النقابة لا تنتفض: «التحالف» والسلطة يغرقان في العجز والإنكار


النقابة لا تنتفض. هو خلاصة ما حصل منذ سيطرة تحالف «النقابة تنتفض» على مجلس نقابة المهندسين في بيروت، في الانتخابات الأخيرة. طبعاً، هذا لا يعني أن قوى السلطة التي كانت تسيطر على النقابة سابقاً لديها أي نيات إصلاحية، بل هي أصل المشكلة وتبقى كذلك. لكن تتشارك غالبية قوى «النقابة تنتفض» مع قوى السلطة التقليدية، في سلوك الإنكار. فالاثنان لا يعترفان بأن هناك أزمة أطاحت أموال النقابة، وأن الخدمة الأساسية التي تقدّمها هذه النقابة لمنتسبيها وعائلاتهم، وكانت تميّزها عن باقي شرائح اللبنانيين، هي خدمة التأمين الصحي. تقديم هذه الخدمة يتطلب أموالاً لا تملكها النقابة في إطار الاستدامة. فالمبلغ المتوافر في صناديق النقابة الذي يصل إلى 450 مليون دولار محجوز لدى المصارف وتقلصت قيمته إلى 50 مليون دولار، وبالتالي لم يعد كافياً لتقديم الخدمة التمييزية لفترة طويلة. كذلك حصل الإنكار أيام مجلس النقابة السابق برئاسة جاد ثابت الذي دُعي إلى اجتماعات عدّة منذ 2018، واطلع على الأزمة المقبلة واستمع إلى شروحات وافية عن ضرورة حماية أموال النقابة… إلا أنه رفض القيام بأي خطوة في هذا المجال وسانده في ذلك أعضاء النقابة الذين ينتمون إلى مختلف قوى السلطة.

وإلى جانب الإنكار، فإن العجز إحدى سمات مدّعي الانتفاضة وقوى السلطة أيضاً. فكما عجزت قوى السلطة عن حماية أموال صناديق النقابة، يُظهر التحالف المسيطر حالياً عجزاً مماثلاً يتعلق بالامتناع عن محاولة استعادة هذه الأموال. فمنذ تسلّم التحالف بقيادة عارف ياسين مجلس النقابة، رفض أي خطوة احتجاجية في وجه المصارف. والطرح الذي قُدم من أجل فتح معركة مع المصارف في محاولة لاسترجاع الأموال، اعتبر طرحاً راديكالياً، إذ فضلت غالبية قوى التحالف التعامل مع المصارف في إطار التسوية وتسوّل الحقوق بدلاً من انتزاعها. الخطوة الوحيدة التي قام بها ياسين في وجه المصارف هي مراسلتهم، طالباً اعتبار أموال الصناديق عائدة إلى المهندسين، فجاء الردّ بأن المصارف تتعامل مع النقابة باعتبارها كياناً واحداً مثل أي شركة. وعندما اشترطت المصارف إيداع المبالغ النقدية لتسديد رواتب الموظفين والعاملين في النقابة، أو تسديد هذه الرواتب من حسابات النقابة بعد حسم عليها، لم يحرّك التحالف ساكناً، بل غرق في مناقشات لا طائل منها. والأمر نفسه يحصل اليوم في مناقصة التأمين للمهندسين الـ 120 ألفاً (مع عائلاتهم). فالتحالف يغرق في مناقشة دفتر الشروط ويعدّل عليه ويسأل عن فضّ عرض وحيد بدلاً من إعادة توجيه البوصلة نحو أصل الأزمة: المصارف. هناك ترقد أموال النقابة بلا مراسم دفن، بينما لم يعد لدى المهندسين سوى 8 أيام قبل انتهاء تأمينهم الصحي. هذه الأموال هي التي قد تنقذ المهندسين إذا انتفضت نقابتهم.



مناقصة التأمين في «المهندسين»: مجلس النقابة منقسم

راجانا حمية

لم تنجح نقابة المهندسين في بيروت، أمس، في «فضّ» سيرة مناقصة تلزيم برنامج الاستشفاء للمهندسين المنتسبين إليها. فبعد تأجيلين بسبب عزوف معظم الشركات عن المشاركة، ارتأت النقابة أن تعقد عصر اليوم اجتماعاً استثنائياً لاتخاذ قرار بشأن العارض الوحيد المتقدم «ميدغلف»

للمرّة الثانية على التوالي، تقدّم عارض وحيد للمشاركة في مناقصة تلزيم برنامج الاستشفاء لنقابة المهندسين في بيروت. في المرّة الأولى، انفردت شركة GMI بتقديم عرض، وفي المرة الثانية قدّمت شركة ”ميدغلف“ عرضاً وحيداً، ما أغرق النقابة في أزمة متفرّعة من أزمة إفلاسها. فمجلس النقابة منقسم بين ثمانية أعضاء يطالبون بإعادة المناقصة، وثمانية يطالبون بتلزيم ”ميدغلف“، فيما يقف النقيب عارف ياسين في الوسط بصوته المرجح.

بحسب مصدر في النقابة، فإن انسحاب GMI من المنافسة جاء بحجّة قيام النقابة بخفض درجة تصنيف معيد التأمين إلى ”B“، ما ترك الأمر مفتوحاً على خيارات محصورة بالموافقة على العرض الوحيد من ”ميدغلف“، أو إعادة المناقصة للمرة الثالثة. وهذا هو الأمر الذي يفترض أن يبتّه مجلس النقابة عصر اليوم في جلسة استثنائية.

سابقاً، كانت شركات التأمين تتهافت على الفوز بعقد التأمين مع نقابة المهندسين نظراً إلى الأرباح التي كان يحققها للشركة الفائزة، أما اليوم، فإن خفوت الحماسة مردّه إلى أن النقابة لم تدرك بعد الانعكاسات الفعلية للانهيار. وهذا كان محور جدال واسع في مجلس النقابة في الأسابيع الماضية. إذ اعترضت شريحة واسعة من المهندسين على أداء مجلس النقابة الذي سيطر عليه تحالف ”النقابة تنتفض“، مشيرة إلى «قلّة كفاءة» إدارة هذا الملف وسط إرباك يدفع الجميع إلى تقاذف المسؤوليات على الآخرين. وهذا الأمر لم يظهر مباشرة بعد انتخاب النقيب ياسين وسيطرة التحالف الذي ينتمي إليه على مجلس النقابة، بل كان جمراً تحت الرماد انفجر لهيبه لحظة إعداد دفتر شروط التأمين، وهي الخدمة الأهمّ التي كانت تقدّمها النقابة للمهندسين على مدى السنوات الماضية.

خلال مرحلة إعداد دفتر الشروط، جاءت الاعتراضات على التعديلات التي طرحت على بنوده لجهة نقطتين جوهريتين، وفق اعتبارات المعترضين:

ــــ الأولى، إن التعديلات تمسّ ”مبدأ التعاضد“ المعمول به في النقابة. ففي هذه النقطة بالذات، تطرح النقابة إحلال مبدأ آخر يقوم على تصنيف المهندسين إلى ثلاث درجات تربط خيارات المهندس تبعاً «لما هو قادر على الالتزام به“. ما يعني التمييز بين مهندسين من ذوي القدرات المالية وآخرين بقدرات أضعف. ما يقود عملياً الى التمييز تبعاً للمبلغ المدفوع. وينتقد مهندسون هذا التوجه الذي يعتمد «مبدأً تأمينياً يصنّف المواطنين على أساس ما يدفعونه ونسف أساس فكرة صندوق التقديمات الاجتماعية».

ــــ الثانية، تتعلق بتضمين مبدأ التخمين؛ فعلى أساسه سيتم تقسيم عدد المنتسبين إلى الفئات الثلاث تقديرياً: مثلاً تقدير 40 ألف منتسب في الدرجة الأولى، و30 ألفاً في الدرجة المختلطة بين الأولى والثانية، و30 ألفاً في الدرجة الثانية، أو العكس… بينما لم يرد أي بند يحدّد الأكلاف المفترضة. فهل هذا يعني ترك الأمر للشركات؟

ورغم الانتقادات، مرّ دفتر الشروط، وعلى أساسه فتحت النقابة في 20 كانون الثاني الماضي باب استدراج العروض ضمن مهلة أسبوع. ولم تتقدم سوى شركة GMI رغم أن هناك عدداً أكبر من الشركات سحبت دفتر الشروط. وشركة GMI هي نفسها التي كانت تتولى تغطية برنامج الاستشفاء للعام الماضي. يومها، اجتمعت لجنة فضّ العروض ودرست خيارين؛ أحدهما يقضي بفتح عرض شركة GMI بشرط إعادة المناقصة إذا لم تكن الأسعار مناسبة، والثاني بإعادة المناقصة بلا فضّ العرض. في النهاية، اتخذ قرار بإعادة المناقصة.

غير أنه في الجولة الأولى، كان ياسين قد تلقى رسالة من ”ميدغلف“ لم يفتحها إلا بعد اتخاذ القرار بإعادة المناقصة. الرسالة تضمنت أسباب عزوف الشركة عن المشاركة وأبرزها أنها لم تتمكن من إقناع أي من شركات إعادة التأمين العالمية في المشاركة معها، كما أنها اعتبرت أن الكفالة المصرفية التي تطلبها النقابة والمقدرة بثلاثة ملايين دولار لدى مصرف في الخارج، غير منطقية في ظل ظروف لبنان، مقترحة تعديلات تتناسب مع اعتراضاتها كشرط للمشاركة.


التعديلات على دفتر الشروط تمسّ «مبدأ التعاضد» وتصنّف المهندسين إلى ثلاث «طبقات»

هنا ولدت تعديلات إضافية؛ منها خفض تصنيف شركة إعادة التأمين بالدرجة B بدل A، واستبدال «مكان» الكفالة المصرفية لتكون في مصرف محلي، على أن تتضاعف قيمة الكفالة بحدود 3 مرات.

لكن التعديلات أثارت اعتراضات إضافية حول جواز تنقيح الشروط على مقاس اقتراحات ميدغلف، علماً بأن المعلومات تشير إلى أن النقابة أهملت كتاباً من شركة «بانكرز» يعرض أسباباً إضافية. وأعرب المعترضون عن تخوّفهم من أن يؤدي خفض شركات إعادة التأمين (معيد التأمين) إلى درجة أدنى، إلى تدنّي مستوى الشركات المتقدمة وارتفاع المخاطر ومن أن تكون الكفالة المحلية قاصرة عن تغطية الأكلاف الفائضة.


ثلاثة صناديق

تملك نقابة المهندسين ثلاثة صناديق أساسية، وهي: التقاعد والتقديمات الاجتماعية وصندوق النقابة. وهي تموّل من الاشتراكات التي يسدّدها المهندسون والرسوم والمبالغ التي تتقاضاها النقابة من رسوم الأمتار ورسوم العقود. والأهم هو صندوق التقديمات الاجتماعية والذي يقدم مساعدات اجتماعية للمهندسين، كما خدمة الاستشفاء (برنامج الاستشفاء)، التي تدفع أكلافها النقابة عبر الصندوق. ويكون الانتساب إلى هذه الخدمة إلزامياً للمهندسين. واختيارياً لعائلاتهم (الزوجة والأولاد). مع ذلك، عندما يقرر المهندس تأمين عائلته، يصبح انتسابهم إلزامياً. ويقدّر عدد هذه الفئة (مهندسين وعائلاتهم) بـ 100 ألف منتسب.

أما بالنسبة إلى أقارب المهندس (والد ووالدة المهندس، الإخوة، والد ووالدة الزوجة، الموظفون لدى المهندس...)، فانتسابهم يكون اختيارياً من خلال بوالص تأمين يشتريها المهندس مباشرة من شركة التأمين. وإذ لا تخضع هذه الأخيرة لصندوق التقديمات الاجتماعية، إلا أنه تطبق عليها شروط التأمين نفسها. ويقدر عدد هذه الفئة ما بين 20 إلى 25 ألف منتسب.


تعليقات: