الكهرباء الأردنية والغاز المصري: مفاجآت آذار الوهمية والأنابيب الإسرائيلية

العتمة ستستمر (علي علّوش)
العتمة ستستمر (علي علّوش)


بالأمس قال وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة أن الأردن "سيصدّر الكهرباء إلى لبنان في آذار". عبارة رنّانة أريد منها أن تكون مفاجأة سارة، تحدد نقطة بداية وصول الكهرباء الأردنية، وبالتالي، زيادة ساعات التغذية في لبنان. يستتبع الخرابشة كلامه بجملة "بعد الانتهاء من اتفاق تمويل مع البنك الدولي". وهذه الجملة تفتح مجال الانتظار نحو المجهول، لتعكس بشكل غير مباشر، احتمال عدم زيادة ساعات التغذية، على الأقل في شهر آذار. إلا إن كان الخرابشة يحمل تأكيداً رسمياً من البنك الدولي بتمويل المشروع.


شروط البنك الدولي

يتعامل المعنيون بملف الكهرباء في لبنان والأردن وسوريا، على أن قرار إنجاح مشروع استجرار الكهرباء، هو قرار داخلي صرف، بمعزل عن المعطيات الإقليمية والدولية. وكأن المسألة تسير بشكل تلقائي بعد إنجاز الخطوات الإدارية الروتينية. لكنّهم يتجاهلون عن قصد، حقيقة أن القرار مرتبط بشقّ التمويل الآتي من البنك الدولي، والمشروط بثلاثية أساسية وهي إجراء الإصلاحات في قطاع الكهرباء، وعلى رأسها تحسين شروط الجباية ووقف التعدّي على الشبكات في المناطق، بالإضافة إلى تعيين الهيئة الناظمة لكهرباء لبنان. وثلاثية الإصلاحات هذه، قادرة على زيادة الثقة الداخلية والخارجية بلبنان. فهي تشجّع استثمارات القطاع الخاص وتمويل استجرار الكهرباء الأردنية.

وبما أن التمويل هو بفعل قرض، فإن لبنان عليه تطبيق شروط البنك الدولي التي بدورها تنطلق من رفع التعرفة لضمان تسديد القرض. ورفع التعرفة لن يقوم بلا الإصلاحات الأساسية. وبذلك، نعود إلى المربّع الأول.


محاولات داخلية

لا تنسجم التدابير الداخلية مع نية الحكومة الحصول على موافقة البنك الدولي لتمويل مشروع استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. فالإجراءات المتّخذة لا توحي بالثقة. أما رفع تعرفة الكهرباء، فقد يمر بشكل عشوائي، لكن ليس قبل إجراء الانتخابات النيابية المفترضة في شهر أيار المقبل، لأن أحداً من القوى السياسية لن يستطيع مجابهة تداعيات رفع التعرفة على ساحته وجمهوره قبل الانتخابات. وما يدعم ذلك، هو إخراج السلفة المخصصة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 5250 مليار دولار، من الموازنة العامة. إذ أُخرِجَت لتقليص النفقات نظرياً، لكنها تبقى عبئاً على الخزينة العامة، وإنّ رُحِّلَت خارج الموازنة.

والمشكلة الإضافية، هي محاولة الحكومة طرح سندات خزينة أمام المكتتبين، بهدف تأمين التمويل للسلفة. والمشارَكة في الاكتتاب غير مشجّعة، ما يعني أن تأمين التمويل غير مضمون وغير وارد حالياً، نظراً لغياب الثقة بعد التخلّف عن دفع مستحقات حاملي السندات. وللتعويض، قد يطبع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المزيد من الليرات لتأمين السلفة. وهذا ما يسحب البلاد نحو التضخّم. كما أن قيمة السلفة المنصوص عليها في الموازنة، أو خارجها، ليست مرصودة بالكامل لتأمين الفيول لمعامل الطاقة، بل في متنها قروض ومستحقات للشركات المتعاقدة مع كهرباء لبنان. سواء لمقدّمي الخدمات أو بواخر الطاقة وغيرهم.

وإذا كان رفع التعرفة غير مستحب قبل الانتخابات، كما أن منع الهدر والسرقة غير ممكن، فإن تعيين الهيئة الناظمة للقطاع جرى تمييعه في السابق ويجري الالتفاف عليه حالياً، من خلال تبنّي وزارة الطاقة، وعدد من النواب المحسوبين على الفريق السياسي المسيطر على الوزارة، مشروع دعم البلديات لتأمين الكهرباء. وهو مشروع ناجح كفكرة، لكن توقيت طرحه وعدم جدّية السير به، يحيل إلى الظن أن طرحه جاء بغية إعطاء البلديات مساحة للمشاركة في حل أزمة الكهرباء، خارج إطار الهيئة الناظمة. وبذلك تبقى يد وزير الطاقة حرة طليقة في هذا المجال. الأمر الذي يثبت وجود نية للتغاضي عن مطالب البنك الدولي وشروطه لتأمين التمويل.


غاز إسرائيلي

التمويل المفترض من البنك الدولي يتضمّن أيضاً تمويل عملية استجرار 650 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز المصري، إلى جانب استجرار 250 ميغاواط كهرباء من الأردن. والغاز الآتي من مصر، تشوبه علامات استفهام حول هويته، هل هو غاز إسرائيلي صرف، أم مختلط مع الغاز المصري. وإن كان مصرياً خالصاً، فهل مروره بخط النفط العربي الذي اشترته شركة إسرائيلية، يُعتَبَر تطبيعاً مع العدو؟

لا يمكن التكهّن بالإجابات. لكن يمكن التأكيد على أن حل معضلة الكهرباء والغاز ليست قريبة من شهر آذار المقبل، بل هي ممتدّة إلى حين اتّخاذ قرار حيال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. أي أن لبنان ينتظر تنازلاً إسرائيلياً في المواقف وقبوله بخط التفاوض اللبناني، وهو ما لا تُبَشَّر بوادره بالخير. وإلى حين انتظار معجزة ما، يبقى الثابت الوحيد هو أن تمرير الوقت خطير ومُكلِف.

كل المؤشرات تشي بأن لبنان بعيد كل البعد عن الثقة الدولية، وخاصة التي يعبّر عنها صندوق النقد الدولي، الذي ينتظر خلفه مستثمرون كثر وأصحاب سندات اليوروبوند ليحددوا موقفهم تجاه لبنان. وأي تمويل، وإن كان قرضاً، لا ينفصل عن المسار السياسي للأحداث، والخرابشة يعلم ذلك، تماماً كما يعلمه السوريون واللبنانيون والمصريون.

والمسار السياسي، يشمل قبولاً إسرائيلياً بنقطة مشتركة مع لبنان لترسيم الحدود. مع ما يستتبعه ذلك من ملحقاتٍ قد تتكشّف معالمها في المستقبل القريب.

وعليه، فإن قرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، مرهون بالقرار الاسرائيلي الذي بدوره يستند على نتائج المفاوضات حول ترسيم الحدود، والتي لا يمكن الجزم بانتهائها في آذار.

تعليقات: