صمت الناس وغياب رد الفعل


تتوالى اللكمات اليومية الموجهة إلى المواطنين والمقيمين من قبل منظومة الطوائف ورأس المال، من غير مقاومة. وهذا يطرح التساؤلات: لماذا لا ينتفض الناس؟ لما هم ساكتون؟ ماذا ينتظرون؟ هل هو الخوف؟ هل هو الحس الطائفي الذي يتغلب على الحس الوطني وحتى المادي؟ هل هو التخوين؟ هل هو الترهيب؟ هل هو غياب البديل؟

إذا نظرنا إلى المستجدات السياسية والاقتصادية في الأسبوعين الماضيين فقط، نرى أن الموازنة قد أُقرّت من دون مصاريف تشغيلية. نرى ميقاتي خارجاً على الناس قائلاً لهم أن تعرفة الكهرباء والاتصالات ستتغير، وينصحهم بالصبر وأن "نتحمل بعضنا البعض" على حد تعبيره، في الوقت الذي ينعم هو وغيره من طبقة الـ1 بالمئة؜ بمليارات الدولارات التي جنتها على حساب الناس. علماً أن هذا التحمل المتبادل، كما عبّر عنه، لم يكن يوماً متبادلاً كما وصفه، بل على العكس تماماً. كان تحمل الناس لجشع نظامه ولأمثاله لسنين طويلة.

كما ظهر مؤخراً على الرأي العام موضوع رفع الدولار الجمركي الذي بناءً على التحاليل الاقتصادية الأخيرة سيرفع سعر السلع في السوق 40 بالمئة بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في آخر سنتين، في بلد كل حاجاته الغذائية والدوائية قائمة على الاستيراد. كما لوحظ في الأسبوعين الماضيين أيضاً رفض المصارف للخطة الحكومية، التي بالأصل تحمّل المصارف قسماً صغيراً جداً من الفجوة المالية مقارنةً بما سيصيب المودعين. بالإضافة إلى زيارة المبعوث الأميركي الذي جال على قيادات الصف الأول وقيادة الجيش، ليكون وسيطاً لحل نزاع اسرائيلي لبناني في انحياز تام للإسرائيلي، وفي لكنة تطبيعية بدأت تلوح في الأفق، بظل سكوت تام لكل مدّعي المقاومة. كل هذه المستجدات تسارعت في الأسبوعين الماضيين. فماذا لو تكلمنا عن السنتين الماضيتين التي انقلب فيها حال الناس من حالٍ إلى حال.

ماذا لو تكلمنا عن انفجار بيروت؟ حادثة عكار؟ اشتباكات الطيونة؟ تدهور العملة؟ الاحباط والبلطجة؟

إذا دخلنا في التفاصيل، وحللنا تسارع الأحداث على شعب خسر تقريباً كل شيء في سنتين، وإذا ما أضفنا عليها انفجار بيروت الدراماتيكي وانفجار عكار والاشتباكات الطائفية والاحباط الذي نتج عن تراجع زخم الانتفاضة الشعبية ومحاولة قسمة المجتمع عمودياً بين معسكرين، نرى أننا في حالة من السريالية لم يشهدها أي بلد طبيعي لا في أيام السلم ولا الحرب. كما نلاحظ واقع حال التخدير والنكران اللذين يعيشهما شطر من الناس، ولا يُلامون، في الوقت الذي على هؤلاء الناس أن يلملموا ما تبقى لديهم لتأمين استمراريتهم المادية وصحتهم النفسية.

أما إذا عدنا قليلاً في الذاكرة إلى زمن الانتفاضة والبلطجة الأمنية والقضائية والحزبية، المتمثلة بغزوات الثنائي المتتالية على مراكز الاعتصام في بيروت والنبطية وصور، أو هجمات التقدمي الاشتراكي على ناشطين وناشطات في الجبل، أو القوات على المنتفضين والمنتفضات في مسيرات وتجمعات عدة في رياض الصلح والجميزة من جهة، وركوبهم على موجة الانتفاضة من جهة أخرى، مشكلين ثورة مضادة عليها لحرفها بما يتناسب مع أجندتهم الداخلية والخارجية.. نستنتج أن هذا المجتمع مصاب في مناعته، فهو غير مستعد أن يتحدى ويعيد شبح الحرب الأهلية التي تعلّم منها أنها لن تودي إلى أي مكان، وأن نهايتها ستكون بيد اللاعبين الإقليميين.. وكأن لا خيار سوى الموت بصمت.

وكإنما ارتضى الناس الموت بصمت -على الأقل حالياً- مراهنين على انتخاباتٍ جامعية من هنا ونقابية من هناك، لإيجاد الأمل بظل معرفتهم أن الانتخابات النيابية لن تكون مصدراً كافياً للتغيير، بظل العوامل الكثيرة التي طال الحديث عنها.

في الخلاصة، كان للقوى الطائفية، والنظام بأدواته العديدة، الفضل في تكريس هذه الحال لشراء الوقت، عبر ترهيب المجتمع وإحباطه. فكُرِس هذا في تخدير الناس وانعدام رد الفعل لديهم. لتبقى بارقة الأمل الوحيدة هي في تكديس الكفاح اليومي المتواصل لبناء وعي تراكمي قد يجعل معاناة اليوم حافزاً للتخلص من المنظومة وأسلوبها في الحكم عندما تحين اللحظة السياسية المناسبة.

تعليقات: