المصارف تخوض الانتخابات وتمتنع عن فتح حسابات للمرشّحين!

الامتناع عن استقبال الودائع أو فتح حسابات يؤكد أن المصارف اللبنانية \
الامتناع عن استقبال الودائع أو فتح حسابات يؤكد أن المصارف اللبنانية \"متعثّرة\" (عباس سلمان)


تُخرِج المصارف اللبنانية نفسها رويداً من دائرة مطابقتها للمعايير العالمية. إذ تصرّ منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية على استمرار الانخراط في المتاهات والحسابات الضيّقة، وآخرها الانتخابات النيابية. فبعض المصارف تعرقل فتح حسابات لمرشّحين، والبعض الآخر يرفض كلياً فتح الحسابات، فيما يوافق آخرون، تسهيلاً للقانون رقم 44/2017.

ثغرة قانونية

لا يُلزِم القانون المصارف بفتح حسابات للمرشّحين تحت مسمّى "حساب الحملة الانتخابية". لكن عدم فتح الحسابات يعرقل تطبيق القانون ويعرّض فوز المرشّح أو اللائحة للطعن. فالقانون يُلزِم كل مرشح ولائحة بفتح حساب مصرفي وإرفاق تصريح الترشيح بإفادة من المصرف تثبت فتح الحساب المذكور لديه وتبيّن رقم الحساب واسم صاحبه.

وبما أن القانون مُلزِم للمرشّحين، فإن امتناع بعض المصارف عن فتح حسابات للحملة الانتخابية، يعني عدم استكمال الشروط القانونية للترشّح. وبما أن فتح الحسابات استنسابي، فإن بعض المرشّحين سيتخطّون منافسيهم بأشواط، بمساهمة من المصارف التي لا تقدّم معياراً محدداً لقبول فتح الحساب أو رفض ذلك.

ولفتح الحساب في المصارف صلة بضمان شفافية ونزاهة الانتخابات ونتائجها. فهو يتيح مراقبة الإنفاق الانتخابي ومنع الرشى والتمويل المشبوه. ويتم تأكيد ذلك من خلال رفع مدقق الحسابات المعتمد لكل من المرشحين واللوائح، بياناً حسابياً شهرياً، إلى هيئة الإشراف على الانتخابات، يبيّن فيه المقبوضات والمدفوعات والالتزامات المالية للشهر المنصرم، ويرفق به كشفاً بالحساب المصرفي العائد للحملة الانتخابية.

وبعد انتهاء الانتخابات، يحتّم القانون على كل مرشّح ولائحة، تنظيم بيان حسابي شامل مصادق عليه من مدقق الحسابات المعتمد، ويتضمن بالتفصيل مجموع الواردات المقبوضة والمساهمات العينية، حسب مصادرها وتواريخها، ومجموع النفقات المدفوعة أو المترتبة حسب طبيعتها وتواريخها، منذ بدء الحملة الانتخابية. ويجب حسب القانون، تقديم هذا البيان إلى الهيئة خلال مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، مرفقاً بالوثائق الثبوتية العائدة لجميع بنود الحساب، وبكشف مصرفي شامل للحساب العائد للحملة، يبين جميع العمليات التي تمت على هذا الحساب من تاريخ فتحه حتى تاريخ تقديم هذا البيان.

وكل هذه الشروط القانونية الأساسية لا تتم إلاّ بفتح حساب مصرفي.

أسباب قاهرة

يترك القانون باباً لحالات الطوارىء. ففي حال "تعذر فتح حساب مصرفي وتحريكه لأي مرشح أو لائحة لأسباب خارجة عن إرادة أي منهما، تودع الأموال المخصصة للحملة الانتخابية للمرشح أو اللائحة في صندوق عام ينشأ لدى وزارة المالية والذي يحل محل الحساب المصرفي في كل مندرجاته".

لكن في العام 2017 لم تكن الأزمة قد وقعت، وبالتالي، فإن "الأسباب الخارجة عن الإرادة"، لها طابع مغاير لرفض المصارف فتح الحسابات. إذ أن فتح الحسابات على اختلاف أنواعها وأهدافها، هو من صلب عمل القطاع المصرفي، ولم يكن أحداً يفكّر بتغيُّر طبيعة العمل المصرفي بهذه الانعطافة.

وعليه، فإن وزارة المالية اليوم، ترفض اعتبار رفض المصارف، بمثابة سبب خارجٍ عن إرادة المرشّح أو اللائحة، خصوصاً وأن بعض المصارف تفتح حسابات لبعض المرشحين. ولا يوجد قانون يمنع المصارف من فتح الحسابات. وكاستثناء، تعترف الوزارة بالعقوبات الأميركية المفروضة على بعض النواب، كسبب قاهر يمنع فتح الحسابات الانتخابية. وما عدا ذلك، فهو مباح، وإن إسمياً.

تشويه النشاط المصرفي

إقفال باب الحسابات الانتخابية أمام مرشحين وفتحه أمام آخرين، يعني المساهمة بدعم طرف ضد آخر، والمساهمة في عدم مراقبة الإنفاق الانتخابي.

لكن بعيداً من مسألة الدعم الشخصي، يبقى للامتناع عن فتح الحسابات تداعيات اقتصادية لا يمكن تجاهلها. "فالنشاط الأساسي للمصارف يبدأ من الودائع"، ورفض فتح الحسابات الانتخابية، يعني رفض استقبال ودائع، وتالياً، رفضٌ لـ"القيام بالنشاط الطبيعي للقطاع المصرفي الذي يندرج ضمنه استقبال الودائع والتسليف منها"، وفق ما تقوله لـ"المدن"، أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي، سابين الكيك.

واستقبال الودائع يثبت أن المصارف هي الممر النقدي للأعمال الاقتصادية في أي بلد. والمصارف اللبنانية تعاند حالياً "التركيبة المصرفية العالمية التي تكرّس المصارف كقنوات رسمية للتداول بالنقد، وبهذا فهي تُخرِج لبنان من النظام العالمي"، وتؤكّد بالتوازي أنها "مصارف متعثّرة".

وتستند الكيك في تبنّيها هذا التوصيف، إلى "المفهوم الدولي للتعثّر، والذي تعبّر عنه لجنة بازل وصندوق النقد الدولي وغيرهما. فالمصارف المتعثرة ليست فقط العاجزة عن تسديد أموال مودعيها، وإنما العاجزة عن متابعة عملها المعتاد". وإن كان التعثّر هو حالة نقص السيولة وعدم القدرة على الدفع، إلا أن القدرة على الاستمرارية في ممارسة النشاط الفعلي، تبقى الحدّ الفاصل بين التسوية والتصفية. والمصارف عاجزة اليوم عن متابعة نشاطها، وهو ما يثبته رفضها فتح حسابات وتلبية حاجات عملائها.

وبإجرائها هذا، "تساهم المصارف في تعزيز اقتصاد "الكاش" الذي يعزز بدوره مسرح التجاوزات المالية لأنه يكون خارج القنوات الرسمية المضبوطة. كما يُبعِد المصارف عن دورها في الاقتصاد، فالأزمة المصرفية ليست محصورة بالمودعين وإنما تطال تعطيل وخنق مفاصل الحياة الطبيعية، ومنها إجراء الانتخابات وضمان نزاهتها وضبط الانفاق الانتخابي".

ورغم إيعاز مصرف لبنان للمصارف بفتح الحسابات المذكورة، إلا أن الاستجابة ما زالت خجولة. على أنَّ مَن لم يلتزم بالقانون، لن يعيقه قرارٌ أو تعميم أقل شأناً من القانون.

تعليقات: