قصة أسامة وروزانا... 28 عاماً من الحب في مواجهة العنصرية والتمييز

الزوجان أسامة وروزانا
الزوجان أسامة وروزانا


قصّة حبّ جمعت بين فتاة لبنانية وشاب سودانيّ؛ قصّة لم تكن كغيرها من القصص، إذ إنّ أحداثها تحصل في بلد يُعاني بعض أبنائه من التمييز ضد "الغريب"، ومن العنصريّة ضدّ "لون البشرة السوداء". ففي هذا البلد، يُنظر إلى كلّ مصريّ الجنسيّة على أنه عامل في محطة وقود، وإلى كلّ سيّدة أثيوبية على أنها عاملة منزليّة، وإلى كلّ سوداني على أنّه عامل كناطور في أحد المباني؛ لذا، فإن فكرة ارتباطٍ من هذا النوع كان من الطبيعي أن تُواجَه بالكثير من الانتقادات وصولاً إلى حدّ التجريح والتنمّر.


قصة حبّ أقوى من العنصرية

في أوائل التسعينيّات، قدم لاعب كرة القدم السوداني أسامة الصقر إلى لبنان للانضمام إلى نادي البرج الرياضي، وبعد انخراطه في صفوف الفريق بنى الشاب الثلاثينيّ آنذاك علاقات اجتماعية مع عدد من اللاعبين والمشجّعين، فكان أحد هؤلاء شقيق روزانا حرب، التي ستخوض إلى جانب أسامة قصة حب من نوع غير اعتياديّ في المجتمع اللبناني. لكنية الصقر قصّة، إذ إن اسمه هو أسامة فرج الله، إلا أنّ الصحافي حسن حركة أطلق عليه كنية الصقر لأنه كان يلعب مع نادي الثغر السودانيّ، ووجد في كلمة الصقر أكثر سلاسة في الثغر، وهكذا تحوّل اسمه.

قصّة الحبّ كانت قصيرة نوعاً ماـ فسرعان ما توجّه الصّقر إلى عائلة روزانا للارتباط رسمياً. وفي تلك المرحلة كان الأهل في نقطة وسطيّة؛ تقول روزانا: "لم يكونوا معارضين، لكنّهم كذلك لم يكونوا مؤيّدين"، فقاموا بشرح أبعاد هذا الارتباط لروزانا، التي لم تتجاوز آنذاك الـ19 عاماً، سواء في ما يتعلّق بمواجهتها لمجتمع مختلف وتقاليد مُغايرة، في حال قرّر الزوج الانتقال للسكن في السودان، أو التحذير من لون البشرة، إذ إن "لون بشرة أولادك سيكون مختلفاً عن لون باقي الأولاد اللبنانيين"، فكان قرار روزانا حاسماً، "سأخوض هذه التجربة وستكون ناجحة".


مصطلحات تجرح الشعور

المحيط الأكبر، من العائلة والأقارب إلى الجيران، لم يكونوا من مؤيدي هذا الارتباط، فعمدت العمّات والخالات إلى "الاتيان بعرسان علّني أُغيّر رأيّ"، إلا أن "خياري كان واضحاً، ولم تفارقني عبارة أمي "إذا إنتوا شايفينوا أسود اللون، فنحن شايفين قلبه الأبيض". واجهت روزانا الكثير من مواقف التمييز والعنصرية؛ فإلى جانب جنسية الصقر السودانية، ثمّة فارق في العمر بين الطرفين يبلغ 13 عاماً، لذا "اتّهمني البعض بأنني أرتبط به نظراً لوضعه المادي الجيّد، ولكنني كنت أطمح للارتباط بإنسان على خُلق، وهذا ما حصل".

تجزم روزانا بأن بعض المصطلحات التي يطلقها الناس تجرح الشعور، فقد قال لها أحد الأشخاص يوماً "شو انقطعوا الرجال؟". في البداية، لم تكن روزانا تهتمّ لهذا التمييز العنصريّ فتكتفي بالصمت، إلا أن تطوّر تجربتها الحياتية بات يدفعها إلى الرّد على هؤلاء بكلّ جرأة وتحدٍّ.


حالة من الرفض المجتمعيّ

زارت روزانا السودان 4 مرات، كان أوّلها خلال حرب تموز 2006، ولم تكن تجربتها في السودان صعبة حيث كان تقبّل المجتمع لها إيجابياً، وكان الاندماج سهلاً جداً. وبالرغم من التقاليد والعادات المختلفة كان التأقلم مع هذا المجتمع "الطيّب والمسالم" يسيراً.

ترى روزانا أن فكرة الارتباط بين فتاة لبنانية وشاب سوادنيّ لم تعد مُستغربة في المجتمع اللبناني، وقد يكون ذلك مرتبط بالتطوّر التكنولوجيّ والانفتاح الذي واكبه، لكنّه بالرغم من ذلك ثمة حالة من الرفض العام لهذا النوع من الارتباط، وذلك يشمل ارتباط شاب لبنانيّ بفتاة أفريقية، إذ إن "الرفض نابع من رفضهم للون البشرة". وبالرغم من الصورة النمطيّة التي تربط "السوداني بالعمل كناطور" لم يواجه الصقر هذه المشكلة لكونه كان معروفاً كلاعب ومدرّب كرة قدم، لذا لا يتعرّض لمواقف كهذه إلا في مناطق قد لا يكون معروفاً فيها.

كذلك، ثمة مشكلة أخرى تُعاني منها أسرة الصّقر متعلّقة بالقوانين اللبنانية التي تمنع على المرأة المتزوجة من غير لبنانيّ منح الجنسيّة لأولادها، ممّا يضطرّها إلى تجديد الإقامة كلّ ثلاث سنوات لبناتها الثلاث: سارة ولارا وهبة "اللواتي ولدن وتعلّمن في لبنان"، فضلاً عن انعكاس عدم امتلاك الجنسيّة اللبنانية على فرص العمل التي تتضاءل كثيراً.


نصف طفولتي كانت مليئة بالمواقف العنصرية

تشرح هبة ذات الـ19 عاماً، وهي طالبة في اختصاص الترجمة، العوائق التي تحول دون قدرتها على أن تُصبح "مترجمة مُحلّفة" بسبب القوانين، فتؤكّد أن ذلك ما "يمنعني من أن أصبح مستقلّة في عملي"؛ وهو ما دفع هبة إلى تغيير طموحها باتجاه "العمل في وزارة الخارجية السودانية". ولتحقيقه، ستبدأ أولى خطوتها بدراسة اختصاص آخر وهو العلوم السياسيّة.

المواقف العنصرية والتمييزية التي تعرّضت لها هبة كثيرة، "فنصف طفولتي كانت في هذا المنحى". وتلفت هبة إلى أن وقوع أيّ خلاف مع أصدقائها السابقين "كان يدفعهم للإشارة إلى جنسية والدي ولونه المختلف"، لكنها تُفاخر بأنها تمكّنت من تخطّي هذه المواقف بكلّ صلابة.


ضحايا التنمّر

تجربة هبة لا تختلف كثيراً عن تجربة شقيقتها الكبرى سارة سوى بالعوائق التي سببها التمييز العنصريّ لارتباطها بزوجها. فبالرغم من قصّة الحبّ التي عاشها الثنائي منذ أيّام الدراسة الجامعيّة لم تتقبّل عائلته هذا الارتباط بسبب اللون، بل تعرّض الزوج للكثير من الانتقادات والتخوين على قاعدة أن الأبناء سيكونون مختلفين عن محيطهم، وسيشبهون والدتهم. وهذا التمييز ما زال قائماً، "وهو ما يجعلني حذرة من الاختلاط بهم"، بحسب سارة.

تصف سارة نفسها بأنها "إحدى ضحايا التنمّر في المدرسة والمجتمع"، فضلاً عن المعاناة اليومية غير المقصودة، "فكانوا أبناء خالاتي يضعون أيديهم إلى جانب يدي لكي يُلاحظوا الفرق". وقد تقدّمت سارة وزوجها للحصول على الجنسية اللبنانية إلا أنها رُفضت من الجهات الرسمية باعتبار أنّ الزواج هو "زواج مصلحة". لكن الزوجين سيقومون بالتقدّم مرّة أخرى إلى السلطات المختصّة.

قصة أسامة وروزانا وأولادهما ليست الوحيدة التي يمتزج فيها الحب بالتمييز والعنصرية، بالرغم من تقبّل الأهل لهذا الارتباط، فيما المجتمع الذي لم يعتد على ارتباط الفتاة اللبنانية بالشاب الأفريقي لم يكن منفتحاً على هذه الخطوة، فوقعت روزانا وبناتها بين مطرقة هذا الرفض وسندان القوانين اللبنانية غير المنصفة للمرأة، وبات التحدي أكبر وأصعب.

لكن الحب تمكن من الاستمرار والتغلّب على كل هذه العوائق، وأثبت أن لغة القلب والإنسانية لا تعرف اللون أو الجنسية.


تعليقات: