النفايات تتكدس: معامل الفرز مدمرة.. وخراب مالي وإداري يهيمن


مشكلة النفايات تدور في حلقة مفرغة (Getty)

... وتكدست أكوام النفايات على أرصفة شوارع بيروت وضواحيها، وبعضها يكاد يقفل الشوارع. المشهد متكرّر، فتارة يقال إن المشكلة حلّت، وسرعان ما تفيض النفايات عن جنبات الشوارع، ليضع المعنيون اللوم على الدولة طوراً، وعلى الأزمة الاقتصادية تارة أخرى.


تفجير المرفأ

الشرارة التي أشعلت الفتيل، وجعلت النفايات تتكدّس على جنبات الطرق، حسبما صرّح وزير البيئة ناصر ياسين لـ"المدن"، هي مشكلة بين النكّاشين ـ أي جموع من المعدمين الفتيان والرجال الذين يجوبون مطامر تكديس النفايات لجمع ما يمكن بيعه من حديد وبلاستيك، لمكاسب مادية وتجاريةـ وبين عمّال الشّاحنات في مطمر الجديدة.

وأشار ياسين إلى مشاجرات وتضارب بين الطرفين، ما أدّى إلى توسل عمّال الشاحنات والشركات والمتعهّدين بتلك المشكلة حجّة لوقف أعمال نقل النفايات وتكديسها في المطامر. وبهدف استمرار العمل وعودة عمّال الشاحنات إلى المطمر، طلب المتعهّدون من وزارة الداخلية مؤازرة أمنية لتأمين حمايتهم، فكان لهم ذلك. ورغم الحماية وإزالة النفايات في بعض المناطق، أكد ياسين أكّد أن ذلك لا يحلّ المشكلة. فالشركات تستمرّ في المماطلة، والمعامل متوقفة لأنها مدمرة

ومماطلة الشركات والمشاكل الأمنية في المطامر ليستا العائق الوحيد. فانفجار مرفأ بيروت لم يترك شيئاً إلاّ ودمّره، وكان لمعامل الفرز الكبيرة النصيب الأكبر من التدمير. وتمتلك العاصمة معامل فرز كبيرة، وكذلك محافظة جبل لبنان، إضافة إلى معمل التسبيغ. فتوقف هذه المعامل يعطّل عملية الفرز ويراكم النفايات في المطامر. وفي الفترة الماضية، أي قبل تشكيل الحكومة الحالية، تجاهلت الحكومة المستقيلة الموضوع.

أمّا اليوم، فوافق البنك الدولي على ترميم هذه المعامل، للتخفيف عن المطامر، ولتتوجه إليها 40 في المئة من النفايات الصلبة غير القابلة للفرز في المطامر. وهذا من شأنه أن يحلّ جزءًا من المشكلة، وفق ياسين.


متاهة مالية وإدارية

وطالت الأزمة الاقتصادية جميع القطاعات، بما فيها مستلزمات إزالة النفايات والشركات المتعاقدة مع الدولة اللبنانية مثل "رامكو"، المسؤولة عن جمع النفايات وإزالتها في بيروت، المتن، وكسروان. ويؤكد ياسين أن مصرف لبنان أمّن الأموال، فتحوّلت إلى حسابات رامكو. لكن مدير عام رامكو وليد بو سعد ينفي ذلك، مشدّدًا على أن الأموال لم تصل إلى حسابات الشركة، الأمر الذي يدفع الموظّفين إلى إعلان الإضراب حتى دفع رواتبهم.

وعن سبب إزالة رامكو نفايات بعض المناطق، يقول بو سعد إنّ 50 في المئة من رواتب الموظّفين فقط دفعت، وهذا ما حملهم على العمل وجمع نفايات مناطق دون أخرى. أي في المتن وكسروان، مشدّداً على أن الموظفين يهدّدون بتوقفهم عن العمل مجدداً، إذا لم يتقاضوا رواتبهم كاملة. أمّا عن تصريح وزير البيئة وتأكيده أنّ العرقلة الإدارية لدفع المستحقّات حُلّت، فينفي بو سعد ذلك، قائلاً إن على الوزير أن يقدّم دليلاً على ذلك. لأن "حسابات الشركة فارغة". ويؤكّد مصدر مطّلع لـ"المدن" أن لا مشكلة عالقة في مصرف لبنان، والأموال تحوّلت إلى رامكو، والتأخير إداري لا مالي، والسيولة متوفّرة وهي بالليرة اللبنانية.


عوائق ماديّة

يكلّف جمع كلّ طن من النفايات ونقله وتفريغه، 30 دولاراً. لكن الحكومة اللبنانة تدفع اليوم بواسطة شيك مصرفي بالدولار، لا تتعدى قيمته الفعلية 5 في المئة من كلفة الطن الواحد بالـ"فريش" دولار.

وتكاليف رامكو تدفع بالدولار الأميركي، وفقاً لمديرها العام وليد بو سعد. وهي تتوزّع بين مازوت للشاحنات، وأيجار الشاحنات وصيانتها. أمّا شطر الكلفة بالليرة اللبنانية فهو فقط رواتب العمّال والموظّفين، التي تقدّر بحوالى 3 مليار ليرة، وهي مخصّصة للعمّال فقط. لذا، يدّعي بو سعد أنّ السيولة غير متوفّرة لدى الشركة، ما يشكّل عائقاً أمام تسديد الرّواتب من جهة، وتعطيل عمليات النقل والصيانة والحصول على المازوت.


سوء إدارة

ليس من إدارة موحدة للنفايات. فكّل محافظة لها إدارة مختلفة عن الأخرى. ففي بيروت البلدية متعاقدة مع متعهّد، وهو يدير العملية. ورامكو تتقاضى الأموال من البلدية. أمّا في المتن وكسروان فتتقاضى الشركة المال من مجلس الإنماء والإعمار. وقد حلت المشكلة موقّتاً مع المجلس.

وخارج العاصمة لا تتولّى وزارة البيئة إدارة الموضوع، لأنّه بعهدة وزارة التنمية الإدارية. وتسعى وزارة البيئة إلى تعزيز التعاون مع وزارة التنمية، وقد خصّص مبلغ من الموازنة لتشغيل الأموال لصالح إدارة النفايات في المناطق اللبنانية كافة.

تعدّدت الأسباب والموت واحد. فمشكلة النفايات تدور في حلقة مفرغة، وتعود إلى الواجهة بين حين وآخر، وتستمر المناشدات والمناكفات بين الشركات والإدارات الحكومية.

تعليقات: