لبنان يتجه نحو الانهيار والافلاس الشاملين (دالاتي ونهرا)
في خضم انهماك الحكومة بإنجاز الموازنة، واستعداد القوى السياسية لخوض الانتخابات النيابية، يسيطر غموض على المشهد السياسي اللبناني. والموازنة والسعي لإقرارها ليسا طريق الخلاص الاقتصادي، ولا حتى وصفها بالقاسية جداً يبديها كافية قياساً إلى شروط صندوق النقد الدولي. أما الانتخابات النيابية التي قد تشكل باب الخروج من الأزمات السياسية المتوالية، فلا تبدو بدورها تعني الشيء الكثير لعلاج هذه الأزمة المصيرية غير المسبوقة في تاريخ لبنان. وهذا ما تعرفه معظم الشخصيات السياسية، التي تعتبر أن البلد على مفترق تحول كبير في الداخل، ليس سوى انعكاس لتحول كبير في الخارج.
عود على بدء
وإذا كان هدف الموازنة تسهيل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، كحال تدخل مصرف لبنان الموقت لتهدئة سعر صرف الدولار، والحد من انهيار الليرة اللبنانية، فإن هذا كله لا ينطوي على خطة مالية أو اقتصادية واضحة. بل هو استنزاف لما تبقى من احتياطي في المصرف المركزي. وتؤكد معلومات أن حاكم المركزي رفع الصوت قبل أيام، قائلاً إنه لم يعد قادراً على التدخل، وسيضطر إلى المس بالاحتياطي أكثر فأكثر، فورده ضوء أخضر بضرورة الاستمرار على هذه الحال.
وتنطوي هذه الإشارة على أن كل من هو في السلطة الآن، يسعى إلى تمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، ولو على حساب الاحتياطي الإلزامي، حتى لو كان المصير هو إعلان الإفلاس الشامل في ما بعد. وهذه كانت حال السياسات المالية والنقدية القديمة: رهان على الصرف والتبذير بلا إجراءات تحد منهما، بناءً على الرهان على مقولة مسلّم بها: لن يسمح العالم بسقوط لبنان وانهياره. والرهان اليوم على متغيرات إقليمية ودولية تفضي إلى انتعاش اقتصادي.
ثنائي السلطة والمعارضة
تدحض الوقائع هذه المسلمات، فيما القوى السياسية مستمرة وفق الآلية نفسها. والجميع على قناعة بأن لبنان يتجه نحو الانهيار والافلاس الشاملين، وأن تأخير الإعلان عن ذلك هدفه التخفيف من حدة الارتطام بمسكنات لم تعد مجدية.
وما جرى في جلسة إقرار الموازنة مؤخراً خير دليل على ذلك: اعتراض وزراء الثنائي الشيعي على الموازنة التي أعدها وزير المال المحسوب على أحدهما. وهذا أسلوب أصبح بلا نتيجة شعبية. فلم يعد يمكن لطرف أن يؤدي دور السلطة والمعارضة في آن واحد، إلا في سياق الحسابات الضيقة شعبياً وسياسياً، ومن دون أي مردود اقتصادي أو أثر مالي.
رهان على ما بعد الإفلاس
وتستمر القوى السياسية على نهجها، محاولة السيطرة على مقدرات أو مراكز قوى وقرار في الدولة. فتصر على التعيينات، أو تتصارع على الحصص، سواء في خلافاتها على التعيينات الأمنية، أو على حاكم مصرف لبنان الذي يصر رئيس الجمهورية على ملاحقته قضائياً وتعيين بديل منه. وهذا يأتي في سياق الاستثمار في الانتخابات النيابية. وهي انتخابات تعلم القوى السياسية أنها لن تؤدي إلى تغيير كبير في المعطيات السياسية أو التوازنات، بلا اتفاق إقليمي- دولي شامل يرعى حلّ الأزمة اللبنانية على وقع حلّ المعضلات الإقليمية العالقة.
لذا، لا يمكن الرهان على إقرار موازنة بمثل هذه الإجراءات، فيما القوى السياسية مقبلة على خوض انتخابات نيابية. ولا يمكن إنجاز ترسيم الحدود، قبل رسم معالم موازين القوى الإقليمية والاتفاق على مناطق النفوذ. وهذا ينطبق على عدم تنازل القوى السياسية عن أي مطلب من مطالبها في التعيينات، على الرغم من الإفلاس والانهيار.
فالجميع يراهن على البقاء في وضعه وموقعه، مقتنعاً بأن السلطة سيعاد تركيبها بعد الإفلاس، على المنوال نفسه. لذا، تحاول كل قوة سياسية الاحتفاظ بمراكز القوة داخل البنية العميقة للدولة.
تأجيل الانتخابات
والخلافات المصطنعة حول الموازنة والتعيينات والانتخابات، قد تطيح الاستحقاق الانتخابي بذريعة مالية، وإما بذريعة السعي لإقرار الموازنة والتي لا يمكن إقرارها في ظل إجراء الانتخابات. وهذا إضافة إلى الخلافات السياسية حول السعي إلى تحديد نتائج الانتخابات مسبقاً.
وأبرز الخلافات هو انتخاب المغتربين. فهل يعدل قانون الانتخابات لاعتماد الدائرة 16 في الخارج؟ وهل يحتم هذا تأجيل الانتخابات تقنياً، حتى إنجاز التحضيرات اللازمة؟ وفي الكواليس السياسية نقاش محتدم حول احتمال تأجيل الانتخابات. وهناك نواب كثيرون بدأوا يعلنون استعدادهم للتنطح وتقديم اقتراح قانون التأجيل وتدعيمه بالمسوغات اللازمة.
تعليقات: