"إليكم ما يحدث عندما تدخل قوات اليونيفيل قرية شيعية في جنوب لبنان". بهذا العنوان الطويل استهلّ الموقع الإلكتروني لمركز "ألما" للبحوث الأمنية الإسرائيلية، تقريره الرامي إلى التحريض على القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، مستقصداً التقليل من أهمية عمل "اليونيفيل" وكفاءة قواته في تطبيق القرار 1701، عبر استغلال واقعة اعتراض أهالي بلدة شقرا الجنوبية لدورية "اليونيفيل" والصدام معها قبل نحو أسبوع.
وبدأ التقرير المنشور على موقع "ألما" الإلكتروني، بسرد تفاصيل الحدث الذي وقع بعد ظهر 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مشيراً إلى أنّ ثلاث سيارات تابعة لكتيبة "اليونيفيل" الشرقية دخلت بلدة شقرا في جنوب لبنان، الواقعة على ضفاف وادي السلوقي، على بعد أقل من خمسة أميال إلى الغرب من مستوطنة المنارة الإسرائيلية.
ووصف كاتب التقرير، وهو الرائد في الجيش الإسرائيلي ورئيس قسم الأبحاث في مركز "ألما"، تل بيري، قرية شقرا التي وقعت فيها الحادثة، بـ"الشيعية المُسيطَر عليها من حزب الله"، مضيفاً أن الحكاية بدأت عندما وقفت قوة "اليونيفيل" في أحد شوارع الجزء الجنوبي من القرية وقامت بتصوير المنازل بإستخدام أجهزة تحديد المواقع، من دون مرافقة من الجيش اللبناني. وعندما حاول شابان من السكان المحليين، قدّر "ألما" أنهما من أنصار حزب الله، استجواب أفراد "اليونيفيل"، حصلت مناوشة أدت لإصابة الشابين بجروح طفيفة.
بعدها، تم اعتراض مركبات "اليونيفيل" من قبل سيارة جيب حمراء ودراجة نارية، فور دخولها إلى سوق البلدة في نهاية المطاف، لتتعرض للحجارة من الأهالي، في محاولة لأخذ الكاميرات والمعدات من أفراد اليونيفيل بالقوة، قبل أن يصل ضباط مخابرات الجيش اللبناني لتأمين خروج يآمن لقوة "اليونيفيل". ونشر "ألما" صورة جوية لبلدة شقرا، مرفقة بخريطة توضح المسافة التي تُبعدها عن دولة الإحتلال، للإشارة الضمنية إلى خطرها الجيوسياسي بالنسبة لها، والزعم أن "اليونيفيل" غير قادرة على لجم هذا الخطر!
وراقب قسم البحوث في المركز عن كثب، ردود الأفعال اللبنانية في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تلك المتعاطفة مع حزب الله. ووجد المركز الإسرائيلي ضالّته في تعليقات لبنانية من أجل صب الزيت على النار وإثارة حالة من الشكّ وعدم الثقة بين سكان الجنوب اللبناني والقوات الدولية، عبر قوله أن "هنالك تعليقات وصلت حد الإدعاء بأن قوات اليونيفيل كانوا جنوداً إسرائيليين يرتدون زي اليونيفيل!". وقال المركز أيضاً بأن أنصار حزب الله في لبنان، بشكل عام، وفي جميع أنحاء جنوب لبنان على وجه الخصوص، "مرتابون للغاية من قوات اليونيفيل وأنشطتها".
إلى ذلك، واصل بيري محاولاته خلق شرخ بين "اليونيفيل" وسكان الجنوب اللبناني، عبر الإدعاء بوجود تضييق على عمل القوات الدولية في المناطق التي يعمل فيها حزب الله. وتابع: "هنالك علاقة ارتباط واضحة بين المناطق التي يعمل فيها حزب الله في جنوب لبنان والمناطق التي لا يُسمح لقوات اليونيفيل بالتحرك فيها، رغم تفويضها الدولي". وراح المركز الإسرائيلي إلى التشكيك بإستخبارات الجيش اللبناني، حينما ادّعى بأنه "حتى لو سُمح لليونيفيل بالعمل في هذه المناطق، فإنه لن يحصل ذلك إلا بعد تنسيق مسبق وبمرافقة استخبارات الجيش اللبناني، التي تتعاون عادة مع حزب الله"، في إشارة إلى أن هذا التعاون يُفشل مهمة "اليونيفيل" الرقابية.
وخلص المركز إلى استنتاج يستهدف كفاءة ومهنية قوات "اليونيفيل"، للتقليل من أهمية عملهم والتحريض عليهم، قائلاً أن "حادث شقرا بمثابة دليل آخر على عدم نجاعة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان في تطبيق القرار 1701".
والحال أن إسم مركز "ألما" بات يتكرر، بشكل لافت، في وسائل الإعلام العبرية والعالمية بالآونة الأخيرة، يتمحور معظمها حول نشاط حزب الله في سوريا ولبنان. وكان أحدث تقاريره أيضاً، عن نشر حزب الله لأنظمة دفاع جوي قرب العاصمة السورية دمشق في منطقة القلمون المتاخمة للبقاع اللبناني، وفي جنوب لبنان، وهو ما رجحت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، نقلاً عن المركز، أنه يجعل الحزب قادراً على التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا ولبنان.
ويترواح عُمر المركز البحثي بين ثلاث وأربع سنوات، ويختص بالجبهة مع لبنان وسوريا. ويظهر من تتبع الأسماء القائمة عليه، أن معظمها لضباط سابقين في استخبارات الجيش الإسرائيلي، يعملون الآن كأكاديميين وباحثين، لكنهم يتلقون دعماً بالمعلومات والخرائط بشكل قوي من استخبارات الجيش، حسب ترجيح خبراء بالشأن الإسرائيلي. ويجعل ذلك "ألما" متصدراً للتقارير والبحوث الأمنية الخاصة بلبنان وسوريا، المدعومة بالأرقام والمعلومات والإحداثيات.
والملاحظ أن التوجه الآيدولوجي للباحثين والعاملين في "ألما" يغلب عليه الطابع اليميني. ومن أبرز الأسماء في "ألما"، المقدم المتقاعدة ساريت زهافي، وهي العقل المدبّر للمركز ومديرته، وأبراهام ليفاين مدير قسم الإعلام الجديد، إضافة إلى محرر المحتوى عومري نفتالي، وغيرهم.
على أن العاملين في "ألما" لم يكونوا معروفين إعلامياً من قبل، لكن أسماءهم باتت تكرر في الإعلام بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، بحكم عملهم الإستخباري السابق وربّما الحالي، ثم الأكاديمي والبحثي، بموازاة دعمهم بالمعلومة من أروقة الاستخبارات والجيش لأغراض دعائية تخدم المؤسسة الرسمية.
تجدر الإشارة، إلى أنه يوجد في إسرائيل نحو 45 معهد أبحاث في مجالات مختلفة، ويقودها في الغالب خريجون من المخابرات والجيش، بثوب أكاديمي في ما بعد.
تعليقات: