عجز قياسي لـ\"مؤسسة كهرباء لبنان\" وفواتير خيالية لأصحاب المولّدات
المواطن يدفع القيمة نفسها للمولّدات نتيجة عجز الدولة عن تأمين التيّار!
هل يصبح الاشتراك بالمولدات حكرا على الأغنياء؟
المولدات الصغيرة الخاصة: سوقها تزدهر...
لم يصدق اللبنانيون في المناطق المختلفة الأرقام التي حملتها فواتير اشتراكات المولدات الكهربائية العائدة لشهر حزيران الماضي. تسعيرة الاشتراكات فاقت الخيال وقدرة المواطنين على تحمل أعبائها، في حين تتحمل الخزينة اللبنانية أيضا ما يناهز 120 مليون دولار شهريا قيمة العجز المالي في "مؤسسة كهرباء لبنان"!
أطلّ الرئيس فؤاد السنيورة من الرابية بعد لقائه العماد ميشال عون في إطار المشاورات حول الحكومة الجديدة ليقدم عرضا شاملا للأوضاع الاقتصادية، ومن ضمنها وضع الكهرباء في لبنان. وأكد السنيورة أن الدولة اللبنانية تدفع عن كل مواطن لبناني زهاء 150 ألف ليرة شهريا في إطار دعمها ""مؤسسة كهرباء لبنان""، وتفاديا لرفع تعرفة الكهرباء.
لكن السؤال الكبير يبقى: الى أي حدّ يمكن اعتبار هذه السياسة مجدية؟ وهل حقا تساهم في تخفيف العبء عن كاهل المواطنين؟
لا يزال المواطن اللبناني يدفع الى اليوم 4 فواتير متصلة بالكهرباء: فاتورة "مؤسسة كهرباء لبنان"، فاتورة الاشتراك في المولد الكهربائي، فاتورة عجز "مؤسسة كهرباء لبنان" التي تنعكس بشكل كبير في تضخم المديونية العامة، وفاتورة التصليحات الناجمة عن الأعطال التي تلحق بالأدوات الكهربائية بسبب سوء نوعية الكهرباء التي توزعها المولدات المنتشرة في المناطق. ناهيك أيضا عن الضرر الكبير الذي تلحقه هذه المولدات بالبيئة والازعاج الذي تسببه وتهرّب أصحابها من دفع الضرائب والمتوجبات الى الدولة عن أرباحهم الخيالية طوال الأعوام الماضية.
ولكن في الوقت نفسه فإن لا غنى للبنانيين عن هذه المولدات إذا أرادوا ألا يعيشوا في الظلمة. فمعدل التقنين الذي تعتمده ""مؤسسة كهرباء لبنان"" في كل المناطق اللبنانية، باستثناء بيروت الادارية، يبلغ 12 ساعة. وترتفع ساعات التقنين أحيانا لتبلغ 16 و18 ساعة يوميا.
مؤسسة الكهرباء: الوضع نحو الأسوأ!
الأسباب كثيرة لكن النتيجة واحدة. مصادر مسؤولة في "مؤسسة كهرباء لبنان" تؤكد أن "الوضع لن يتحسن في الأسابيع والأشهر المقبلة اذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، بل إن المنتظر ببساطة أن يسوء الوضع أكثر فأكثر”.
وتعزو المصادر أسباب ذلك الى عوامل عدة، منها:
- تسعيرة فاتورة الكهرباء التي تعتمدها "مؤسسة كهرباء لبنان" وضعت أيام كان سعر برميل النفط يراوح بين 15 دولارا أميركيا و20 دولارا للبرميل الواحد. أما اليوم فسعر البرميل يناهز الـ150 دولارا وهو الى ارتفاع مستمر. وهذا الفرق في الأسعار يسبب عجزا فادحا في إمكانات المؤسسة بين قدرتها على شراء الفيول والمازوت وبين استمرار التسعيرة الثابتة. وهذا العجز ينعكس مباشرة على خزينة الدولة التي تدعم المؤسسة لأن قرار رفع التسعيرة ليس في يد المؤسسة، وبالتالي فإنه في ظل رفض الحكومة إعادة النظر في التسعيرة فإن عبء العجز سيبقى يقع على الخزينة.
- سوء وضع غالبية المعامل التي يتجاوز عمر عدد منها الـ40 عاما. وهذه المعامل أصبحت في وضع يسبب عبئا إضافيا لأنها تستهلك الكثير من الفيول أو المازوت، إضافة الى وقوع أعطال دائمة فيها، ما يلزم الشركة وقفها عن العمل ودفع تكاليف صيانتها المرتفعة. وبالتالي فإنه في ظل استمرار عمل هذه المعامل فإن المشاكل لن تتوقف.
- الفرق الكبير بين الطلب على الطاقة وبين قدرة الإنتاج في المعامل الموجودة. فالطلب، وخصوصا في فصل الصيف، يناهز الـ2000 ميغاواط، فيما القدرة على الإنتاج في أفضل الأحوال لا تصل الى 1500 ميغاواط في حال كانت كل المعامل تعمل بأقصى طاقتها. وبالتالي فإن لا حل إلا بإنشاء معامل إضافية لتعويض هذا الفرق بين الطلب والإمكانات الموجودة. وإذا اتخذ القرار اليوم بإنشاء معامل إضافية، فإن الأمر يستلزم أكثر من 5 سنوات، لأن لا معامل جاهزة، والمصانع التي تبني هذه المعامل تعاني ضغطا في الطلب بسبب الاقتصادات الناشئة والمتطورة، وخصوصا في الشرق الأقصى. وبالتالي فإن كل تأخير في اتخاذ القرار بإنشاء معامل يؤدي الى تأخير الحلول لسنوات إضافية.
- الوضع السياسي والأمني المتوتر وغياب الاستقرار، وهذا ينعكس تراجعا في قدرة إدارة ""مؤسسة كهرباء لبنان"" على مواجهة الفساد بسبب الحمايات السياسية، كما في تراجع قدرتها على تفعيل الجباية بسبب الأمر الواقع الموجود في عدد من المناطق اللبنانية، وما يتعرض له جباة المؤسسة والمفتشون وعدم قدرة القوى الأمنية على تأمين الحماية لعمل موظفي المؤسسة. وهذا يسمح باستمرار التعديات على الشبكة واستمرار المخالفات، ويؤدي الى هدر كبير في طاقات المؤسسة ومصادرها ما يسبب عجزا إضافيا كبيرا".
وتحذر هذه المصادر من "الوصول الى وضع أسوأ بكثير في الأسابيع والأشهر المقبلة إذا لم يتم اتخاذ قرار جدي بالعمل على إيجاد الحلول المطلوبة، بدءا بإنشاء معامل جديدة وإعادة النظر في التعرفة وصولا الى تأمين الاستقرار الأمني والسياسي، ما يسمح للمؤسسة بالقيام بعملها المطلوب".
فواتير المولدات... نار!
لكن جرس الإنذار الذي تقرعه "مؤسسة كهرباء لبنان" يبدو أنه جاء متأخرا جدا. فصرخة المواطنين لم تعد تحتمل أي إجراءات متأخرة. ففواتير شهر حزيران للمولدات الكهربائية فاقت الخيال في المناطق اللبنانية كلها من دون استثناء. هكذا بلغت الفاتورة لكل 5 أمبير في عين الرمانة 80 دولارا أميركيا، في حين راوحت في مناطق في المتن الشمالي ما بين 60 و75 دولارا. أما في زحلة فلم يقبل أصحاب المولدات بأقل من 100 دولار.
تجدر الإشارة الى أن مدينة زحلة تعاني وضعا إضافيا خاصا كون المولدات العاملة فيها لا تعمل بين الواحدة والنصف بعد منتصف الليل والسابعة صباحا. وبالتالي فإن كل ليلة تشهد تقنينا في الكهرباء من "مؤسسة كهرباء لبنان" يعاني المواطنون هناك الأمرين بسبب درجات الحرارة المرتفعة وعدم إمكان تشغيل ولو مروحة! وفي الوقت نفسه فإن تعرفة المولدات في زحلة هي الأغلى في لبنان رغم أن المواطنين هناك يشكون من نوعية فولتاج سيئة جدا.
أحد أصحاب المولدات في منطقة عين الرمانة، والذي رفض ذكر اسمه، يؤكد لـ"النهار" أنه "وبسبب الارتفاع الجنوني في أسعار المازوت، فإن إنتاج الـ5 أمبير على عدد ساعات التقنين، والتي بلغ معدلها 16 ساعة يوميا، كلفت أصحاب المولدات حوالى 100 ألف ليرة لبنانية. وإذا أضفنا إليها كلفة استهلاك المولدات التي تعمل ليل نهار وكلفة العاملين تصبح تعرفة الـ120 ألف ليرة لبنانية أو ما يوازي 80 دولارا أميركيا تعرفة منطقية جدا وعادلة حتى لا يخسر أصحاب المولدات".
وإذا كانت هذه القراءة بالأرقام صحيحة، فكيف يمكن تفسير واقع أن فواتير بعض المولدات التي تعمل بشكل ممتاز في بعض مناطق المتن بقيت 60 دولارا لكل 5 أمبير؟ وهل أصحاب هذه المولدات يخسرون وهم يشغّلون مولداتهم أيضا ليل نهار وبنوعية إنتاج ممتازة؟
وإذا اعتبر بعضهم تعرفة الـ80 دولارا "عادلة" فكيف يمكن تصنيف تعرفة الـ100 دولار في زحلة، وخصوصا في ظل عدم تشغيل المولدات ليلا واعتماد أصحاب هذه المولدات على المازوت السوري المهرّب وكلفته أدنى من المازوت في لبنان؟
مفاعيل عملية فرض هذه التسعيرات المرتفعة جدا لم تنته بعد، وخصوصا أن عددا كبيرا من المواطنين في مناطق كثيرة رفض أن يدفع فاتورته ولا تزال الأمور عالقة عند بعض المفاوضات التي تجرى مع أصحاب المولدات. ويقول أحد الجباة العامل مع أحد أصحاب المولدات: "كنت خائفا من طرق أبواب المنازل لأجبي فاتورة باهظة ومرهقة للمواطنين. وخوفي كان في محله لأن المواطنين كانوا يبدأون باطلاق الشتائم بحق أصحاب المولدات ومسؤولي الدولة ومؤسسة الكهرباء ومن ثم يرفضون دفع الفاتورة ويطالبون بإعادة النظر فيها".
تغاضي البلدية؟!
أما في زحلة حيث المعاناة الكبرى، فيشير بعض أبناء المدينة الى غض نظر واضح من قبل رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب عن تمادي أصحاب المولدات في جشعهم، وذلك رغم نداءاتهم المتكررة الى البلدية لتنظيم عمل هذه المولدات وإلزام أصحابها بتسعيرة معقولة، وخصوصا أن غالبية المولدات موضوعة في أراض عامة.
من جهة أخرى يطلق بعض أصحاب المولدات صرخة بدورهم مطالبين بأن تؤمن "مؤسسة كهرباء لبنان" الحد الأدنى المقبول من ساعات التغذية حتى يتمكنوا من تغطية ساعات التقنين الباقية. وبحسب بعض أصحاب المولدات فهم ليسوا قادرين على الحلول محل "مؤسسة كهرباء لبنان" وتأمين التغذية بالتيار الكهربائي للمواطنين 24 ساعة يوميا لأن المولدات ليست معدة لتعمل من دون انقطاع. وبالتالي فإن ازدياد ساعات التقنين سيؤدي حتما الى أن يعمد أصحاب المولدات الى أن يقوموا هم أيضا بالتقنين لإراحة مولداتهم ما يسمح لهم بالاستمرار.
إزاء هذه الإشكالية المزدوجة بين واقع "مؤسسة كهرباء لبنان" وبين واقع أصحاب المولدات الكهربائية، يدفع المواطن اللبناني أغلى الفواتير في ظل وضع اقتصادي سيئ جدا وموجة غلاء عالمية تضرب في كل مكان.
ويسأل اللبنانيون: الى متى تستمر الدولة والمسؤولون في تأخير اتخاذ قرارات حاسمة للمباشرة في معالجة أزمة الكهرباء في لبنان والتي تنعكس بدورها على كل القطاعات الاقتصادية والحياتية للمواطنين، وتخلق أيضا أزمة مرتبطة بها وهي أزمة مياه بفعل أن محطات ضخ المياه تعمل على الكهرباء، وحين تكون الكهرباء مقطوعة لا يتم ضخ المياه الى المواطنين، وهذا يضاعف المعاناة وخصوصا في فصل الصيف؟!
وما الذي يمنع متابعة مذكرات التفاهم التي وقعها وزير الطاقة بالوكالة محمد الصفدي مع شركات إنتاج خاصة لمنحها الترخيص اللازم لتباشر بالانتاج في عدد من المناطق ما يساهم في حل ولو جزء من المشكلة؟ ولم لا يسمح لهذه الشركات بالإنتاج، وخصوصا أن عقد امتيازها مع الدولة اللبنانية يسمح أساسا بذلك؟ ولم التغاضي عن أصحاب المولدات الذين يقومون عمليا بإنتاج زهاء 500 ميغاواط لا تخضع لأي مراقبة أو ضريبة في حين يمنع على الشركات التي تعمل تحت القانون بالإنتاج؟
مهما تكن الاجابة عن هذه الأسئلة يبقى أن قدر المواطن اللبناني وقدر لبنان، درّة الشرق، أن يعاني الظلام في القرن الواحد والعشرين في انتظار أن يأتي حل للمشكلة لا يبدو أنه في المدى المنظور بفعل تغاضي بعض المسؤولين عن هموم الناس ومشاكلهم الفعلية وانشغال بعض السياسيين بتوزيع حقائب خدماتية لا تمت بصلة الى تقديم الخدمة الفعلية الى المواطنين.
تعليقات: