عمل الصرّافين في صور.. فوضى منظّمة


منذ بداية أزمة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، تحوّل قطاع الصرّافين غير الشرعيين في مختلف المناطق اللبنانية إلى سوق يلجأ إليها المواطنون الراغبون في بيع أو شراء دولاراتهم خارج التسعيرة الرسمية التي اعتمدها مصرف لبنان والصرافون «الشرعيون» ، وتحوّل إلى سوق منظّمة دخل إليها العشرات من الشبان العاطلين من العمل واحتلوا جوانب الطرقات ومداخل الأسواق التجارية مشكّلين فريق عمل ومحرّكاً لدورة اقتصادية فرضت نفسها على الواقع المالي في لبنان.

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عندما بدأت التقلّبات في سعر الدولار، كان يوجد عدد محدود من الصرّافين عند ساحة البوابة في مدينة صور لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة متّخذين من مدخل السوق التجارية الرئيسية مقراً دائماً لهم، وكانوا يعملون بالتوازي مع دوام عمل بورصة مصرف لبنان. وكان يوما السبت والأحد عطلة رسمية لا يجري التعامل بالدولار رغم أنّ الفارق كان ضئيلاً بين سعرَي البيع والشراء، وزبائنهم كانوا محصورين فقط بالتجار الراغبين في الحصول على العملة الصعبة ليتمكّنوا من شراء بضائعهم المستوردة من الخارج.

ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية منذ تشرين الأول 2019 أدخل إلى سوق الصرافين العشرات من الشبان العاطلين من العمل أو شبان اضطرّوا إلى تغيير سلوكهم المهني لمواكبة سوق العمل الجديد، ولم يعد الزبون محصوراً فقط بالتاجر الراغب في الحصول على الدولارات أو بيعها، بل أصبحت نسبة كبيرة من المواطنين تبيع وتشتري الدولار في ظلّ التقلب السريع، وباتت السوق مفتوحةً ومتاحةً للجميع على مدار الساعة وفي مختلف أيام الأسبوع.

هاشم، (اسم مستعار)، أحد الشبان العاملين في مهنة الصيرفة على مدخل مدينة صور، يقول لـ«الأخبار» إنّه منذ بداية الأزمة بدأ بالعمل لمصلحة أحد الأشخاص برأسمال لا يتجاوز خمسة ملايين ليرة لبنانية، وكان المطلوب منه أن يقوم بشراء 1000 دولار كحدّ أدنى يومياً على سعر صرف السوق السوداء، حيث كان الدولار لا يتجاوز 2000 ليرة آنذاك في بداية الأزمة. ويشير إلى أنّ «مبلغ خمسة ملايين ليرة الذي كنت أحمله بيدي وأقف على جانب الطريق ليعرف الزبون أنني أعمل في مجال الصرافة، كان يكفي لشراء الدولارات على مدار النهار لأنّ نسبة الزبائن التي كانت تبيع الدولار محدودة، أما اليوم وبسبب الارتفاع الكبير للدولار فأصبح الصراف على الشارع مضطراً لأن يحمل حقيبة أو رزمة من عشرات ملايين الليرات ليقوم بشراء مبلغ ألف دولار وفق تسعيرة السوق السوداء».

العشرات من الصرافين ينتشرون يومياً على طول الطريق المؤدّي إلى مدينة صور، من مفترق بلدة العباسية عند المدخل الشمالي للمدينة مروراً بمنطقة جل البحر وشارع السنغال وصولاً إلى ساحة البوابة عند مدخل السوق التجارية، حيث يقفون يومياً منذ ساعات الصباح الباكر منتظرين زبائنهم الوافدين من القرى المحيطة فيها وفق بروتوكول وتوزيع جغرافي متّفق عليه في ما بينهم، حيث لا يتعدّى فيه أي منهم على النقطة التي كان يشغلها في اليوم السابق ومن يمرّ يومياً يلاحظ أنّ الوجوه ذاتها في المكان نفسه.

منطقة ساحة البوابة في صور تعجّ بالصرّافين الذين يفترشون مدخل السوق التجارية والسوق الشعبية بطاولاتهم الصغيرة التي تُعرض عليها عشرات ملايين الليرات في حقيبة متوسطة الحجم مكشوفة تظهر منها كلّ فئات العملة اللبنانية بانتظار أحد الزبائن الذي يسأل عن سعر الدولار وتكون الإجابة من قبل الصرافين موحّدة في غالب الأحيان وفق اتفاق ضمني على توحيد السعر لتفادي أيّ إشكال ممكن أن يقع بينهم بسبب المضاربات التي أدّت في السابق إلى إطلاق نار وسقوط جرحى. أما في ما خصّ توزيع الأماكن فإنّه، على رغم ارتفاع عدد الصرافين، لكلّ صراف مكانه وطاولته وكرسيّه ضمن مساحته الجغرافية، وأصبح هناك عُرف سائد بينهم ضمن تباعد جغرافي فرضه مشغّلوهم كي لا يتعدّى أيّ منهم على مساحة الآخر.



تعليقات: