ليرة، ليعود ويتراجع إلى محيط 27500 ليرة (حتى كتابة هذا التقرير)، وسط توقعات باستمرار مساره الصعودي، أقله في الأشهر القليلة المقبلة، لاسيما في حال استمرار العوامل الضاغطة المتمثلة في تعطيل الحكومة وتعليق جلساتها، وفوضى المالية العامة في ظل غياب الموازنات المالية للدولة، وبالنظر إلى المماطلة الحاصلة في قضية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتأخير الإصلاحات، وغيرها كثير من العوامل غير الدافعة لتراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة أو استقراره.

تعليقات: