فواتير المولّدات بالدولار: الطبقة الوسطى مُهانة والفقراء في الظلام

بعض أصحاب المولدات يتقاضون الفواتير بالدولار النقدي (Getty)
بعض أصحاب المولدات يتقاضون الفواتير بالدولار النقدي (Getty)


أفرَزَ التغيُّر المفاجىء في الأحوال الاقتصادية للكثير من الأسر، تبدُّلاً في قدرة مشتركي المولّدات الخاصة، بين مَن باتَ قادراً على دفع الفاتورة بعد العجز، وبين من أصبح بحاجة لمساعدة وعطفٍ من صاحب المولّد أو الجمعيات الخيرية في المناطق، فيما كان يبادر سابقاً لدفع الفاتورة قبل مطالبة صاحب المولّد بها. أما الخيار المعتدل عبر ترشيد الاستهلاك، فمجدٍ أحياناً، والاضطرار للاستغناء عن المولّد مُلزِمٌ للبعض، خصوصاً في المناطق التي يفرض فيها أصحاب المولّدات تعرفة شهرية مقطوعة، إذ لا يعترفون بالعدّادات التي تتيح للمشتركين التحكّم بالاستهلاك، أو اؤلئك الذين يتقاضون الفاتورة بالدولار النقدي.


أهوَن الشرور

بين العامين 2017 و2018، حاولت وزارة الاقتصاد إلزام أصحاب المولدات بتركيب العدادات وتنظيم الفواتير بصورة تحفظ حق المشتركين. وهدَّدَ وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، بمصادرة مولدات غير الملتزمين بالقرارات، فهدّد أصحاب المولدات بإطفاء مولداتهم.. واستمرّت العلاقة بما يشبه لعبة الهروب والاختباء، وصولاً إلى زمن التحوّل الكبير بدءاً من العام 2019.

على أن الخاسر الأكبر هو المشترك الذي رَسَت الحلول على أن يدفع ما يقرأه العدّاد، ويضيف إليه القيمة نفسها وأحياناً أكثر، على أن لا تُسَجَّل الإضافة في الفاتورة. فإذا كان مجموع قراءة العدّاد مع الرسم الثابت، يتراوح بين 60 و70 ألف ليرة، فمجموع ما سيدفعه المشترك يتراوح بين 120 إلى 150 ألف ليرة، وهو مجموع ما يتقاضاه أصحاب المولدات الذين لم يلتزموا بتركيب العدادات، ولم تطالهم رقابة وزارة الاقتصاد، بفعل الحماية الحزبية التي يحظون بها.

حينها، كانت هذه "أهوَن الشرور" بالنسبة للمشتركين. ويومها "كان يمكن تأمين قيمة الفاتورة، وفي أسوأ الحالات ندفعها بالتقسيط بالاتفاق مع صاحب المولّد. لكن اليوم ما عادت تنفع التوسّلات حتّى، لأن عدم استقرار أسعار الدولار يفرض على صاحب المولّد تقاضي قيمة الفاتورة فوراً"، وفق ما يقوله لـ"المدن"، أحد مشتركي المولدات الخاصة، الذي يشير إلى أن "الوزارات المعنية كانت تساهم أحياناً في لجم أصحاب المولدات، وكان رفع صوت المشتركين يجد صداه لدى الوزارات، فتتحرك لمصادرة مولد هنا وتغريم صاحب مولد هناك، وضبط الأمور أحياناً. لكن اليوم باتت القاعدة هي الجملة الساخرة التي تقول باللهجة المصرية "اللي معوش ما يِلزموش"، ولا يمكن لأحد الاستغناء عن الكهرباء، تحديداً في ظل الانقطاع شبه الدائم لكهرباء الدولة".


فقراء وأغنياء وحَسَنات

قبل نحو عامين، كان يمكن لعائلة فقيرة الاستغناء عن المولد الخاص، أو تقليص حجم الاشتراك من 5 إلى 2.5 أمبير. وإذا كان صاحب المولّد يعتمد نظام العدّادات، فالوفر بالنسبة للعائلة أكبر. وكعامل مساعِد، اعتمدت العائلة على كهرباء الدولة التي تغذّي المناطق بين 10 إلى 14 ساعة تقريباً.

اليوم، لم يعد بإمكان الفقراء ولا أبناء الطبقة الوسطى من أساتذة وموظفين، تحمّل فاتورة المولّدات الخاصة في حالة الاستهلاك الطبيعي، والتي تتراوح بين مليون و2 مليون ليرة، حسب نظام العدادات أو المقطوعة الشهرية. وذلك تحت وطأة ارتفاع أسعار الدولار والمازوت، ما فَرَضَ على وزارة الطاقة رفع التسعيرة الشهرية. فبات الحل الأسرع والأنسب هو إجراء تقنين ذاتي والالتزام به بأقصى الحدود.

وحسب أحد أصحاب المولّدات الخاصة "الكثير ممّن كانوا في الطبقة الوسطى ما عادوا قادرين على دفع الفاتورة، وباتوا كمن كان فقيراً في السابق، والفقراء أصبحوا تحت خط الفقر. والمشكلة الأكبر أن أصحاب المولّدات لم يعد بإمكانهم المساعدة كالسابق. ومع ذلك، نحسم اليوم بين 20 إلى 25 بالمئة من قيمة الفاتورة لبعض العائلات، فيبقى على الفقير دفع نحو 200 ألف ليرة شهرياً. ومتوسّطو الحال تصل فواتيرهم إلى نحو 500 ألف ليرة، فيما المقتَدرون ومَن يقبضون بالدولار، فتتخطّى فواتيرهم المليون ليرة".

تتفاوت قدرة أبناء الطبقة الوسطى على دفع الفواتير. إذ أن "نحو 40 بالمئة من العائلات التي كانت قادرة على دفع الفواتير، سقطت اليوم بين التعثّر وعدم القدرة على الدفع، فيما نسبة 60 بالمئة احتفظت بقدرتها على الدفع لكنها قلّصت حجم استهلاكها إلى أكثر من 50 بالمئة.

يقول صاحب المولّد أن "هناك عائلات كانت تتصل لتسأل عن قيمة الفاتورة وتبادر لتسديدها قبل أن نطلبها، وفي الأصل لم نكن نطالبهم لأننا نعلم بأنهم ملتزمون بالدفع. واليوم بتنا نعطيهم كهرباء مجاناً أو شبه مجانية أو نقبل بما يستطيعون دفعه، مع الحرص على التزامهم بترشيد الاستهلاك كي يتوزّع العبء على الطرفين. وعلى العكس تماماً، كان هناك عائلات نعطيها كهرباء مجاناً، باتت فاتورتها لا تقل عن المليون ليرة بسبب ارتفاع سعر الدولار الذي يحصلون عليه إما من بعض المغتربين أو من بعض الأحزاب".


سعر الدولار

لا ينفي صاحب المولّد أن الكثير من أصحاب المولّدات حققوا أرباحاً طائلة في السابق. وبعضهم قام بأعمال غير أخلاقية متذرعاً بأسعار المازوت وأكلاف الصيانة. لكن سعر صرف الدولار حالياً "وَضَعَ بعض الأشخاص عند حدّهم، فقلّص أرباحهم وأودى بجزء منهم إلى بيع مولّداته. فتحصيل الاشتراكات بالليرة فيما ثمن المازوت والصيانة بالدولار. وأحياناً يرتفع الدولار أكثر من 1000 ليرة بين فترة البدء بالتحصيل والانتهاء منه، وهذا الفارق يعني تسجيل خسارة لأصحاب المولدات".

كهرباء الدولة لا تبصِرها العائلات سوى بين 2 إلى 4 ساعات تقريباً. وليس من السهل الطلب من العائلات التخلّي عن المولدات الخاصة، كما ليس من السهل إيجاد الحلول المناسبة. فتبقى أزمة المولّدات الخاصة قائمة وتضاف صورة جديدة إلى أزماتها، وهي ازدياد عدد الأسر غير القادرة على احتمال أرقام الفواتير وأسعار صرف الدولار، فحتى الجمعيات الخيرية في المناطق، ما عادت قادرة على احتمال عبء تزايد العائلات المتعثّرة والفقيرة، وما تجمعه من تبرعات لا يكفي تسديد فواتير المولدات وتأمين أساسيات الإستهلاك.

وسط هذا التحوّل المتزايد سوءاً، تغيب وزارات الطاقة والاقتصاد والداخلية، حتى عن التحرك الفلكلوري، فيما يتحوّل بعض أصحاب المولدات نحو تقاضي فواتيرهم بالدولار النقدي، وهو ما بدأت تشهده بعض المناطق، في صورة تؤشّر إلى احتمال توسّع الرقعة ليصبح الدولار هو العملة الرسمية لأصحاب المولدات.

تعليقات: