الثابت الوحيد أمس أن قطاع النقل البري شلّ البلد وقطّع أوصال العاصمة والمناطق كافة، وهو ما ليس بحاجة إلى أكثر من مشاركةٍ خجولة من بعض السائقين الذّين ركنوا السيارات وباصات النقل وسط الطرقات، مانعين زملاءهم الكثر غير الملتزمين بالإضراب والمواطنين من سلوكها. «الغضب» اقتصر على قلّة استفزّها انقسام صفّها الداخلي وعدم التضامن الشعبي معها، ما خلق إشكالاتٍ كان أبرزها في وسط بيروت تخلله إشهار سلاح من مدني، لكن لم تثرها مجاهرة رئيس اتحادات قطاعها بسام طليس بانتمائه إلى أحد أحزاب المنظومة الحاكمة، في أحد تصريحاته خلال اليوم الذي انتهى في الثانية عشرة ظهراً بدل الخامسة عصراً كما كان مقرراً.
منذ الخامسة فجراً تعطّلت حركة السير على الطرقات اللبنانية كافة. استعان السائقون ممن لبوا نداء نقابات واتحادات النقل البري، بحاويات النفايات والحجارة إلى جانب شاحناتهم وسياراتهم لقطع السير. غامروا بيوم عمل باعتبار أن «الخسارة واقعة بكل الأحوال بفعل ارتفاع أسعار المحروقات الخيالية»، طالما أن ما يجنونه من ربحٍ بالكاد يكفي لإعادة تعبئة خزانات سياراتهم بالوقود الآخذة أسعاره بالازدياد يومياً، من دون القدرة على تغطية نفقات متطلبات العيش اليومية أو إصلاح أعطال سياراتهم. البعض توعّد بمحاسبة السلطة في صناديق الاقتراع. وعدد منهم سجّل عتبه لغياب المشاركة الشعبية خارج شريحة السائقين.
من غرّد من السائقين خارج سرب دعوة الاتحاد إلى الإضراب تعرّض لمضايقات من زملائه، كمنعه وركاّبه من المرور أو التعدي على سيارته. على جسر الرينغ أُوقفت سيارة تابعة لإحدى شركات النقل وأُجبر سائقها على النزول. هذه الفئة، لا ترى في الإضراب جدوى تُذكَر على غرار الإضرابات الكثيرة التي نظّمها الاتحاد على مرّ السنوات. حينها لم تكن الأحوال الاقتصادية بهذا السوء، ولم تكن غلّة يوم واحد من العمل تحدث فرقاً في حسابات الشريحة المسحوقة، هو عامل يضاف إلى لائحة موانع المشاركة.
في بيروت وضواحيها، طال القطع مستديرة الكفاءات، تحويطة الغدير، مفرق برج البراجنة، دوار السفارة الكويتية، مستديرة كنيسة مار مخايل، جسر الرينغ، تقاطع جامع الأمين، تقاطع فردان، تقاطع عبد العزيز في الحمرا، تقاطع بشارة الخوري، مستديرة الكولا باتجاه المدينة الرياضية، مستديرة الدورة، أوتوستراد الكرنتينا. وقُطعت مداخل العاصمة جنوباً، عند أوتوستراد الناعمة وبشامون وعرمون ومثلث خلدة، حيث توعّد المحتجون هناك بالتوجه إلى منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد انتهاء التحرّك، الأمر الذي لم يحصل.
«الغضب» اقتصر على قلّة استفزّها انقسام صفّها الداخلي وعدم التضامن الشعبي معها
وأفاد مراسلو «الأخبار» في المناطق بأنّ عشرات السائقين تجمّعوا في محلة دوار البص وركنوا سياراتهم وسط الطريق العام، وانسحب مشهد قطع الطرقات على مفرقي بلدتي العباسية وقانا اللتين تربطان الطريق الساحلي بين صيدا والناقورة، مع استثناء سيارات الإسعاف والأطباء. وشمالاً، قُطعت مداخل طرابلس كافة، وتحديداً عند المدخل الجنوبي للمدينة في نقطة البالما وصولاً إلى شكا والطريق البحرية، وعند مدخلها الشّمالي في البداوي ودير عمار، وعند مداخل المدينة لجهة الكورة وزغرتا والضنية. وتكرر المشهد في السّاحات والشّوارع الداخلية، بعدما قطع محتجون مسارب ساحة عبد الحميد كرامي ومدخل مرفأ طرابلس، وتقاطع شوارع المصارف وعزمي والمئتين، وتفاعل مع حالة الاحتجاج عدد من أهالي العسكريين المتقاعدين في المدينة. كذلك في البقاع، أوقف السائقون حركة السير عند مفرق التويتي، ضهر البيدر عند مفرق فالوغا، زحلة الكرك مقابل الحمرا بلازا، الفرزل ودورس.
بالتزامن مع الإضراب، أغلقت جميع المؤسّسات الرسمية والجامعات والمدارس والمعاهد الرسمية والخاصّة والمصارف أبوابها. إضافة إلى غالبية المحلات التجارية. وفي منتصف اليوم انطلقت تظاهرة متواضعة من الحمرا باتجاه تقاطع فردان وعائشة بكار وعمد بعض من شارك فيها إلى إقفال محال الـ«OMT».
«فتحنا الطرقات لإراحة الناس، لكننا لم نرتح» بهذه العبارة ختم أحد السائقين، يوم «التصعيد»، قبل أن يطلّ «القائد» النقابي الذي لم يملّ من ضرب مواعيد مع «الغضب»، في مؤتمرٍ صحافي من مقر الاتحاد العمالي العام، هاجم فيه معارضي دعوته من «أصحاب العقول والقلوب السوداء»، واتهمهم بـ«تشويه التحرّك»، رافضاً أي مراجعة نقدية لتحركات الاتحاد المنتهية بصفر مكاسب، ما يضرب الحركة الاعتراضية ويضعفها، وفقاً لما يظهره مسارها الانحداري إن لجهة المشاركة أو تحقيق المطالب.
تعليقات: