سقوط أكبر شبكة تجسس لإسرائيل


العدو اخترق المقاومة و«حماس» وفرع المعلومات وسوريا وحراك 17 تشرين


فكّك فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أكثر من ١٥ شبكة تجسّس إسرائيلية، كل منها منفصلة عن الأخرى، تنشط على مختلف الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى سوريا، في واحدةٍ من أكبر العمليات الأمنية التي نُفِّذت منذ عام ٢٠٠٩ الذي سُجِّل فيه تهاوي شبكات الموساد الإسرائيلي واحدة تلو الأخرى. العملية الأمنية بدأها فرع المعلومات منذ أربعة أسابيع، بعد التنسيق مع النيابة العامة التمييزية وقيادة قوى الأمن الداخلي. ورغم العدد الكبير المشتبه فيهم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، إلا أنّ ضباط الفرع يتكتّمون، محاولين قدر الإمكان إحاطة العملية بسرية غير مسبوقة عبر الإجابة عن أسئلة المراجعين بشأن أسباب التوقيفات بأنّها حصلت على خلفية ملفات تزوير ومخدرات


الحرب المفتوحة التي تشنّها إسرائيل ضد لبنان توسّعت كثيراً في الأعوام القليلة الماضية. الأزمات الكبيرة التي تواجه البلد، سياسياً واقتصادياً، والهجمة الإعلامية الواسعة ضد المقاومة، والتدخل الخارجي المكثف، وتوسّع عمل المنظمات غير الحكومية المموّلة من جهات خارجية، كلها أدّت إلى كشف البلاد أكثر من أي وقت مضى. وزاد من دائرة الضغط الأمني على لبنان، التعاون المستجدّ بين الاستخبارات الإسرائيلية على أنواعها وبين جهات أمنية عربية ودولية.

لا يحيد العدو عن العمل المباشر ضد المقاومة. ولم يعد الأمر مقتصراً على لبنان فقط، بل يشمل كل الساحات التي يعتقد العدو بأن لحزب الله عملاً أو نفوذاً فيها، من لبنان وسوريا وفلسطين إلى العراق واليمن، بالإضافة الى إيران نفسها. وأظهرت معطيات ذات طابع أمني «حساس للغاية» أن أجهزة استخبارات العدو نجحت، خلال العامين الماضيين، في لبنان وسوريا وربما في أماكن أخرى، في تنفيذ مجموعة من العمليات الأمنية اللافتة في نوعية الأهداف وطريقة التنفيذ. ولم يتوقف العدو عن إرسال وحدات من النخبة للقيام بالعمل التنفيذي، إلا أنه لجأ في الوقت نفسه الى فرق أُخضعت لتدريب دقيق قادرة على التكيّف مع العمل في ساحات عربية، على طريقة عمل فرق «المستعربين» في فلسطين المحتلة، مع فارق أساسي يتعلق بطبيعة المهمة.

في مواجهة ما يقوم به العدو، طوّرت المقاومة أساليب الأمن المضاد. ونجحت، في كثير من الأحيان، في توجيه ضربات وقائية، وفي اكتشاف شبكات تجسّس أو عملاء منفردين، ما دفع العدو الى إدخال تعديل جوهري على آلية العمل، مستفيداً إلى حد كبير من التغييرات الكبيرة التي تشهدها ساحات المواجهة، وخصوصاً في لبنان وسوريا.

الى جانب المقاومة، أو بتنسيق غير مباشر معها، تميّز فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بجهد خاص على جبهة مكافحة التجسس الإسرائيلي. وقد حقّق الفرع، في السنوات الماضية، إنجازات كبيرة صبّت في خدمة هذا الهدف. فتمكّن من الإيقاع بعدد من شبكات التجسس للعدو في مصيدته، وخصوصاً بعد التطور الكبير الذي شهده على الصعيد التقني وفي الاستعلام البشري، بالإضافة الى الخبرة في التحليل والرصد والقيام بمقاطعة المعطيات.

وقد أظهرت السنوات الماضية حرفية استثنائية لدى الفرع، جعلت المريدين والخصوم يثنون على قدرته الفائقة في تحليل جرائم جنائية خلال وقت قصير، وقدرته على تحقيق نتائج دقيقة لا تتعلّق فقط بجرائم تحصل على الأراضي اللبنانية، بل وأيضاً بأعمال تحصل خارج لبنان. ورغم أن الجهات الخارجية لا تعطي فرع المعلومات حقه في مجال مكافحة تهريب البشر والممنوعات، إلا أن الجميع يعرفون أن الفرع كان، ولا يزال، اللاعب الأبرز في ملاحقة ملف تهريب المخدرات، سواء عبر لبنان ومنافذه أو عبر وسائل أخرى، وقد زوّد الفرع عواصم عدة بمعطيات مكّنتها من إحباط عمليات إجرامية خارج لبنان.

قبل خمسة أسابيع تقريباً، أبلغ ضابط متخصص قيادة الفرع عثوره على إشارة تشير إلى عمل ذي بعد أمني. المتابعة اللصيقة للمشتبه فيه، بيّنت وجود صلة واضحة له بالعدو الإسرائيلي. عندها، بدأ الفرع أكبر عملية أمنية في تاريخه ضد التجسس الإسرائيلي، وتمكّن خلال أربعة أسابيع من وضع يده على ملفات تتعلق بالعشرات من المشتبه في تورطهم بمدّ العدو، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وبعلم أو من دون علم مسبق، بمعطيات تتعلّق بأهدافه لا تنحصر فقط بجمع معطيات عن المقاومة ومراكزها، بل بعملية مسح شاملة تشمل أيضاً قوى المقاومة الفلسطينية الموجودة في لبنان، ولا سيما حركة حماس. وقد أظهر التوسع في التحقيقات مفاجآت كثيرة، منها:

أولاً: اكتشف فرع المعلومات وجود اختراق للعدو داخل الفرع نفسه، وفي موقع شديد القرب من قيادته. وتبيّن من التحقيق مع المشتبه فيه أن هدف الاختراق جمع معطيات مما يسمعه بحكم موقعه، وتحديد هويات ضباط في الفرع والأدوار التي يقومون بها.

ثانياً، تبيّن وجود خرق في حزب الله تمثل في تجنيد أحد عناصر «التعبئة في الحزب (وهو من بلدة جنوبية) شارك في مهام في سوريا. وقد أوقف جهاز أمن المقاومة المشتبه فيه، وتبيّن بالتحقيق معه أنه جُنّد بواسطة منظمة ادّعت أنها تعمل لمصلحة الأمم المتحدة، وتقوم بأعمال إحصاء ودراسات واستطلاع رأي.


آلية جديدة للتجنيد والتمويل... والموقوفون والملاحقون من كل المناطق والطوائف

ثالثاً، اكتشاف مشتبه فيه سوري موجود في دمشق، نسّق جهاز أمن المقاومة مع الأجهزة الأمنية السورية لتوقيفه. وقد أقرّ بأنه كان يعمل على رصد مقارّ مدنية وعسكرية وتجارية، ويوفّر خرائط طرقات ومبان في العاصمة السورية، من دون أن يعرف الهدف من وراء جمع هذه المعلومات.

رابعاً، تبيّن أن العدو تمكّن من اختراق عدد من العاملين في منظمات وجمعيات غير حكومية وتجنيدهم لجمع معطيات عن الوضعين السياسي والاجتماعي، ومعلومات عن عقارات ومنازل في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب، إضافة إلى معلومات تقليدية عن مراكز لحزب الله وبعض مراكز الجيش، ومعلومات عن أفراد في حزب الله والاستفسار عن علاقات لأشخاص مع أفراد ومسؤولين في الحزب.

خامساً، اكتشاف وجود عمل مركّز على مجموعات حركة «حماس» في مخيمات لبنان، مع طلب المشغلين رصد قدوم أشخاص فلسطينيين من خارج المخيمات إليها، ورصد بعض الأمكنة التي يمكن أن تكون مخصصة للاستخدام العسكري. ويركّز التحقيق على صلة المشتبه فيهم (تم توقيف أحد المتصلين بـ«حماس») بانفجار مخيم البرج الشمالي في 11 كانون الأول الماضي.

سادساً، بين الموقوفين مهندسو اتصالات طُلب من أحدهم التخطيط لتأسيس مراكز اتصالات في بيروت. كما أن هناك شباناً يافعين لا خبرة لهم في أي مجال.

وخلال عملية الرصد والتحقيق، نجح فرع المعلومات في كشف آلية التواصل بين المشتبه فيهم ومشغّليهم وطريقة إيصال الأموال للمجنَّدين. وفي التفاصيل، فإن التواصل كان يتم عبر مواقع إلكترونية وغرف دردشة مغلقة، أو عبر اتصالات هاتفية بواسطة خطوط هاتف لبنانية. وبدا من ذلك، أن أجهزة أمن العدو أرادت تفادي تكرار خطأ «الرقم الأمني» الذي كان يُعتمد سابقاً وتم اكتشافه، إذ كان المشغّلون يلجأون الى منح العميل رقماً أجنبياً لاستخدامه في التواصل معهم. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ المحققين كشفوا أسلوب عمل جديداً للعدو الإسرائيلي مختلفاً عن السابق. فقد تبيّن أنّ معظم عمليات التجنيد حصلت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأنّ دافع عدد من المتورطين كان الحاجة إلى المال بسبب تردي الوضع الاقتصادي، ما مكّن العدو من إغرائهم. وأحياناً، كان المشغّل يطلب معلومات بسيطة على سبيل التجربة لقياس مدى جدية العميل في التعاون.

أما في ما يتعلق بالدفعات المالية، فكانت تسلّم عبر شركات تحويل الأموال (...Western Union,OMT). وكان مصدر الأموال بلدان في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأفريقيا وآسيا. وتبيّن أن الأموال كانت تُحوّل بمبالغ صغيرة حتى لا تلفت الأنظار، بحيث تصنف في خانة المساعدات التي يرسلها المغتربون اللبنانيون الى ذويهم. كما أن بعض الحوالات كانت ترسل بأسماء أبناء المشغّلين أو أقربائهم من صغار السن. وبيّنت التحقيقات أنّ عدداً من الموقوفين قبضوا تحويلات بمبالغ تراوحت بين ١٠٠ دولار و ٢٠٠ دولار فقط، مقابل إعطاء معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

عدد الذين خضعوا للتحقيق معهم على مدى الشهر الماضي تجاوز الـ 35 شخصاً، وقد أُوقف نحو 20 منهم لدى فرع المعلومات، فيما يوجد موقوف لدى جهاز أمن المقاومة، وموقوف آخر في سوريا. وأطلق سراح من تبيّن أنهم يقومون بأعمال مشابهة لم يثبت أن لها علاقة بالعدو.

الموقوفون توزّعوا على جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية، واللبنانيون منهم من كل الطوائف (سنّة وشيعة ودروز ومسيحيون)، وقد عملوا انطلاقاً من معظم المناطق اللبنانية، من بنت جبيل جنوباً الى طرابلس شمالاً، مروراً بصيدا وبيروت وجبل لبنان وكسروان. وقد أظهرت التحقيقات أن 12 من الموقوفين على الأقل كانوا على علم بأنهم يعملون لمصلحة العدو الإسرائيلي، وأن البقية كانوا يعتقدون بأنهم يعملون لمصلحة مؤسسات دولية أو منظمات غير حكومية. كما تبيّن أن من بين الموقوفين من نجح في نسج علاقات وثيقة مع «بيئة المقاومة»، ما سهّل لهم التحرك في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية، كما أن أحدهم عمل حتى توقيفه مع شخصية بيروتية بارزة.

ويفترض في الساعات المقبلة أن يلجأ فرع المعلومات إلى تزويد الجهات القضائية المختصة بمحاضر التحقيقات تمهيداً لاتخاذ القرار بإحالة الموقوفين الى المحكمة العسكرية مع المضبوطات التي تشمل كمية من الأموال.


«درونز»

تبيّن أن أحد الموقوفين، وهو من طرابلس، برّر تعامله مع العدوّ بأنه يكره حزب الله و«مستعد للقيام بأي شيء ضد الحزب». وقد اعترف بأنه بادر الى الاتصال بالإسرائيليين الذين نقلوه في إحدى المراحل إلى الأردن، حيث خضع لدورات متخصصة ولفحص كشف الكذب، ثم أُخضع لتدريب على استخدام طائرات من دون طيار. وقد زُوّد بإحداها واستخدمها في بعض مهامه.


«كلّن يعني كلّن»

أحد الموقوفين، اسمه الأول سيرجيو، وهو يعمل في واحدة من الجمعيات التي نبتت بعد 17 تشرين 2019، أقرّ بأنه تلقّى تمويلاً لشراء آلاف الكمامات من أجل توزيعها بعد أن يطبع عليها عبارة «كلّن يعني كلّن... نصر الله واحد منن».


شرائح هاتفية في كتاب

أقرّ أحد الموقوفين بأنه، مقابل 300 دولار، خبّأ شرائح هاتفية (Sim cards) في ثقب أحدثه داخل أحد الكتب، قبل أن يشحنه إلى عنوان خارج لبنان بواسطة DHL.


إفادات عقارية وشقق للإيجار

أقر ثلاثة من الموقوفين بأنهم، بناءً على أوامر من مشغّليهم، عملوا على الاستحصال على إفادات عقارية لمعرفة أسماء مالكي عقارات في مناطق مختلفة، كما طلب منهم استئجار شقق في عدد من المناطق وترك مفاتيحها في أمكنة معيّنة.



شبكة صيدا كانت تحضّر لعمل أمني؟

آمال خليل

تضاربت المعلومات حول عدد أفراد شبكة التجسس التي ضبطها فرع المعلومات في صيدا وهوياتهم، لكن الثابت، وفق مصدر أمني، أنهم كانوا يحضّرون لتنفيذ عمل أمني في عاصمة الجنوب.

وبحسب المعلومات، نفذ الفرع في الثامن من كانون الثاني الجاري عمليات دهم في أكثر من منطقة في صيدا وضواحيها، من سيروب إلى شرحبيل. وأوقف عدداً من الأشخاص، من بينهم أ. حنينة الذي أوقف في منزله في صيدا القديمة، وم. عويد (فلسطيني) في شرحبيل، وم. عبد العزيز وشقيقه (فلسطينيان) مع شخص ثالث أوقفوا في سيروب. وترددت معلومات عن توقيف فتاة من ضمن الشبكة، علماً بأن عويد يدير مركز تدريب على التنمية البشرية وينظّم دورات لتطوير المهارات في هذا المجال لجمعيات وبلديات.

وفيما نقل الموقوفون إلى مقر فرع المعلومات في بيروت، عمل الأسبوع الماضي على سحب أشرطة كاميرات المراقبة المنتشرة على طول الطرق الرئيسية والفرعية بين دوار مكسر العبد على الأوتوستراد الشرقي عند مدخل صيدا الشمالي وصولاً إلى شرحبيل.

في صيدا القديمة، وقع خبر توقيف أحد شبانها من آل حنينة بتهمة العمالة كالصاعقة على أهاليها. يؤكد كثير من عارفيه أن ما يتهم به «افتراء». أحد جيرانه يجزم بأن التهمة المنسوبة إليه هي تعاطي المخدرات. فيما يقول آخر إن الموقوف «حوّل أموالاً من دون أن يعرف أن عصابة مروجي مخدرات تستخدمه لتحويل أموال لتجار». الوجوه الصفراء والعيون الذابلة ترفض تصديق تهمة العمالة. «تنتشر الحبحبة (تعاطي الحبوب المخدرة) ولا تنتشر العمالة في صيدا» يجزم صاحب إحدى البسطات.


بين الموقوفين مدير مركز لتدريب جمعيات وبلديات على التنمية البشرية

الباب ذو القنطرة المنخفضة يقود إلى منزل حنينة. أرضية اسمنتية غير مبلّطة وجدران مزّقتها المياه المتسرّبة والرطوبة تحيل إلى درج طويل في آخر بهو على يمينه غرفة. يشير أحد الأشخاص الى أنه منزل العائلة. غرفة بأرضية اسمنتية مظلمة تملأها رائحة الرطوبة، اجتزئ قسم صغير منها بجدار مستعار، مستحدثاً غرفة نوم للشاب المتهم بالعمالة. شقيقته تشير إلى خزانته، وتقول: «هذه هي ساعات الرولكس وتلك قناني العطور الفاخرة»، في إشارة إلى زجاجة عطر. يستوي والده ببطء بسبب الكيس المثبت على كليته اليسرى. منذ سبع سنوات، مكث الرجل في البيت بعدما أعجزه السرطان والسكري والضغط. بعده بثلاث سنوات، افترس سرطان الرئة زوجته. ابنه الأصغر تنقّل بين وظائف عدة، في معظمها كان بائعاً في محال ألبسة. تلك هي المهنة الأخيرة التي ثبت فيها، متنقلاً بين فروع أحد المحال من صيدا إلى صور. «ابني كسائر الشبان في عمره. ينفق أمواله على اللباس والسهر. اقترض من أحد المصارف ليشتري سيارة قبل سنوات. وعندما أقفل المحل حيث يعمل بسبب انتشار فيروس كورونا، اضطر إلى بيعها لينفق من ثمنها». شقيقته تسارع إلى إبراز إيصالات تسديد القيمة الشهرية للقرض وآخرها الشهر الماضي. «العميل يحتاج إلى الاقتراض؟» تساءلت.

ألا يدفع الطفر إلى الأسوأ؟ «من يلتحق بداعش أو يتعامل مع إسرائيل، يكون قلبه ميت» تقول شقيقة حنينة. أما هو فليس ضيق حاله فقط ما يطمئن عائلته بأنه ليس عميلاً أو إرهابياً، بل إن جبنه أيضاً. «ابني طفران وجبان يخاف من ظله» يجزم الوالد.

أوكلت عائلة حنينة أحد المحامين لمتابعة قضية ابنها. منذ توقيفه في 8 كانون الثاني الجاري، لم يتمكن والده من رؤيته حيث لا يزال محتجزاً في فرع المعلومات في بيروت. سمحوا للعائلة بأن ترسل إليه أغراضاً شخصية. فيما سمحوا له بأن يتصل بهم. «قال لي أنا بريء ومظلوم. لا تصدق شيئاً عني». فيما أصدرت «رابطة آل حنينة» أمس بياناً نفت فيه ما يتداول عن الموقوف «الموجود قيد التحقيق الذي لم ينته بعد».




داعش في الشمال: أكثر من خبر

منذ أكثر من عامين، يدور همساً أو في غرف مغلقة حديث عن واقع غير عادي يسود المناخ السياسي في الشمال. وفي كل مرة يُشار فيها الى نشاط متزايد للتنظيمات التكفيرية، يردّ أقطاب القوى السياسية والزعماء بوصف الأمر على أنه محاولة لشيطنة الشمال وأهله. ولدى مواجهتهم بوقائع عن تعبئة وعن رحلات هجرة للقتال، يعزون الأمر الى الفقر والبطالة وإلى التوتر المذهبي والسياسي.

كل قيادات الشمال من دون استثناء، من هم في سدّة الحكم اليوم كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن سبقه خصوصاً الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، الى حشد السياسيين المنتمين الى 14 آذار أو المنضوين حالياً في الحلف الذي تقوده السعودية، ومعهم حشد من المشايخ الذين يعرفون بـ«أهل الدعوة»، يرفضون تحمّل مسؤوليتهم عمّا آلت إليه الأوضاع هناك، ويرفضون الإقرار بهروبهم من الدور التنموي الذي يمكنهم القيام به نظراً الى الإمكانات المالية الهائلة التي يحوزونها بفعل أعمال وأشغال جرى معظمها في لبنان، ويرفضون تقديم حسابات حول مآل المساعدات المالية والمشاريع التي يقول السعوديون، مثلاً، إنهم ارسلوا من أجلها مليارات الدولارات ولم يظهر منها شيء على الأرض.



موسم هجرة الجهاديين من الشمال: بعيداً عن الشيطنة... هذا ما جنته القيادات


منذ أكثر من عامين، يدور همساً أو في غرف مغلقة حديث عن واقع غير عادي يسود المناخ السياسي في الشمال. وفي كل مرة يُشار فيها الى نشاط متزايد للتنظيمات التكفيرية، يردّ أقطاب القوى السياسية والزعماء بوصف الأمر على أنه محاولة لشيطنة الشمال وأهله. ولدى مواجهتهم بوقائع عن تعبئة وعن رحلات هجرة للقتال، يعزون الأمر الى الفقر والبطالة وإلى التوتر المذهبي والسياسي.

كل قيادات الشمال من دون استثناء، من هم في سدّة الحكم اليوم كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن سبقه خصوصاً الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، الى حشد السياسيين المنتمين الى 14 آذار أو المنضوين حالياً في الحلف الذي تقوده السعودية، ومعهم حشد من المشايخ الذين يعرفون بـ«أهل الدعوة»، يرفضون تحمّل مسؤوليتهم عمّا آلت إليه الأوضاع هناك، ويرفضون الإقرار بهروبهم من الدور التنموي الذي يمكنهم القيام به نظراً الى الإمكانات المالية الهائلة التي يحوزونها بفعل أعمال وأشغال جرى معظمها في لبنان، ويرفضون تقديم حسابات حول مآل المساعدات المالية والمشاريع التي يقول السعوديون، مثلاً، إنهم ارسلوا من أجلها مليارات الدولارات ولم يظهر منها شيء على الأرض. ويرفضون حتى تحمّل المسؤولية في النقاش السياسي عن نتائج «لعبة تحشيد المقاتلين» في الشوارع والأزقة، أو عن تمويل لجمعيات دينية تبيّن أن معظمها كانت مجرد غطاء لتنظيمات تكفيرية تولّت تجنيد مئات الشبان وإرسالهم للقتال في سوريا والعراق أو لمواجهة القوى الأمنية في لبنان.

تغيّرت الأمور مع تراجع حدّة الحرب السورية، فمنذ حسم معركة فجر الجرود عام 2017، لم تسجل الأجهزة الأمنية اللبنانية أي تحرك للمجموعات التكفيرية، إلى أن وقعت حادثة كفتون (الكورة) عام 2020، والتي استُدركت باعتقال مجموعة إرهابية لتواصل من بعدها الخلايا النائمة نومها. وفي عام 2022 اعتقلت استخبارات الجيش اللبناني مجموعتين كبيرتين، الأولى في بلدة عرسال البقاعية ضمّت 18 إرهابياً (12 سورياً وستة لبنانيين)، والمجموعة الثانية في الشمال بعد مقتل المؤهل أول في الجيش أحمد مراد.

المطّلعون في الأجهزة الأمنية يؤكدون أن معظم من خرجوا في مراحل سابقة إلى العراق قتلوا هناك، ولم يعد منهم إلا قلّة قليلة، فيما يخرج من سجن رومية دورياً من ينهون سنوات توقيفهم، من دون أي تعديل في توجهاتهم العقائدية. لا بل يستفيد هؤلاء من وجودهم في السجن لتوسيع دائرة علاقاتهم. وغالباً ما يتوجّه كثيرون منهم، بعد خروجهم من السجن، إلى الشمال (لا طرابلس حصراً) بدل البقاع أو بيروت أو صيدا، بحكم هامش التحرك الأكبر هناك. ومنذ نحو ثلاثة أشهر، وفق المصدر الأمني، بدأ تسجيل حركة انتقال من الشمال باتجاه العراق عبر ثلاثة مسارب: مطار بيروت إلى العراق مباشرة لمن لا شبهات لدى القوى الأمنية حولهم، وعبر مطار بيروت، أيضاً، إلى تركيا ومنها إلى سوريا أو العراق لمن لا يوجد في حقهم منع سفر أو ملاحقة أمنية، وعبر المعابر غير الشرعية إلى سوريا فالعراق، في رحلة شاقة. وهذا ما يصعّب على الأجهزة الأمنية اللبنانية الأربعة تحديد رقم دقيق لعدد الشبان الذين يمكن أن يكونوا قد غادروا لبنان للالتحاق بـ«داعش»، سواء في سوريا أو العراق أو تركيا، مع تأكيد كل هذه الأجهزة عدم وجود حركة تجنيد جدية للمجموعات التكفيرية، على غرار ما حدث بين عامَي 2013 و2015. والواضح أيضاً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تعرف، حتى اليوم، ما إذا كان انتقال التكفيريين اللبنانيين إلى العراق هدفه تدريبهم وإعدادهم لاستخدامهم في الداخل اللبنانيّ، أو أن أولوية التنظيم المندثر هي الوقوف على قدمَيه في العراق مجدداً، ما يعني أن الهدف الأساس لهجرة هؤلاء هو القتال في العراق لا العودة إلى لبنان، علماً بأن أحد الأجهزة الأمنية يتعامل بجدية مع احتمال أن يكون نقل التكفيريين اللبنانيين إلى العراق وقتلهم هناك بوصفهم «دواعش»، من بدايته إلى نهايته مخطط أمنيّ مدروس هدفه التخلص من هؤلاء من جهة، والإيحاء بأن هناك من يواصل مقاتلة «داعش» من جهة أخرى، مع العلم بأن الأجهزة الأمنية لا تتعامل بجدية أبداً مع كل ما يسرّب من أسماء وصور وتسجيلات صوتية عن مقتل هذا أو ذاك من التكفيريين، إذ غالباً ما يستخدم التكفيريون هذه الوسائل ليبدأوا حياة «جديدة» بهويات جديدة، وهو ما لا يسمح للقوى الأمنية باعتبارهم قتلى فعلاً قبل الحصول على الجثث أو الأشلاء وإجراء الفحوصات المخبرية اللازمة.



«داعش» يعيد بناء هيكليته؟

رضوان مرتضى

لم يمرّ وقت طويل بين اكتشاف الأجهزة الأمنية أمر مغادرة عشرات الشبان في شمال لبنان للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبين إعلان مقتل عدة شبان لبنانيين في قصفٍ بغارة جوية نفذها سلاح الجو العراقي في منطقة العُظيم بمحافظة ديالى. وقد كشفت مديرية الاستخبارات العسكرية في الجيش العراقي أنّ مقاتلات F16 عراقية نفّذت الهجوم في حاوي العظيم على مجموعة مقاتلين من داعش ما أسفر عن سقوط تسعة قتلى. وأعلنت مديرية الاستخبارات على موقعها أن بين القتلى ستة لبنانيين، كاشفة أن الهجوم أتى رداً على هجومٍ شنّه مسلحو التنظيم على مقرٍ للجيشِ العراقي في المحافظة الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل ضابط برتبة ملازم وعشرة جنود عراقيين. كذلك تداولت مواقع عراقية خبراً عن مقتل ثلاثة لبنانيين آخرين في عملية عسكرية في منطقة الحسينيات في وادي حوران قبل مدة. وعُرِفَ من بين القتلى اللبنانيين بكر مهدي سيف وأنس أحمد سيف وعمر محمد سيف ويوسف أحمد شخيدم وشقيقه عمر شخيدم. كذلك جرى تداول اسم قتيل سادس يدعى يوسف السيد يُعتقد أنه من بين القتلى الذين سقطوا خلال الهجوم.

توقيف مهرّب سوري ساعد عشرين شاباً على الالتحاق بـ«داعش»

الحادثة أعادت إلى الأذهان الظاهرة التي تشهدها عدة قرى شمالية حيث رصدت استخبارات الجيش وفرع المعلومات مغادرة نحو 65 شاباً الأراضي اللبنانية للالتحاق بصفوف التنظيم، علماً أن وزير الداخلية أكّد قبل أيام مغادرة 37 شاباً من طرابلس إلى سوريا والعراق للالتحاق بـ«داعش»، وأنّ عشرة منهم غادروا بطريقة شرعية. وعلمت «الأخبار» أنّ فرع المعلومات تمكن من توقيف مهرّب سوري الجنسية ساهم في نقل عشرين شاباً على الأقل عبر الأراضي السورية للالتحاق بالتنظيم. ورغم أنّ تقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن عدداً من الملتحقين بالتنظيم دوافعهم مالية لمساعدة ذويهم، إلا أنّ مصادر أمنية مواكبة للملف تشير إلى أنّ «صحوة الجهاديين» اليوم مرتبطة بما يرون أنها «بشائر لإعادة بناء هيكلية التنظيم من جديد». وترى المصادر أنّ أحداث سجن الحسكة الأخيرة تؤكد «استراتيجية تمكين التنظيم» التي تبدأ بـ«هدم الأسوار» لتهريب سجناء قادة، كما سبق أن حصل في أبو غريب والتاجي في العراق.



الفيحاء مجدداً تحت الرصد الأمني

رلى أسمر

لم تنته طرابلس بعد من إحصاء عدد من أبنائها الذين «فُقد أثرهم» أخيراً، حتى عاجلها خبر مقتل ثلاثة منهم مع «داعش» في العراق. دماء «من قضى ومن ينتظر»، وضعت الفيحاء مجدداً تحت الرصد الأمني

السبت الماضي، علمت عائلات شمالية بمقتل ستة من أبنائها في صفوف تنظيم «داعش» في العراق. والستة هم: محمود السيد (القبة)، عمر وبكر وأنس سيف (بلدة وادي النحلة قرب البداوي)، عمر ويوسف شخيدم (برج العرب ويقيمان في وادي النّحلة وتربطهما قرابة مع عائلة سيف)، خبر مقتل الستة وصل إلى عائلاتهم عبر تسجيل صوتي «يزفّ إليهم بشرى استشهاد أبنائهم» الذين فُقد أثرهم منذ أسابيع من ضمن عشرات الشبان من طرابلس وجوارها، تواروا عن الأنظار في الفترة نفسها، وتردّدت معلومات بأنهم التحقوا بالتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق.

في ساحة العلم في وادي النحلة، عند مدخل طرابلس الشمالي، كانت عائلتا عمر محمد سيف وبكر مهدي سيف، أمس، تتقبّلان «التهاني بالشهيدين»، بحسب النعي الذي عمّمته العشيرة. بعض الأقارب وأهل المنطقة اعتبروهما ورفاقهما «مجاهدين قتلوا في سبيل الإسلام»، ومنهم من اعتبرهم «مظلومين خسروا شبابهم سواء آمنوا بعقيدتهم أم غُرر بهم». علماً أن بكر (22 سنة) أمضى سبع سنوات في رومية بتهمة الإرهاب وخرج من السجن منذ سبعة أشهر، فيما سُجن عمر (21 سنة) خمس سنوات بتهمة الإرهاب وخرج من السجن منذ ثلاث سنوات، وكلاهما شاركا في أحداث طرابلس والمعارك ضد الجيش.

روايات الأهالي عن طبائع الشباب لا تختلف. يؤكد أحدهم لـ«الأخبار» أن عمر وأنس سيف دون الـ22 من العمر، «ولم نلاحظ عليهم في الآونة الأخيرة أي علامات تشدد»، عكس بكر سيف الذي كان سجيناً في رومية وبعد إطلاق سراحه التحق فوراً بتنظيم «داعش» في العراق.

أبو فادي، خال بكر، لفت إلى أن العائلة أبلغت القوى الأمنية فور اختفاء الشبان الثلاثة، وأن عمر «اتصل بوالدته ليطمئنها بأنه بخير من دون أن يحدد مكان وجوده». وبحسب الخال، «سلمت العائلة الرقم إلى القوى الأمنية التي دققت به وتبين أن مصدره العراق. وبعد أسبوع اتصل بكر بوالدته من العراق أيضاً، قبل أن يقطع الاتصال». ولم يتمكن أهل الضحايا من تحديد كيفية خروج أولادهم ومن سهّل لهم المغادرة من لبنان وصولاً إلى العراق. «المسؤولية تقع على من ورط هؤلاء الشبان وغرر بهم والأمر يحتاج إلى توعية شاملة تقوم بها المراجع الدينية، وعلى الدولة تأمين فرص عمل لهؤلاء الشبان».


معظم «المهاجرين» من العاطلين من العمل وقد سافروا مقابل وعود برواتب تصل إلى 2000 دولار شهرياً

الشيخ محمد إبراهيم رأى أن «هناك ما يثير الريبة. فمن يشاهد القصف الذي حصل يفترض أنه لم يبق أي أثر للجثث، فكيف استطاعت السلطات العراقية إعلان هويتهم وجنسيتهم؟ كما التسجيل الصوتي لنعي الشباب بصوت امرأة وليس من عادة تنظيم الدولة أن يترك أمر النعي لامرأة». وأعرب إبراهيم عن الخشية من «سعي البعض إلى توتير الساحة الشمالية من بوابة العراق. وعلى السلطات العراقية إذا كانت جادة أن تعمل على تسليم الضحايا إلى السلطات اللبنانية. ونخشى أن يكون الشبان قتلوا إعداماً في السجون العراقية». وأوضح أن عدد الذين غادروا إلى العراق بلغ 37 شخصاً، والأجهزة الأمنية تعرفهم جيداً لأن بحقهم وثائق اتصال وبعضهم مطلوب بتهم الإرهاب وبأحداث التبانة وجبل محسن ومعظمهم تحت سن العشرين.

وتبين أن معظم «المهاجرين» من العاطلين من العمل وقد سافروا مقابل وعود برواتب تصل إلى 2000 دولار شهرياً. لكن قسماً غير قليل منهم التحق بالتنظيم عن سابق إصرار، كبكر سيف الذي اختفى منذ قرابة الشهرين، وقد قال أحد أقربائه «لـ«الأخبار» إنه «ربما هو من سهل لعدد من الشبان الالتحاق به في العراق». وأشارت المصادر إلى أنّ التواصل مع الشبّان يتم عبر الإنترنت أو عبر خلايا نائمة، تعمل على إقناعهم بالذهاب إلى العراق بعد إغرائهم بالمال، إضافة إلى أنّ بعضهم بحقّه مذكرات توقيف من قبل الأجهزة الأمنية.

وعلمت «الأخبار» أن الأجهزة الأمنية باتت على دراية بشبكات تهريب تعمل على خط العراق، وتتولى تأمين الطريق مقابل مبالغ مالية كبير تراوح بين خمسة آلاف دولار وعشرة آلاف عن كل شخص، وذلك عبر معابر غير شرعية على الحدود اللبنانية إلى سوريا، موزّعة بين عكّار والهرمل.

مقتل هؤلاء الشبّان الستّة ليس الأوّل من نوعه. ففي نهاية كانون الأول الماضي أفيد عن مقتل أحمد الكيّال وزكريا العدل في العراق، ما دفع المصادر الأمنية إلى «توقع ارتفاع عدد القتلى في الأيّام المقبلة».

وكشفت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ «المعلومات المتوافرة لدينا تفيد عن مغادرة عشرات الشبان إلى العراق للقتال يتوزّعون على مناطق التبانة وقلب مدينة طرابلس والبدّاوي والمنية والضنّية وعكّار، وأعمار أغلبهم تتراوح بين 17 و25 سنة، وقد اتصلوا بأهاليهم بعد خروجهم من لبنان ووصولهم إلى العراق».



التهريب عبر الحدود الشمالية: 5 آلاف دولار «على الراس»!

نجلة حمود

أعاد مقتل شبّان من منطقة الشمال (طرابلس والضنية) في صفوف تنظيم «داعش» في العراق، أول من أمس، فتح ملف الحدود الشمالية وعمليات التهريب النشطة على مقلبي الحدود، خصوصاً في منطقة وادي خالد. ورغم تنفّس فاعليات عكار الصعداء بعد التأكد من عدم وجود أحد من أبناء المحافظة بين من أُعلنت أسماؤهم، إلا أنهم يدركون أن التهريب لم يعد يأخذ صفة «غض النظر» وتسهيل أمور القاطنين في المناطق المتداخلة الذين يعبرون الحدود يومياً بهدف العمل أو الدراسة.

منذ عقود، شكّل التهريب متنفّساً لحياة أبناء الوادي الذين لم تعترف بهم الدولة اللبنانية كمواطنين حتى عام 1994، عندما منحت الجنسية لبعضهم من حاملي وثائق «قيد الدرس» وبقي بعضهم الآخر «مكتومي القيد» حتى اليوم. مئات المحال التجارية افتتحها أهالي الوادي على امتداد الطريق في البقيعة في تلك «المرحلة الذهبية» قبل اندلاع الأحداث السورية. لكن الواقع تبدّل اليوم، «الحدود مغلقة بشكل تام أمام الآليات والسيارات. حركة التبادل التجاري ونقل البضائع معدومة، أما حركة نقل الأشخاص وتسلل المسلحين فمتاحة على طول الشريط الحدودي الممتد على مسافة 25 كلم»، بحسب أحد مخاتير وادي خالد. ويلفت إلى أنه «كل متر يوجد معبر، بالتالي يستحيل ضبط الحدود»، مشيراً إلى «حركة دخول وخروج لمئات السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة كنازحين. يعبرون الحدود للحصول على بطاقات المساعدات المالية والغذائية وتثبيت بصمة العين ومن ثم يعودون إلى سوريا حيث يقيمون»!

وتشير فاعليات المنطقة إلى «عمليات إطلاق نار تسمع ليلاً في المنطقة المتاخمة للحدود ولمجرى النهر الكبير، ونشطت أخيراً عمليات خطف المهربين لمن يدخلون بشكل غير نظامي مقابل طلب فدية من عائلاتهم لإطلاق سراحهم، كما توقف القوى الأمنية يومياً عشرات الأشخاص (غالبيتهم من السوريين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية) عند حاجز شدرا».


يسلك المهربون طريق وادي خالد - حمص - تدمر ـ دير الزور ومنها إلى البادية العراقية

إعلان مقتل عدد من الشبان اللبنانيين في العراق أمس، سلط الضوء مجدداً على استخدام تلك المعابر لتهريب مقاتلين من الشمال إلى الداخل السوري ومن ثم إلى العراق، بعد معلومات تحدثت منذ أشهر عن عودة تنظيم «داعش» إلى تجنيد شبان من أبناء الشمال مقابل رواتب شهرية تصل إلى 2000 دولار، وتسهيل مرورهم عبر الحدود الشمالية مع سوريا.

وتفيد المعلومات بأن المهربين يتقاضون ما يصل إلى خمسة آلاف دولار على الشخص مقابل تأمين عبوره في سوريا وصولاً إلى العراق، حيث يتم تسليمه لمقاتلين في «داعش»، مؤكدة أن «كل محطة في الرحلة لها متخصصون يسهلون عبور الشبان». وبحسب المصادر، «يسلك المهربون طريق وادي خالد - حمص - تدمر (حيث يمكثون لبعض الوقت في مناطق خارج سيطرة الجيش السوري) ـ دير الزور، ومنها يلتحقون بالبادية العراقية، مقابل 100 ألف ليرة سورية يتقاضاها المهربون من الجانب السوري». وتؤكد المصادر أن «المهربين على الحدود الشمالية يتعاملون مع الموضوع من باب التجارة والبيزنس، وما يعنيهم هو الحصول على المال من دون أن يلتفتوا للشق الأمني، ولا يسألون عن هوية الشبان أو وجهتهم، ولا يواجهون متاعب مع الحواجز الأمنية في الشمال لكون الشبان الذين يعمدون إلى تهريبهم يحملون أوراقاً ثبوتية، وكونهم لبنانيين يحق لهم عبور حاجز شدرا من دون أي مساءلة».





تعليقات: