كهرباء زحلة إلى مصير مجهول.. ونوّاب المدينة يستغلونها انتخابياً

ما يتخوف منه الزحليون هو أن يوضعوا مجدداً تحت ابتزاز المهل الضاغطة (الأرشيف)
ما يتخوف منه الزحليون هو أن يوضعوا مجدداً تحت ابتزاز المهل الضاغطة (الأرشيف)


يفرح ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي في زحلة بمقتطف من استطلاع رأي أجرته إحدى المواقع الإلكترونية حول ما قاله الرئيس نجيب ميقاتي "عن عدم استطاعة الدولة بعد الآن تأمين الكهرباء ببلاش"، حين يجيبه أحدهم بالسؤال "ليه في كهربا يا أخو ال..."، ليعتذر لاحقاً عن تعبيره "الزحلاوي"، إكراماً لمحدثه وليس لميقاتي كما قال.

لم يسبق لأهالي زحلة أن عاشوا هذا "القهر" الذي يلاحق اللبنانيين جراء أزمة الكهرباء المزمنة في البلد. فحتى أشهر قليلة، كانوا ينعمون بخدمة 24 على 24، وبكلفة "مقبولة" لدى معظم من يستفيدون من خدمة شركة كهرباء زحلة "الخاصة". إلا أن حال الزحليين مع شركتهم التي حاربوا كي يحافظوا على إدارتها الحالية، انقلب منذ أشهر. ليس فقط لأن "تراجع تغذية مؤسسة كهرباء لبنان للشركة" حدَّ من خدمتها المتواصلة، وإنما أيضاً بسبب فواتير الكهرباء التي لم تعد محتملة. فهذه الفواتير تحتسب كلفة الخدمة في ساعات التقنين وفقاً لتسعيرة وزارة الطاقة المحددة للمولدات الخاصة، ما يجعل سعر كيلوواط التغذية من "مولدات الشركة الخاصة" يوازي تقريباً السعر الذي تفرضه مولدات الأحياء.


تراجع حماسة الزحليين

وعليه "لعلعت" فواتير الكهرباء في زحلة ونطاق عمل شركتها، وبات شغل المستفيدين من الخدمة البحث عن وسائل تقنين استخدام الكهرباء، وصارت كل رسالة هاتفية تردهم من "شركتهم" للحث على مزيد من التقنين، مبعث "شؤم" يدفعهم إلى توقع "سلخ الجلد" عند جباية فواتير نهاية الشهر.

هذا الواقع قلل من حماسة الزحليين لإدارة الشركة التي لطالما تغنوا بتميزها في الخدمة "المهنية" وسرعة إصلاح الأعطال. وحتى لو أقروا بعدم تراجع جودتها نتيجة لثقل الأزمة الاقتصادية الضاغطة على جميع القطاعات، إلا أنها لم تعد توازي انسلاخ الزحليين عن "جنتهم الكهربائية".

يأتي تراجع هذه الحماسة لدى الزحليين بالتزامن مع دخول العقد المتجدد مع إدارة شركة كهرباء زحلة لتسيير القطاع في نطاق عملها بعامه الأخير، بعد أن تم تجديد هذا العقد بقانون صادر عن مجلس النواب لسنتين إضافيتين بنهاية العام 2020.


عقد غير مغرٍ

كان يفترض خلال ولايتين منحتا للإدارة الحالية كي تستمر بتشغيل القطاع، أن تنصرف الإدارات المعنية لوضع دفتر شروط يسمح بإجراء مناقصات شفافة وعلنية، تسمح بتلزيمات أكثر استقراراً لهذا القطاع. فعقد السنتين لا يشكل عرضاً مغر لأي مستثمر، فيما الإدارة الحالية لشركة كهرباء زحلة تبرر عدم لجوئها إلى الحلول المستدامة للكهرباء في نطاقها، بقصر المهلة الممنوحة لإجراء استثمارات طويلة الأمد.

هذا الواقع جعل الشركة تعمل بمنطق "مولد الحيَ"، إنما على مستوى احتكار خدمة واسعة النطاق. ما وضع آلاف الوحدات السكنية تحت رحمة صفيحة المازوت، سواء بسبب فقدانها من السوق أو بسبب ارتفاع سعرها الفاحش. فارتفعت بالتالي فواتير الكهرباء تدريجياً حتى وصلت إلى ملايين الليرات التي تنفقها المنازل والمؤسسات. ما أوقع الكثيرين بعجز في ميزانيات منازلهم، أو حتى بتسديد هذه الفواتير، ومن بينها مؤسسات عامة لم تتمكن من تسديد الفواتير، كمؤسسة مياه البقاع التي لجأت شركة الكهرباء إلى قطع التيار عن دوائرها الإدارية منذ أشهر.

في الأثناء عاد الحديث عن "عقد" شركة كهرباء زحلة إلى الواجهة، إنما مع جدل غير مسبوق حول ما إذا كان الزحليون لا يزالون مؤيدين للإدارة الحالية للشركة، بعد أن وسع وجع الفواتير مروحة الانتقادات لها.


سباق النواب

وقد أشعل فتيل هذا الجدل نائبا زحلة الكاثوليكيين جورج عقيص وميشال ضاهر.

فأصدر عقيص بياناً طالب "وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان باتخاذ جميع الإجراءات الآيلة إلى إعداد دفتر شروط المناقصة العامة لتقديم خدمات إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية في زحلة، وإلا المباشرة باتخاذ الإجراءات الرامية إلى تحويل الطاقة في منطقتنا نحو الطاقة البديلة لا سيما الشمسية منها، ووضع النصوص واتخاذ القرارات اللازمة لهذه الغاية. لكي لا نصل إلى نهاية مدة العقد الممنوح لشركة كهرباء زحلة من دون أن نكون قد أمّنا البديل المناسب".

واعتبر عقيص أن "لبنان قد دخل في فترة انتخابات حتى أواخر شهر أيار 2022، وبالتالي فإن الوقت الفعلي المتبقّي لانتهاء العقد التشغيلي ستة أشهر على الأكثر من حزيران 2022 حتى آخر كانون الأول 2022."

وحذر بالتالي من أن زحلة مهددة بالعتمة الشاملة في غضون أشهر قليلة لأن "الوقت بدأ ينفد من دون أن تبادر مؤسسة كهرباء لبنان إلى اطلاق دفتر الشروط، ومن دون أن يعيّن مجلس الوزراء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء صاحبة الاختصاص بمنح التراخيص".

فيما عقد النائب ميشال ضاهر مؤتمراً صحافياً تحدث فيه عن لقاء جمعه بمدير عام كهرباء زحلة، قضى بالتوافق على طرح له بإنشاء محطة مركزية لانتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية في "بلدته" الفرزل بقدرة 122 كيلوواط، ليكون معدل إنتاج هذه المحطة 18000 كيلوواط شهرياً ستستفيد منها حوالى 180 عائلة، بمعدّل 100 كيلوواط لكل عائلة، على أن تُحسم من فواتير شركة كهرباء زحلة كل شهر ولمدى ثلاثين عاماً. وأعلن ضاهر "أن التجربة الأولى لهذا المشروع ستبدأ فورًا، بعدما اتفقنا مع شركة كهرباء زحلة على أن تكون جاهزة للإنتاج في نيسان المقبل". وإذا نجحت التجربة، دعا ضاهر إلى تعميمها على زحلة وباقي بلدات القضاء.

ضاهر الذي طالب بلامركزية الإنتاج على مستوى كل لبنان، قال أيضاً إنه سيعيد تقديم اقتراح القانون الذي تقدم به لدى انتهاء عقد الشركة الأول في سنة 2020 لتمديد العقد التشغيلي لكهرباء زحلة "حتى انتفاء الحاجة" مع توسيع نطاق الشركة لتضمّ باقي بلدات القضاء.

ما يؤخذ على مقاربة نائبي زحلة الكاثوليكيين لمشكلة الزحليين مع الكهرباء وفواتيرها المرتفعة ومواعيدها المستحقة، أنه حراك جاء على أبواب انتخابات نيابية تشكل فرصة لإستغلال وجع الناس في تحقيق المكاسب الانتخابية. وعليه، حتى لو أصر المعنيان أنهما بعيدان عن نوايا استثمار طروحاتهما انتخابياً، من الصعب إقناع الناس بغير ذلك.


التلزيمات الشفافة

أما المطلوب، برأي مطّلعين على الملف، بدلاً من التوجه إلى "الشعبوية" في تقديم الطروحات، هو التوجه عملياً لإلزام الدولة بما اتخذته من قرارات. وأولها قرار إجراء المناقصات والتلزيمات الشفافة لقطاع توفير الكهرباء في هذه المنطقة، بدلا من الاستمرار في "نعي" الدولة، التي يسلم الجميع بـ"انهيارها" ولكنهم مع ذلك يرفضون تناتش "جيفتها".

فما تفتقده زحلة بالنسبة لملف نعمت بامتياز وتميّز فيه لسنوات استمرت منذ بداية القرن العشرين، هو الاستقرار الاستثماري الذي يؤمن لها تحسين الخدمة والتقليل من كلفة الفواتير. هذا الأمر يؤكد عليه رئيس بلدية زحلة اسعد زغيب، الذي يصر على أن الضغط على الدولة لتضع دفتر شروط، يسمح بإجراء مناقصات تعيد تلزيم القطاع، على أسس تؤمن الاستدامة، أمر لا يجب أن يتوقف من قبل نواب زحلة وكل المعنيين فيها، مع تسليمه بحق الإدارة الحالية في أن تفوز بهذه المناقصة مجدداً، إذا ما قدمت العرض الأفضل.


وإلا فإن ما يتخوف منه الزحليون هو أن يوضعوا مجدداً تحت ابتزاز المهل الضاغطة، التي ستجبرهم بأن يقبلوا بالسيء خوفاً من الأسوأ.

والأسوأ الذي يتفق عليه الجميع هو أن تستعيد الدولة هذا القطاع. مع تسليمهم بأن الإدارة الجيدة لا بل الممتازة من قبل شركة كهرباء زحلة، لا تعفيها من مسؤولية الشفافية في تحديد أرقام فواتيرها. وهي مسؤولية تضع الشركة تحت مساءلة دائمة لكيفية احتسابها، وهذا من شأنه أن يزيد الشرخ بينها وبين مكلفي الشركة، التي عن حق أو عن غير حق، لا يبدو أنها ما زالت تتنعم بإجماع الزحليين السابق حولها.

تعليقات: