تصفية مصارف الزومبي: الطريق الوحيد لاستعادة الودائع

سرقة مدخرات شعب كامل هي جريمة ضد الإنسانية (مصطفى جمال الدين)
سرقة مدخرات شعب كامل هي جريمة ضد الإنسانية (مصطفى جمال الدين)


يتوقع أحد مؤسسي القطاع المصرفي اللبناني، أن تستكمل بعض المصارف انقلابها الخجول على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بانقلاب صاخب على حاكم مصرف لبنان، وركوب موجة التضحية به على مذبح مصالح حلف المافيا والميليشيا. ويقدم نصيحة للحاكم أن "يحمي نفسه"، بالمبادرة إلى تنفيذ القانون رقم 1967/2 وتعديلاته المتعلق بتوقف المصارف عن الدفع، وصولاُ إلى تصفية بعضها. وأن يستتبع ذلك بوضع نفسه والمعلومات والملفات التي بحوزته، بتصرف القضاء اللبناني والدولي، وليثبت أنه مجرد شاهد ومسهل و"مهندس"، وليس مشاركاً في أكبر سرقة في العصر الحديث.

صدمة الصندوق

ويشرح توقعاته ونصائحه المثيرة للجدل بقوله: "إن المصارف وجمعيتها صُدمت بموقف صندوق النقد الدولي المعروف بوصفته التقليدية التي تحمل الناس أعباء الإصلاح، حين رفض خطة تحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسائر وتذويب الودائع من خلال بدعة "الليلرة". واعتبر إن هذه الخطة تتناقض مع معايير توزيع الخسائر وأفضلية التسديد المعتمدة في الصندوق وفي القوانين اللبنانية. وتنص هذه المعايير على ان توزيع الخسائر يبدأ بمساهمي المصارف أولاً ثم مصرف لبنان والدولة وأخيراً المودعين.

وعليه، يكشف المصرفي العتيق في حديث مع بعض أصدقائه وإعلاميين: إن تحالف المليشيا والمافيا يتداول حالياً بتحرك على خطين. الأول، تعطيل خطط الإصلاح والتعافي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لأنها ستكون بالتأكيد على حساب المصارف وحاكمهم. والثاني، التضحية برياض سلامة وتقديمه كالمسؤول الأول والأخير عن الأزمة، ما يساهم بتخفيف الضغط على المصارف وعلى السياسيين، ويوفر مزيداً من الوقت لاستكمال تناهب ما تبقى من الاحتياطي الإلزامي وأموال حقوق السحب الخاصة وأرباح الميدل إيست، وما يتأتى من أموال الضرائب والرسوم.

إكرام الميت دفنه

ونسأل مضيفنا ما الحل إذن؟ ويجيب من دون أي تردد: "إكرام الميت دفنه". فعدد كبير من المصارف اللبنانية هي بحكم المتوقفة عن الدفع عملياً، والمطلوب أن تتم قوننة هذا التوقف من خلال تطبيق القانون رقم 2/67، الذي يتضمن معايير وشروطاً واضحة لإصدار المحاكم قرارات التوقف عن الدفع، وكف أيدي مجالس الإدارة، وتكليف مصرف لبنان ولجان متخصصة بإدارة المصرف المتوقف بهدف تعويمه وليس إفلاسه. فالقانون وُضع أصلاً بعد أزمة بنك أنترا لحماية المصارف من الإفلاس. وهذه حقيقة يجب أن يعرفها المودعون كما يجب ان يقتنعوا بحقيقة دامغة، وهي أن الدولة ومصرف لبنان والمصارف عموماً ليست مفلسة، وودائع الناس لم تتبخر كما يروجون. ولكن أصحاب المصارف وحاكمهم ومشغيلهم من كبار السياسيين، هم المفلسون الذي نجحوا حتى الآن بتحميل الجزء الأكبر من "تفليستهم" السياسية والمهنية والأخلاقية للمودعين. ويذهب بعيداً بالتأكيد على أن لبنان قادر على النهوض وتجاوز الأزمة واستعادة مسار النمو، حتى من دون "تبرعات" صندوق النقد الدولي، ولكن بشرط إزالة هذه الطبقة السياسية، ومعها عدة شغلها من حاكم مصرف لبنان والمصرفيين والمحتكرين الطفيليين، الذين شوهوا القطاع الخاص اللبناني العريق.

كسر الحلقة الأضعف

ونسأل كيف يمكن تحقيق ذلك، فيجيب: لما كانت الطبقة السياسية وحاكم مصرف لبنان وأصحاب المصارف وكبار التجار يشكلون سلسلة متماسكة، فالحل يكمن في ضرب الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، وهي أصحاب المصارف والمحتكرين. والطريقة الأسلم لذلك هي تطبيق القوانين وتحديداً القانون رقم 2/67. ويدعو محدثنا المودعين ونقابات المحامين والمهن الحرة المُصادَرة ودائع نقاباتهم لتنظيم حملة شاملة لرفع آلاف الدعاوى على المصارف، كما يدعو "المناضلين" من المتمولين والتغييريين، وخصوصاً المرشحين للانتخابات منهم، لتمويل هذه الحملة. ولكنه يلفت ان هذه المهمة لن تكون سهلة في ظل تسلط الطبقة السياسية على القضاء، وقدرتها على تعطيل إصدار الأحكام أو وقفها وتغييرها في مرحلتي الاستئناف والتمييز. ولكن أي حكم يصدر عن قاض نزيه، وهم كثر، باعتبار أي مصرف متوقفاً عن الدفع يشكل ثغرة مهمة في جدار منظومة "مصرفيي الغفلة وسياسيي الصدفة"، ويؤدي إلى انهيارات متتالية في هذه المنظومة.

ويلفت إلى أن التداخل والترابط بين هذا القانون وتعديلاته وبين قانون التجارة، يفتح مجالات واسعة لتحقيق هدف إثبات توقف عن الدفع. وهنا يأتي دور المحامين في تحديد هذه المجالات، وكذلك في تحديد أنواع الدعاوى والمتهمين والمراجع المختصة، فلا تقتصر الدعاوى على استعادة الودائع فقط. ومن الدعاوى الموجعة في هذا المجال، تلك التي يرفعها المودعون اللبنانيون المقيمون في الخارج في دول إقامتهم.

ويذهب مضيفنا إلى القول أن وجود آلاف الدعاوى القضائية ومئات الأحكام الابتدائية محلياً وخارجياً، قد يسهم في إيصال قضية المودعين إلى المحكمة الجنائية الدولية، رغم عدم توقيع لبنان على اتفاقية إنشائها، باعتبار أن سرقة مدخرات شعب كامل هي جريمة ضد الإنسانية. وهناك محاولات جدية ومراسلات يقوم بها عدد من المحامين اللبنانيين لعرض قضية المودعين على المحكمة، وعلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

تصفية المصارف تعيد الودائع

ويشدد مضيفنا على ضرورة أن لا يصدق المودعون أن توقف المصرف عن الدفع او حتى تصفيته يعني ضياع الودائع كما يروج أصحاب المصارف وجوقة الخبراء والمحللين التابعة لهم. بل العكس هو الصحيح. فالتوقف عن الدفع وتصفية بعض المصارف ودمج بعضها الآخر، وصولاً إلى إعادة هيكلة شاملة لقطاع المصرفي، هو السبيل المؤكد لاستعادة الودائع ولو بعد حين. وهناك بعض الحقائق القانونية التي يجدر بكل مودع ان يعرفها، وأهمها:

1- لا يهدف قرار التوقف عن الدفع إلى تصفية المصارف، بل إلى مساعدتها على تجاوز تعثرها، والأهم تحميل أعضاء مجالس الإدارة والمديرين وغيرهم المسؤولية المدنية والجزائية، فينص القانون على صدور "حكم معجل التنفيذ" بكف يد أعضاء مجلس الإدارة والمديرين، واستبدالهم بلجنة لإدارة المصرف مع السماح لها بالاستلاف من مصرف لبنان وزيادة رأس المال الخ... لإعادة تعويم المصرف.

2- تطال المسؤولية الثروات الشخصية للمسؤولين، فينص القانون على "أن جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لأعضاء مجلس الإدارة والمديرين وسائر المسؤولين تعتبر محجوزة منذ صدور حكم التوقف عن الدفع. كما ينص على أن تبقى نافذة جميع الأحكام المتعلقة بمسؤوليتهم المدنية والجزائية، بتاريخ التوقف عن الدفع وخلال الـ 18 شهراً السابقة.

3- في حال قررت لجنة الإدارة استحالة عودة المصرف للعمل، يتم تشكيل لجنة للتصفية مع إمكانية انشاء بنك جديد ليحل محل البنك القديم، يكون مملوكاً من قبل أصحاب الديون والمودعين، ويصنفون كمساهمين فئة أولى، ويصنف أصحاب الأسهم في المصرف القديم فئة ثانية، وتقتصر حصتهم على ما يفيض عن حقوق مساهمي الفئة الأولى.

ويختم محدثنا حديثه بالتأكيد على أن مصارف لبنان تأسست ونمت بعقول وبأيادي رجال كبار تميزوا بالإبداع والمثابرة والاستقامة. ويدعو هذا النوع من رجال المصارف والمساهمين، وهم كثر برأيه، ليبادروا إلى إعادة هيكلة ودمج مصارفهم، وليقودوا هم الانقلاب على تلك الفئة من المصرفيين الأدعياء والطفيليين والورثة غير المستحقين، ومن ثم على حاكم مصرف لبنان. وليكن الهدف إعادة بناء مصارف تكتسب ثقة المودعين وتعيد ودائعهم بدلاً من "مصارف الزومبي" التي تقتات على دماء المودعين وأموالهم. وليثبتوا أن المصارف ليست مفلسة، بل أصحابها وإداراتها هم المفلسون، وأن لبنان ليس مفلساً بل زعماؤه وأحزابه هم المفلسون.

تعليقات: