موتى بلا جثث.. في البحر المتوسط


لم يحمل عام 2021 أوضاعاً أفضل بالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء في العالم، بل ازدادت أعداد الكوارث والضحايا بنسب مرتفعة في البحر الأبيض المتوسط، وجهة المهاجرين الهاربين من الحروب والصراعات والازمات الاقتصادية والاضطهاد من بلادهم والشاهد الاول على أحلام تحولت إلى سراب.

خاض المهاجرون غير الشرعيين مجازفة الحياة والموت بكثرة عام 2021 من شمال أفريقيا ومن لبنان وسوريا وتركيا، ظناً منهم أن البحر سيكون رحيماً وأن أمواجه العاتية ستنقلهم الى بر الامان في بلاد الغرب، لكن هذا السيناريو الجميل هو ليس سوى خدعة ترويها عصابات التهريب عبر "قوارب الموت" المهترئة وغير المجهزة بهدف جمع الاموال من طالبي الهجرة غير الشرعية.

أما الحقيقة فترويها الارقام وأعداد الضحايا والمفقودين جراء الحوادث الدموية التي وقعت في عام 2021 في البحر الابيض المتوسط، الذي شهد على عشرات الجثث العائمة وآلاف الجثث الأخرى المفقودة.


بالارقام

وسجلت المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين مصرع أو فقدان نحو 1600 شخص في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية 2021 حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا من دول شمال أفريقيا أو تركيا. أما في الربع الأول من السنة، فقد غرق 300 شخص على الأقل أو أنهم قد فقدوا في وسط البحر الأبيض المتوسط، وهو رقم يُعد مرتفعاً مقارنةً في الفترة نفسها من عام 2020 عندما غرق حوالى 150 شخصاً أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط.

أما أرقام المنظمة الدولية للهجرة فتفيد بأنه في منتصف تموز/يوليو ازداد عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا إلى أكثر من الضعف وناهز 900 شخص.

وأشارت المنظمة إلى وفاة ما لا يقل عن 741 شخصاً على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط بينما فقد 149 شخصاً حياتهم أثناء عبورهم غرب البحر المتوسط، وتوفي ستة أشخاص على طريق شرق البحر المتوسط من تركيا إلى اليونان.

وأضافت المنظمة أن عدد الأشخاص الذين حاولوا العبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط ارتفع بنسبة 58 في المئة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو عام 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020.


حوادث وضحايا

هذه النسب والأرقام المرتفعة للضحايا المهاجرين تروي مآسيهم "غير المرئية" و"غير الموثقة" في قلب البحر، بعد أن تتعرض قواربهم المهترئة للانقلاب والغرق نتيجة لعوامل عديدة من بينها الطقس السيئ والحمولة الزائدة.

وبدأ العام بتسجيل أول حوادث غرق قوارب المهاجرين في 20 كانون الثاني/يناير، إذ لقي 43 شخصاً على الأقل مصرعهم قبالة ساحل ليبيا، فيما أُبلغ عن نجاة 10 أشخاص وقام أمن السواحل بنقلهم إلى شاطئ زوارة.

وفي واحدة من أكبر الحوادث التي سجلت خسارة في الأرواح في وسط البحر المتوسط بداية 2021 أيضاً، رصدت منظمة "إس أو إس ميديتيرانيه" الأوروبية الإغاثية غير الحكومية في 23 نيسان قبالة السواحل الليبية حوالى عشر جثث طافية على المياه بجانب زورق مطاطي انقلب رأساً على عقب، ويحمل 130 مهاجراً.

وفي 16 نيسان، لقي 41 مهاجراً على الأقل حتفهم إثر غرق مركبهم قبالة سواحل محافظة صفاقس شرق تونس. وقبلها بأيام، انتشلت دوريات خفر السواحل التونسي جثث 20 مهاجراً تعود ل11 رجلاً و8 نساء ورضيع، فيما اعتبر 17 آخرون في عداد المفقودين.

وفي 23 تموز/يونيو، غرق مركب يقل 45 لاجئاً سورياً أثناء توجهه إلى إيطاليا وأُنقذ 37 منهم. ونقلت وكالة "الاناضول" عن مصادر في وزارة النقل والبنى التحتية التركية أن مسؤولي سفينة تجارية تركية كانت في موقع الحادث أشاروا إلى نفاد وقود المركب الذي يقل لاجئين سوريين وغرقه جراء الأحوال الجوية السيئة.

وفي 27 تموز أيضاً، قضى ما لا يقل عن 57 مهاجراً كانوا يسعون الى بلوغ أوروبا عبر البحر المتوسط غرقاً قبالة سواحل ليبيا. وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن القارب غرق قبالة مدينة الخمس على بعد 120 كلم من العاصمة طرابلس على الساحل الغربي.

وفي واحدة من أكثر حوادث حطام السفن دموية عام 2021، لقي أكثر من 75 لاجئاً مصرعهم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر بعد انقلاب القارب الذي كان يقلهم نتيجة عاصفة أدت لأمواج عاتية قبالة سواحل ليبيا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.

ومؤخراً، انضم اللبنانيون إلى طابور المهاجرين إلى أوروبا، إذ أنقذ عناصر البحرية اللبنانية في 20 تشرين الثاني زورقاً يقل عشرات اللاجئين الذين غادورا لبنان متجهين غرباً عبر البحر الأبيض المتوسط، لكنه تعطل قبالة الساحل.

وهذه تعدّ أحدث رحلة لأشخاص يائسين، معظمهم من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، يبحرون نحو قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي وأحيانا تركيا، سعياً للهروب من الانهيار الاقتصادي المتفاقم في لبنان حيث يعيش حوالي 75 في المئة من السكان حالياً تحت خط الفقر، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس".


إيطاليا الوجهة الاولى

وفي مفارقة لا بد من الاضاءة عليها، رغم أن إيطاليا سجلت أرقاماً كبيرة في أعداد ووفيات فيروس كورونا في عام 2021، إلا أن هذا لم يردع المهاجرين غير الشرعيين من محاولة الوصول اليها. وقد سجلت أرقام مفوضية الاجئين وصول 12839 مهاجراً ولاجئاً إلى إيطاليا تليها إسبانيا (9،160 وافداً) فاليونان (2،320).

ووفقاً لمفوضية اللاجئين، وصل ما يقارب ال25000 مهاجر ولاجئ إلى أوروبا، 23367 منهم وصلوا عن طريق البحر إلى إيطاليا واليونان وإسبانيا وقبرص ومالطا. ووصل 1583 لاجئاً ومهاجراً آخر إلى القارة الأوروبية عن طريق البر ولا سيما في اليونان وإسبانيا.


دعوات أممية

وفي ظل ارتفاع حدة الحروب والنزاعات في دول عربية وفي العالم والتي يعقبها عادةً ازدياد أعداد النزوح والهجرة عبر البحر، وكي لا تتكرر معاناة غرق قوارب المهاجرين التي تتصدر النشرات بشكل دائم مؤخراً، تكرر مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة دعوتهما للمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عاجلة لوضع حد للخسائر في الأرواح التي يمكن تجنبها في عرض البحر. ويشمل ذلك إعادة تنشيط عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وتعزيز التنسيق مع جميع الجهات الفاعلة في مجال الإنقاذ والتوقف عن إعادة الاشخاص إلى موانئ غير آمنة وإنشاء آلية إنزال آمنة ويمكن التنبؤ بها، يعقبها إبداء ملموس للتضامن من الدول الأوروبية والبلدان المستقبلة لأكبر عدد من الوافدين.

وتجدد مفوضية اللاجئين دعوتها بشكل مستمر إلى دول الاتحاد الأوروبي بحل معاناة المهاجرين العالقين على حدودها، لا سيما مع وجود عدد كبير من النساء والاطفال من دون مأوى مناسب وطعام وماء ورعاية طبية.

وفي المقابل، طلبت 12 من الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بينها النمسا واليونان وبولندا والمجر من المفوضية الأوروبية تمويل بناء حواجز على حدودها لمنع دخول المهاجرين.

ووقّع وزراء داخلية كل من النمسا وبلغاريا وقبرص والتشيك والدانمارك وإستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وسلوفاكيا رسالة بهذا الشأن، وأرسلوها إلى المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون.

وفيما ردت يوهانسون على الرسالة المشتركة بأن البلدان لها الحق في بناء أسوار على حدودها، لفتت إلى أنه كان يفترض التركيز على المقترحات المتعلقة بميثاق الهجرة واللجوء، وهي خطة إصلاح اقترحتها المفوضية وتثير انقساماً بين الدول الأعضاء.

لم يكن عام 2021 رحيماً على المهاجرين غير الشرعيين، وهي مسألة وقت فقط حتى نسمع عن غرق قارب آخر يحمل العشرات منهم، وفي حال لم توضع سياسات جديدة وأنظمة مراقبة لعمليات تعقب أوسع للقوارب والمهربين، سيبقى البحر الأبيض المتوسط "مقبرة المهاجرين".

ويشهد البحر الأبيض المتوسط العديد من عمليات التهريب نحو أوروبا عبر البحر خصوصاً في فصل الصيف عندما تكون المياه دافئة والطقس ليس عاصفاً، إلا أن هذا لا ينفي استمرار ظاهرة الهجرة غير الشرعية في فصل الشتاء.

وتتعرض الكثير من القوارب لحوادث غرق في البحر نتيجة لعوامل عديدة من بينها الطقس السيئ والحمولة الزائدة. ويتعرض الكثير من المهاجرين غير الشرعيين إلى الاستغلال من قبل المهربين أو للتعذيب وإساءة المعاملة أو يتم احتجازهم مقابل دفع فديات.

وانطلقت قوارب المهربين بشكل كبير عام 2021 من شمال أفريقيا ومن لبنان وسوريا وتركيا، وهي محملة بالآلاف من دون أي وسيلة أمان أو إنقاذ.

تعليقات: