انهيار الحريرية: لامركزية سنّية فوضوية.. والعاصفة تقترب

لم يسمّ أي بديل (علي علّوش)
لم يسمّ أي بديل (علي علّوش)


لم يحصل في تاريخ السياسة اللبنانية ما حصل لسعد الحريري، سوى مع شخصيتين بارزتين: ريمون إده سنة 1976، عند دخول الجيش السوري إلى لبنان، وصائب سلام بعد حوادث بيروت التي تلت انتخاب بشير الجميل وتأييد سلام له. الأول خرج احتجاجاً على دخول الجيش السوري، والثاني خرج من بيروت بعد دخول الميليشيات إليها وتهديده في منزله. ولم يعد صائب سلام إلى بيروت إلا مع مشروع رفيق الحريري الذي بدأ بإعادة إعمار وسط المدينة.

واعتزال الشخصيات السياسية غالباً ما يستبق تحولات وتطورات كبيرة في معانيها السياسية والعسكرية ربما.


انهيار ركائز الحريرية

بُني مشروع الحريرية السياسية على ركائز ثلاث أساسية: نجاحات في إدارة المشاريع والأعمال والثروة المالية. ثم الدعم السعودي والخليجي. وتفاهمات إقليمية ودولية على دور الحريري السياسي في لبنان. وما أعلنه سعد الحريري هو أن الحريرية لا يمكنها البقاء بعد فقدانها هذه الركائز. فالحريري الإبن دخل في صراع المحاور، وخسر الدعم السعودي، وخسر قوته المالية. وحاول التعويض عن ذلك بالتسوية الرئاسية مع ميشال عون، لكنها تسوية غير قابلة للاستمرار كما اتضح.

ومنذ انتهاء التسويات الإقليمية، وبدأ عصر التصعيد باغتيال الحريري سنة 2005، دخل لبنان والمنطقة في مرحلة التحول الكبير: اجتياح العراق، اغتيال ياسر عرفات، وإصدار القرار 1559 الذي ذهب رفيق الحريري ضحيته، وطويت صفحة الطائف على مراحل: في 7 أيار، وانقلاب 2011 على حكومة الحريري، وصولاً إلى التسوية الرئاسية وما انتهت إليه من انهيار شامل في البلاد.


التخلي عن الأبوة

ومنذ سنتين نصب سعد الحريري نفسه "أباً للسنة" في لبنان. واليوم تخلى عن أبوته فتيتم الأبناء. فهو لم يسمّ أي طرف بديل أو جهة تكون وصية على هذه البيئة السنية. وها هو جمهور تيار المستقبل والسنّة يجدون أنهم متروكون، يبحثون عن تعويض على هذا النوع من الانسحاب من الحياة السياسية، وتداعياته.

قد يكون التوجه اليوم إلى نوع من اللامركزية السنّية الفوضوية، يحاول فيها أشخاص وناشطون العمل على تعزيز طموحاتهم السياسية بلا أي رابط فكري أو سياسي لتقديم مشروع واضح المعالم.


التصعيد وحصة السعوددية

وقد تنطوي خطوة الحريري على تحول كبير في مجريات السياسة اللبنانية: تصعيد كبير ينذر بمواجهة كبرى في المرحلة المقبلة. فما يجري هو إعادة رسم خريطة لقوى سياسية جديدة على صعيد الإقليم. وفي هذا السياق تعمل دول الخليج على الحضور بشكل بارز وفرض نفسها عنصراً أساسياً حاضراً على طاولة تقاسم النفوذ.

وهناك قناعة تشير إلى استعداد أميركي للانسحاب من المنطقة، واستعدادات لملء الفراغ الناجم عنه. ومنذ بروز هذا التوقع، ظهرت خلاصة تقول إن القوى التي ستسد الفراغ هي تركيا، إيران، وإسرائيل. ولم يكن هناك من حضور واضح المعالم للعرب والخليجيين، خصوصاً بعد التراجع في العراق، سوريا، ولبنان وصولاً إلى اليمن.

والتصعيد هو العنوان الأبرز في المرحلة المقبلة. تحاول دول الخليج وعلى رأسها السعودية استعادة دور فاعل في المنطقة، انطلاقاً من: التصعيد العسكري في اليمن. المشاركة في صناعة المشهد السياسي في العراق. ومن خلال الدور الذي تقوم به روسيا في سوريا. وفتح دفاتر الملف اللبناني المرتبطة بالقرارات الدولية.

وبما أن ما يجري يقود إلى إعادة رسم مشهد جديد للخريطة السياسية في المنطقة، فهو حتماً ينعكس على الواقع اللبناني بإعادة رسم خريطة نفوذ القوى السياسية اللبنانية. وحتى لو جرت الانتخابات وعادت قوى سياسية أساسية إلى المجلس، فإن طريقة عودتها وتوازنات القوى ستكون مختلفة جذرياً عن ما كانت عليه في السابق.

تعليقات: