هيفاء نصّار: أدير وغريبا في نقائهما المثالي


الدخول إلى عالم أدير بداية لليوم السادس والعشرين من شهر الحرب، ودعوته دعوة للثورة على التقاليد، دعوة لانتصار القوة ضد الضعف.

في نسيج غناء " يا ابي اينوفا" كشف عن اسلوب اخذ الوقت الكثير في استغراق داخله.

هل تموت "غريبا" من خلال مواجهة الوحش الكاسر ام تطير "غريبا" فرحا بموسيقى أدير؟

"يا ابي اينوفا" بالغناء والأداء والتلحين الأروع ادت الى الملاحظة وارشدت وقادت الى التعميم في الطبيعة البشرية التي تنشد المواجهة.

مواجهة الكمال والجمال للبؤس في آن واحد.

تلك هي الصدفة الناتجة عن سلسلة الاسباب والتي تتقاطع مع سلسلة اخرى من المسببات في مرحلة من ازهى المراحل.

وقد حفزني كل ذلك من خلال الاجتهاد والحماس الى البوح بالحوافز:

الحافز الأول: أداء وتلحين أدير المميز للأغنية. أدير الذي لملم الأغنية ووضعها في قوامها الامثل الذي يليق بحلم فخاوى بذلك النجوم. والجدير ذكره ان ما ميز لحن هذه الأغنية عن غيرها هو شكلها الخارجي، محتواها ولغتها. فشكلها الخارجي ثابت وليس لها تغييرات لأنها رتيبة ولأن محتواها مرتبط بموضوع معين ولأن لغتها في النثر مميزة وقد عبرت عن افكار شائعة. ان أدير وفي مقتبل عمر الفن ترك قريته الناءية مقبلا الى العالم المذهل في حكمة. أدير الذي لم تصغر في عينه بساطة الأشياء وهو في بناءه الأصيل بناء الذات. وقد ابدع في أسلوب اخذ معه الوقت في استغراق الفكرة. كيف لا وأدير لين في صلابة ومرونة في آن. يستعرض ما واجهه من صعاب يعود بها القهقري الى أيام خلت. نصت في سكون الليل هناك، في قريته الناءية التي اقل ما يقال عنها أن الربيع استوطن في جنبيها على كثرة جمالها. هناك حيث صوت خرير نهر وعويل ريح تهدر في أقصى الغابة. وهو قد بلغ الغاية من خلال عدم التشكيك في قدرته على مساعدة المستمع في صواب ما يسمعه، على صدقه وجواز وقوعه ورفعة غايته. فغدى أدير طير يهوى الفرح والانطلاق.

وفي حديثنا عن الحافز الثاني: "غريبا" نفسها التي واجهت في حياتها القصيرة الوحش الكاسر، فيما والدها الكهل في عدد سنواته الطويلة، فيما خلفه من آثار، لم يكن قد اتيح له أن يجمع الا الاضطراب في الأفعال. واجهت "غريبا" بنقاءها الوغريبا مثالي الوحش، هذا الارتباط والخوف من الوحوش قد طور حياتها النفسية ومخيلتها وغالبا ما يفعل في اضطراب ليالينا. ما مرت به" غريبا" من تجارب جعلها تواجه الوحش منفردة. وحش يتفرد بالبشر في الليالي الظلماء. عالم من اشد ظروفه حلكة حادة، وقد واجهته منعزلة. عندها اصبح قلب الفتاة يعم بالوحشة، ويلج عليها في طلب أصوات بشرية، تطري وحشة الصمت وتضيء الانوار في أركان الغابة المعتمة. هذا وقد بدا أن بداخل راسها الجميل الصغير، مسرحا، تتوالى عليه الفرق المسرحية مؤدية دراما امازيغية جزائرية دامية.

في المحصلة، آن المشهد باق في انقصام ودعوة للتحليل والمعالجة. إذ آن الأحداث التصادمية يمكن تلافيها بسرعة الا انه لا يمكن الوقاية من الوحوش دائما، خصوصا مع الأحداث الناتجة عن طبيعة الأشياء.

سيظل أدير ذاكرة في تاريخ الجزائر وبصمة في الثقافة فارضا مغايرته للأجيال المتعاقبة. الامر الذي يجعل من ذكراه في اغنية "يا ابي اينوفا"

قادرا على المواكبة والبقاء في الوقت ذاته. وستبقى " غريبا" غريبة الى الابد.

هيفاء نصار

أوتاوا، كندا

في ٢٢ كانون ثاني، ٢٠٢٢


موضوع ذات صلة للكاتبة هيفاء نصّار: الأغنية الشعبية رائدة الحداثة ‎‎

موضوع ذات صلة للكاتبة هيفاء نصّار: أدير.. ذاكرة الجزائر الحية

موضوع ذات صلة للكاتبة هيفاء نصّار: أدير وغريبا في نقائهما المثالي ‎‎

مقالات الكاتبة هيفاء نصّار

تعليقات: