الحاكم يمحو خسائره برواتب الموظـفين
عندما أطلق مصرف لبنان عملية «تعقيم» السيولة، بواسطة التعميم 161، كانت الغاية واضحة جداً: امتصاص الليرات من السوق وتجفيفه لكبح انهيار سعر الليرة وخفض سعر الدولار. يتردّد أن السعر المستهدف هو 20 ألف ليرة، وهو ينسجم مع السعر الذي اعتُمد في مشروع موازنة 2022 وفي خطّة التعافي لاحتساب الودائع التي ستردّ بكامل قيمتها لأصحابها. وهذه الخطّة انطلقت في توقيت دقيق، قبل نحو ثلاثة أسابيع من انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. فتوحيد سعر الصرف وتحويل سعر «صيرفة» إلى السعر المرجعي للدولة اللبنانية، سواء في مشروع الموازنة أو في خطّة التعافي، أمر ضروري للإيحاء بأن ما يرد في الخطّة قابل للتحقيق والتنفيذ. فالخطّة التي تقترح تذويب نحو 60 مليار دولار من الودائع عبر تحويلها إلى الليرة بقيمة إجمالية تبلغ 695 تريليون ليرة، تعبّر عن المسار الذي أطلقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ اليوم الأول، والقاضي بتضخيم الأسعار وضخّ السيولة. ثم، كما نرى اليوم، تعقيم هذه السيولة مع خفض سعر الدولار. هذه ليست معجزة أو سحراً، بل سلوك يمارسه الحاكم منذ اليوم الأول لإدارة الأزمة. ولا يهمّه أن ينتج من هذه اللعبة «هيركات» مقنّع على الودائع يبلغ 70% بالحدّ الأدنى، وخسارة على الاقتصاد تظهر من خلال انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 33 مليار دولار، وتضخّم أصاب المستهلكين بنسبة 700% حتى نهاية 2021. هذا عدا عن خسائر الهجرة وتضرّر القطاعات وإفلاس الضمان وصناديق النقابات المهنية (مهندسون، أطباء، أساتذة...) التي كانت تقدّم امتيازات استشفائية وطبابة للمنتسبين إليها. كل ذلك لم يكن يهمّ سلامة طالما أنه قادر على التلاعب بسعر الصرف، وتذويب الخسائر المتراكمة في ميزانيته، وإظهار قدرته على ذلك لصندوق النقد الدولي الذي حذّره سابقاً من ضخّ الليرات مقابل تذويب الخسائر.
في الواقع، تشير خطّة التعافي إلى أنه مع سعر صرف 20 ألف ليرة للدولار، ومع احتفاظ مصرف لبنان برأسمال سلبي بقيمة 25 مليار دولار، تذوب خسائر مصرف لبنان بالكامل. وهذا ليس تعقيماً لميزانيته، بل عقم في إدارة السياسة النقدية والمصرفية العاجزة عن أن ترى أبعد من عمليات التجميل المحاسبية على حساب المجتمع والاقتصاد. وهو ليس عقم مصرف لبنان وحده، بل عقم قوى السلطة التي تواصل الإنكار لأنها عاجزة عن التقدّم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح. وهذا ما تعكسه بوضوح النقاشات في مجلس الوزراء حيث تُقترح زيادة تعرفة الاتصالات، وزيادة تعرفة الكهرباء، وزيادة الرسوم الجمركية والدولار الجمركي، وسائر الضرائب، مقابل «فتات» سُمّي «مساعدة اجتماعية» تستعمله السلطة وسيلة لشراء ذمم الناخبين تحت ضغط التجويع. وهذا الفتات تسرّب سابقاً مع «البطاقة التمويلية» وقبلها مع «الدعم»... لا تهتم السلطة لواقع الاستشفاء وتدنّي مستوياته وهجرة الأطباء والممرضين وارتفاع الكلفة. وتتقصّد تجاهل احتكارات الأدوية التي تتحكّم بمرضى السرطان، بينما هي عاجزة عن تقديم بضعة ملايين من الدولارات لدعم أملهم بالحياة. لا قوى السلطة ولا سلامة يهتمّون بذلك، بل ينشغلون في تعقيم المصيبة التي خلقوها على حساب المجتمع والاقتصاد أيضاً.
الحاكم يمحو خسائره برواتب الموظـفين
محمد وهبة
عشيّة الأول من هذا الشهر، قرّرت المصارف أن تسحب «جوارير» الليرة اللبنانية من آلات سحب الأموال (ATM). صباح أمس، فوجئ الزبائن بأنهم غير قادرين على سحب رواتبهم بالليرة، فيما فرضت المصارف عليهم سحبها بالدولار على منصّة «صيرفة»، بسعر صرف يتجاوز سعر الدولار في السوق الحرّة. إذ بلغ معدل سعر «صيرفة»، بحسب بيان مصرف لبنان، 21200 ليرة مقابل الدولار، بينما أقفل سعر السوق الحرّة على 19400 ليرة...
هذه واحدة من الروايات التي جرى تداولها أمس لتفسير شحّ الليرة اللبنانية في السوق، وفيها، بحسب المعلومات، الكثير من الدقّة. إلا أنها لم تكن الرواية الوحيدة التي تفسّر ما حصل. إذ تشير المعطيات أيضاً إلى امتناع صرّافين عن بيع الليرات وعرض المزيد من الدولارات للبيع في السوق. المشترك بين المصارف والصرّافين أن الطرفين اشتريا هذه الدولارات بأسعار مرتفعة ولا مصلحة لهما في التخلّي عن الليرات التي يملكونها الآن طالما أن سعر الدولار في اتجاه انحداري، وبالتالي فهم يعرضون دولاراتهم الغالية للتخلّص منها الآن مقابل الاحتفاظ بالليرات وخزنها لاستعمالها في الوقت المناسب عندما ينعكس الاتجاه في السوق.
ما حصل أمس، بحسب بعض المصرفيّين، يعني أن مصرف لبنان فقد سيطرته على السوق. صحيح أن هناك احتمالاً بأن يكون التفاوت بين سعر «صيرفة» وسعر السوق الحرّة مصطنعاً، إلا أنه يصعب أن يكون هناك اتفاق بين كل اللاعبين ــــ المضاربين، بما فيهم مصرف لبنان، على هذا الأمر. فالكل يريد أن يلقي الخسائر على غيره. فهل فقد مصرف لبنان سيطرته على السوق، أم أن ما حصل توزيع أدوار؟
المطّلعون على السوق يعيدون بناء الأحداث على النحو الآتي: مصرف لبنان أقرّ التعميم 161، ثم عمد الى تعديله وفتح عمليات بيع الدولارات للمصارف على مصراعيها في الربع الأخير من كانون الأول 2021. قبل أن يمدّد العمل بهذا التعميم لشهر كانون الثاني 2022. الأربعاء الماضي، قرّر المجلس المركزي لمصرف لبنان تمديد العمل بالتعميم لشهر شباط أيضاً. كل تمديد كان يترك انطباعاً بأن مصرف لبنان سيواصل تدخّله في السوق وضخّ الدولارات عبر المصارف لتحقيق مزيد من خفض سعر الدولار. كان هناك سباق على تحديد السعر المستهدف لدى مصرف لبنان. إنما في البداية، كان هناك رهان على أن سعر الدولار لن ينخفض كثيراً، بل سيعاود الارتفاع. غير أن أصحاب هذا الرهان أصيبوا بخيبة لأنهم لم يأخذوا في الاعتبار أن خطّة سلامة كانت تقضي بخفض سعر العملة الخضراء بالتوازي مع انطلاقة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والحفاظ على مستوى معيّن لتهدئة نفوس الناخبين. بمعنى آخر، الرهان فشل لأنه كان قصيراً جداً في المدى الزمني، وهو ما كبّد أصحابه خسائر. فبعض المصارف اشترت دولارات من مصرف لبنان من دون أن تحتسب جيداً لضغط السحوبات المتدنّي، ما أبقى لديها رصيداً بالدولار اشترته بسعر مرتفع نسبياً مقارنة مع ما بلغه سعر «صيرفة»، علماً بأن المصارف تريد بيعه بسعر يحقق لها ربحاً لا خسارة. كما أن بعض الصرافين اشتروا الدولارات من الزبائن بسعر مرتفع نسبياً.
هكذا باتت لدى الصرافين والمصارف مصلحة مشتركة في الامتناع عن عرض الليرة على الزبائن، وإجبارهم على سحب الدولار على سعر «صيرفة» لليوم السابق، أي بسعر أعلى من سعر السوق الحرّة. هكذا أثيرت بلبلة واسعة أمس بين أصحاب حسابات توطين الراتب. فغالبية هؤلاء موظفون وأجراء في القطاعين العام والخاص يتقاضون رواتبهم بالليرة، ولا مصلحة لهم بشراء الدولارات وفق سعر «صيرفة» وبيعه في السوق بسعر أدنى وتسجيل خسائر محقّقة مسبقاً. يضاف إلى ذلك، أن سقوف السحب أصلاً كانت متدنّية جداً، إذ إن أصحاب حسابات التوطين يواجهون صعوبات في سحب الليرات بدفعات ملائمة لتغطية حاجاتهم، وفي بعض الأحيان اضطر الموظفون إلى مراكمة رواتبهم في الحسابات أو أجبروا على بيعها على شكل شيكات أو استعمالها بواسطة البطاقات رغم الحسم الكبير الذي يفرضه التجّار عليهم والذي وصل إلى 20%.
إزاء ذلك، بدأت تنتشر أنباء عن قرارات اتخذتها المصارف بخفض سقوف السحب بالليرة، وإجبار الموظفين على سحب أموالهم بالدولار على السعر الأعلى. وشهدت بعض المناطق قطع طرقات وتحرّكات تصعيدية في الشارع، على أبواب إضراب اتحادات النقل البرّي. أي أن ما كان يحضّر له من قبل الاتحادات ليكون بالكاد «يوم إغلاق» لا هدف له سوى تصفية حسابات سياسية ضيّقة، قد يتحوّل إلى «يوم غضب» فعلي في الشارع موجّه ضدّ سلامة والمصارف والحكومة أيضاً. وأزمة كهذه إذا اندلعت، قد تتفاقم سريعاً لأنها مرتبطة بالعاملين في القطاع العام من إدارات عامة وعسكريين وأساتذة وسواهم... في مواجهة هذا الاحتمال، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بياناً بعد ظهر أمس يشير فيه إلى أنه يمكن للمصارف التي تحتاج إلى سيولة بالليرة اللبنانية أن تحصل عليها مقابل بيع دولاراتها على سعر «صيرفة». عملياً، قرّر مصرف لبنان أن يشتري الدولارات بالسعر الأعلى وأن يتحمّل الخسائر هو بدلاً من المصارف.
المصارف تجبر الزبائن على شراء الدولار بسعر أعلى من «صيرفة»
هذه الخسارة التي تكبّدها مصرف لبنان تضاف إلى باقي الخسائر التي تكبّدها في الفترة الماضية في سياق عملية تعقيم السيولة التي يمارسها منذ نهاية كانون الأول 2021. عمليات كهذه لا تنتج سوى خسائر لمصرف لبنان، وهي تشبه تلك العمليات التي كانت يقوم بها مصرف لبنان لتعقيم السيولة في 2008 و2009. يومها كان التعقيم يتعلق بالدولارات الهاربة من الأزمة المالية العالمية نحو لبنان للاستفادة من فوائد باهظة لدينا. راكمت المصارف كميات كبيرة من التدفقات التي لم تعد تتحمّل كلفتها، فجذبها مصرف لبنان مانحاً المصارف أرباحاً فوق الأكلاف التي تكبّدتها. وها هو اليوم يمارس اللعبة نفسها لتعقيم سيولة الليرة التي خلقها بنفسه. خلال السنتين الأخيرتين، ضخّ مصرف لبنان نحو 35 تريليون ليرة وأتاح لسعر الصرف تعددية الأسعار واستعمل تضخّم الأسعار الكبير والمفرط لخفض خسائره وخسائر المصارف. سيدفع المقيمون في لبنان ثمن تعقيم هذه الأموال غالياً، كما دفعوا ثمن خلقها غالياً. فأهداف عمليات إصدار النقد وضخّه في السوق وتعقيمه واحدة، وهي بيد سلامة وحده.
سلامة يواصل التمرّد على القضاء
للمرة الثالثة على التوالي، امتنع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن حضور جلسة استجوابه من قبل النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس، في الدعوى المقدمة ضده من مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام». بناءً عليه، كلّفت عون جهاز أمن الدولة القبض على حاكم مصرف لبنان وجلبه الى التحقيق خلال ٢٤ ساعة من موعد الجلسة المقبلة التي حددتها بتاريخ ١٥ شباط الجاري. أما التهم التي يواجهها سلامة فهي تبييض الأموال والإثراء غير المشروع وهدر المال العام لمنفعة شخصية واقتراف الغش في المرفق العام، كما طالبت المجموعة بالكشف على احتياطيّ الذهب في مصرف لبنان.
سبق للقاضية عون أن استدعت سلامة من دون أن يحضر في ١١ و١٨ كانون الثاني الماضي، فاتخذت قراراً بمنعه من السفر براً وبحراً وجواً، وطلبت لاحقاً وضع إشارة منع التصرف على سياراته وعقاراته وأبلغت الدوائر المعنية بقرارها. كما عيّنت خبيراً للتدقيق في موازنات مصرف لبنان وأحالت طلب الكشف عن مخزون الذهب وقيمته الى رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر.
اعتمادات «الصحة»: موازنة الـ«لا حول ولا قوة...» | المرضى سيواصلون دفع فروقات كبيرة للمستشفيات
راجانا حمية
طوال العامين الماضيين من عمر الأزمة، عاش المرضى على تسوّل «صحّتهم»، من «حبّة» الدواء التي تتحكم بها مافيات الاستيراد والمستودعات وبعض الصيدليات، إلى الاستشفاء الذي بات حكراً على من يملكون المال. وفيما يختبر المرضى الذل يومياً على أبواب المستشفيات، تأتي موازنة حكومة «معاً للإنقاذ» لترشد المرضى إلى... كيفية التسوّل، إذ لم يحمل الجزء المتعلّق بزيادة اعتمادات وزارة الصحة، تحديداً في شقي الاستشفاء والدواء، الكثير من الأمل، فكانت الإضافات «تجميلية». وبعيداً من الشعارات التي أوحى بها البعض لناحية أن أحد أهداف الموازنة إيلاء الجانب الصحي الاجتماعي الأهمية القصوى، كانت أرقام اعتمادات «الصحّة» أبعد ما تكون عن تلك الشعارات.
بالأرقام، لحظت موازنة الـ2022 زيادة «الاعتمادات العائدة للأدوية ضمن مشروع موازنة وزارة الصحة العامة بقيمة 397.89 مليار ليرة لتصبح 622.89 مليار ليرة بدلاً من 225 مليار ليرة العام الماضي (...) وزيادة الاعتمادات العائدة لنفقات الاستشفاء في القطاعين العام والخاص في مشروع موازنة الوزارة بقيمة 1182 مليار ليرة ليصبح 1782 مليار ليرة». ويضاف إلى تلك التعديلات، وضع «1732 مليار ليرة لزوم برنامج التلقيح و513 مليار ليرة لبرنامج الترصد الوبائي، إضافة إلى 15 مليار ليرة لتفعيل عمل المستشفيات الحكومية ودعم العاملين فيها».
بعيداً من «الملحقات»، وفي ما يخصّ القطاعين الأساسيين في موازنة الوزارة (الدواء والاستشفاء)، تشير الأرقام إلى تعديلاتٍ بنسب تتراوح بين ثلاثة أضعافٍ ونصف وأربعة أضعاف. وإذ تبدو هذه النسب مقنعة بالنسبة لواضعي بنود الموازنة، إلا أنه بالنسبة لما ترصده الدراسات في وزارة الصحة، على الأقل في ما يتعلق بالاستشفاء، أقلّ من المطلوب، على ما يؤكد وزير الصحة فراس أبيض.
ما بين هامشين، يبني أبيض خلاصاته: بين زيادة الأضعاف الأربعة التي تقترحها الموازنة الحالية وبين تصورات أصحاب المستشفيات الخاصة الذين يصلون بزيادة الكلفة في فواتير الاستشفاء إلى 9 أضعاف. هذا الفارق بين «السعرين» يعني، بلا أدنى شك، أن المرضى «مستمرون في دفع الفروقات العالية للمستشفيات»، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. فروقات بخمسة أضعافٍ هي القيمة المتبقية خارج «دعم» الموازنة. من هنا، يؤكد أبيض أن ما هو مطروح «أقل من الحد الأدنى المطلوب»، وأن الموازنة «لا تحلّ أزمة الاستشفاء وإنما تخفّف بعض الشيء». ولذلك، فإن «الرضى» بما «قُسم »مردّه أنه «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وفق أبيض.
أبيض: الاعتمادات المطروحة للقطاع الصحي أقل من الحد الأدنى المطلوب
تنسحب تلك الهواجس على ملف الدواء أيضاً الذي خرج بمعظمه من خانة الدعم، وبات المطلوب اليوم «تسكير» ما خلّفه الرفع التدريجي للدعم المفترض وسدّ النقص الذي تسبب به مصرف لبنان ومن خلفه المستوردون وأصحاب المستودعات.
في أقصى الطموحات، لن يكون تأثير تلك الموازنة في أزمتي الاستشفاء والدواء أكثر من «التسكين»... إلا أن مفعول ذلك المسكّن واستدامته مرتبط بما سيحصل بسوق الدولار، فإن استكان هذا الأخير خفّ الثقل على المرضى، وإن جنّ «فما إلنا إلا الله».
نحو رفع تعرفة الخلوي خمسة أضعاف
رلى إبراهيم
في حال عُقدت جلسة لمجلس الوزراء اليوم، سيكون على جدول أعمالها رفع سعر تعرفة الاتصالات والإنترنت لـ«إنقاذ القطاع». إذ يفترض أن يُقدّم وزير الاتصالات جوني قرم نموذجين يؤدي كلاهما إلى النتيجة نفسها: زيادة قيمة الفاتورة الشهرية بنحو 5 أضعاف
بات ثابتاً أن هيئة «أوجيرو» في صدد رفع أسعار خدمات الإنترنت، وقد اعتمدت في هذا الصدد معادلة لرفع السعر 2.65 ضعف السعر الحالي. بالتوازي، يجري العمل على «معادلة» لتطبيقها على القطاع الخلوي الذي يعاني مشتركوه، منذ أشهر، من خدمات رديئة سواء في الاتصالات العادية أو عبر الإنترنت، بحجة تراجع الإيرادات وعدم توافر الدولار الفريش لشراء المازوت وصيانة المعدات. لذلك، بات الجميع مقتنعاً، بمن فيهم وزير الاتصالات جوني قرم، بحتمية زيادة التعرفة للاستمرار في تقديم الخدمات. «فالقطاع الخلوي ينزف: لا مصاريف استثمارية منذ عامين وديون المورّدين على الشركتين المشغّلتين («ألفا» و«تاتش») ترتفع، فيما الإيرادات زادت كثيراً بالليرة اللبنانية إلا أنها مقارنة بسعر صرفها على الدولار قبيل الأزمة انخفضت بشكل كبير»، وفق مصادر في وزارة الاتصالات.
وعلمت «الأخبار» أن وزير الاتصالات جوني قرم سيعرض في جلسة مجلس الوزراء المفترضة اليوم (قد تؤجل بسبب الإضرابات أو في حال تمديد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي زيارته لتركيا) دراستين «أوليتين» حول رفع سعر التعرفة في القطاع الخلوي. تستند الأولى إلى استمرار احتساب الدولار على أساس 1500 ليرة، مع رفع الفاتورة 5 أضعاف. أي أن من تبلغ فاتورته الشهرية اليوم 100 دولار يدفعها بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي (150 ألف ليرة)، يتعيّن، عليه بعد التعديل أن يدفع 500 دولار (750 ألف ليرة). فيما تحافظ البطاقات المدفوعة سلفاً على قيمتها، مع خفض دقائق الكلام ورزمة الإنترنت بنسبة 80%.
هذا الخيار، وفق ما يقول قرم لـ«الأخبار» «سهل لناحية تعديله ببرنامج»، مشدداً على أن الأرقام «تقريبية وقد تخضع للتعديل». إلا أن المشكلة الرئيسية في هذا الطرح هو الاستمرار في اعتماد سعر 1500 ليرة للدولار، «ما سيؤدي إلى أزمة مماثلة في حال طرأ تعديل في سعر صرف الدولار نزولاً أو صعوداً. أما الطرح الثاني الذي يدعمه قرم، فهو خفض قيمة الفاتورة بنحو 70% مقابل احتساب الدولارات على أساس سعر دولار صيرفة. على سبيل المثال، في حال كانت قيمة الفاتورة اليوم 100 دولار، ستنخفض تلقائياً إلى نحو 33 دولاراً، والنتيجة أن الـ 33 دولاراً وفق سعر «صيرفة» (22100 ليرة للدولار) تساوي 750 ألف ليرة. وفي ما يتعلق بالبطاقات المدفوعة سلفاً، يقترح هذا الطرح رفع سعر الدقيقة وخفض عدد الدقائق والرزمة التي ينالها المشترك بالإنترنت. وبحسب خبير اقتصادي، فإن «هذا الحلّ أفضل لشركتيّ الخلوي اللتين تحولّت كل مصاريفهما إلى الدولار باستثناء رواتب الموظفين المدفوعة باللولار والإيجارات التي تُدفع بالليرة، وهو يضمن معالجة المشكلات المستجدة في الشركتين لفترة لا تقل عن سنتين».
ووفق دراسة أجرتها شركة «تاتش»، باتت الرواتب تشكل 10% فقط من نفقاتها بعد أن كانت تساوي 34% قبيل عامين، فيما تشكّل الإيجارات 3% بعدما كانت 15%. فيما القسم الأكبر من النفقات يُدفع ثمناً للمازوت والصيانة وقطع الغيار بالدولار.
ورغم أن الطرحين، عملياً، يوصلان إلى النتيجة نفسها بالنسبة للمشترك، غير أن الطرح الثاني، وفق الخبير نفسه، «أكثر ملاءمة لخطة الإصلاح وما يريده صندوق النقد لناحية اعتماد سعر صرف منصة صيرفة لا خلق سعر إضافي مواز للدولار يضاف إلى تلك التي ابتدعها مصرف لبنان».
ولضمان توفر الانترنت للجميع، أشار قرم إلى أنه «تجري دراسة بالتشاور مع الشركتين، لاصدار بطاقة قيمتها أقل من 100 ألف ليرة. ويمكن في بطاقة كهذه، أو كإجراء عام، منح دقائق مجانية للمشتركين لأنها لا تكبّد القطاع نفقات بالدولار». أما عدم رفع التعرفة، بحسب الوزير، فسيؤدي خلال أشهر قليلة الى اطفاء المحطات تدريجياً نتيجة عدم توفر قطع الغيار وارتفاع سعر المازوت. «قد لا يتوقف القطاع كلياً، لكن كما في الكهرباء، سنشهد تقنيناً في الاتصالات، بمعنى تشغيل منطقة واطفاء أخرى». وعلى المدى الطويل، «سيؤدي ذلك الى الافلاس، وسنصبح كما مؤسسة كهرياء لبنان، نطالب بسلفة مالية من الدولة بدل رفدها بالايرادات التي تصل حالياً الى نحو 70 مليار ليرة شهرياً».
رفع الفاتورة الحالية 5 مرات أو خفضها واعتماد دولار «صيرفة»
رئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسين الحاج حسن اعتبر أن «أي رفع للتعرفة يجب أن يكون مرتبطاً بالقدرة الشرائية للمواطن. وأي إجراء خارج تعزيز هذه القدرة، هو زيادة للأعباء على الناس وتحميلهم ما لا يمكن أن يحملوه». وسأل: «كيف يمكن للمشترك أن يدفع خمسة أضعاف ما كان يدفعه من دون اتباع هذا التصحيح في التعرفة بخطة وزارية شاملة أولويتها زيادة الإنتاج وإدخال الأموال إلى البلاد». بالتالي، «وضع سياسة عامة لا يتحمل وزره وزير الاتصالات بل مجلس الوزراء مجتمعاً قبيل ذهابه إلى إجراءات تزيد من الانكماش ومن إفقار الناس عبر رفع فاتورة المياه والكهرباء والخلوي وإصدار قانون الدولار الجمركي ورفع أسعار السلع وغيرها». المطلوب اليوم، وفق الحاج حسن، «إيجاد حلول للناس وليس تكبيدهم المزيد من الأعباء عبر الإمعان في اعتماد السياسات نفسها».
200 شخص يخزّنون 40 مليون دولار من الدقائق
منذ أشهر، مع تزايد الحديث عن رفع سعر الاتّصالات، بادر كثيرون من المشتركين إلى «حشو» هواتفهم بالدولارات، ووصلت قيمة البطاقات المدفوعة سلفاً المتداولة في السوق، بحسب وزير الاتصالات جوني قرم، إلى «رقم خيالي يصل إلى 450 مليون دولار»، ليس معروفاً ما إذا كانت مخزّنة لدى التجار أو لدى المشتركين. وهذه المشكلة، يقول الوزير، «لم نجد لها علاجاً بعد ولا تصوراً لكيفية تطبيق التعديلات عليها».
وتشير إحصاءات إحدى شركتَي الخلوي إلى أن 200 مشترك يخزّن كل منهم في هاتفه الخاص أكثر من 200 ألف دولار، أي أن 200 شخص يحوزون 10% من البطاقات الموجودة في السوق. ثمّة من يرى في هذا الأمر احتكاراً، وثمّة من يبرّره بأنه «إجراء طبيعي نتيجة الخشية من رفع التعرفة». يشير قرم إلى أنه «في حال تطبيق تسعيرة جديدة، يفترض مساواة القديم بالجديد أو إيجاد صيغة ما منصفة وعادلة بين من خزّن دولارات ومن لم يقم بذلك».
التعديلات على عقد «باورتيك» سقطت
ندى أيوب
بثلاثة أصواتٍ معارضة، سقطت التعديلات الجوهرية التي كانت مقترحة على عقد «باورتيك» مع «تاتش». وكان لافتاً أن يُطرح العقد في الجلسة الأولى لمجلس إدارة «تاتش»، لا سيما أن المعطيات تشير إلى أن رئيس مجلس الإدارة سالم عيتاني عُيّن في منصبه بعدما حابى «باورتيك» من خلال دراسة أعدّها عن استهلاك المازوت وقدرة العقد مع هذه الشركة على خفضه.
وكان عيتاني دعا مجلس إدارة «تاتش» إلى جلسة بعد ثلاثة أيام على تعيينه رئيساً لمجلس الإدارة وعرض على الأعضاء التعديلات المقترحة أو التي تقترحها «باورتيك» على العقد مع «تاتش»، لكنه فوجئ باعتراض ثلاثة أعضاء عليها هم: شربل قرداحي وماجد عبد الجواد وجو نكد، في مقابل تصويت عيتاني وعلي ياسين لمصلحتها.
يشار إلى أن عقد «باورتيك» مع «تاتش» موّقع منذ 2017، وهو ينصّ على تطوير المحطات وصيانتها، إضافة إلى وظيفة غير منفذة هي تزويد المحطّات بالوقود. وقد أوحت دراسة أعدّها عيتاني عندما كان يرأس الفريق التقني بأن الشركة قادرة على خفض كلفة استهلاك المازوت الذي يستحوذ على 64% من إيرادات «تاتش»، لكن رئيسة مجلس الإدارة السابقة حياة يوسف وعدداً من أعضاء مجلس الإدارة والمدير المالي في الشركة شكّكوا في هذا الأمر. وتردّد بأن تطيير يوسف من رئاسة مجلس الإدارة وتعيين عيتاني بدلاً منها جاء على خلفية العقد، وهو ما تُرجم في اجتماع الجمعية العمومية لـ«تاتش» الجمعة الماضي، ثم في اجتماع مجلس الإدارة الأول.
اعتمادات «الصحة»: موازنة الـ«لا حول ولا قوة» | المرضى سيواصلون دفع فروقات كبيرة للمستشفيات
نحو رفع تعرفة الخلوي خمسة أضعاف
تعليقات: