المعاينة الميكانيكية فقدت جدواها: اللبنانيون \"يستأجرون\" قطع الغيار!


لا تنتهي مساوئ "المعاينة الميكانيكية". وإذا ما أردنا البحث عن إيجابيات لها قد نحتاج إلى أضواء كاشفة تُسلّط على زوايا معينة في هذا الملف، علّنا نجد بعضها. منذ البداية، كان التحايل على المعاينة الميكانيكية وسيلة من وسائل الفساد والتكسّب على أكثر من صعيد، بدءاً من الدولة وتلزيماتها ودفاتر شروطها ومناقصاتها، مروراً بما يجري داخل المراكز، وصولاً لما يجري خارجها (راجع "المدن"). إذ أن "التجربة" ابتدعت وظائف جديدة في محيط المراكز، أبرزها على الإطلاق، بدعة "تأجير قطع الغيار".


المعاينة وأهدافها

من أراد فرض المعاينة الميكانيكية على اللبنانيين، أسوة بالبلدان التي تسود فيها الأنظمة والقوانين، حاول أن يقنعهم بجدواها، على صعيد تلوث الهواء وخفض حوادث السير ورفع مستوى السلامة العامة، على اعتبار أن المعاينة تضمن جودة السيارة. لكن، وبمقارنة بسيطة لعدد الحوادث والضحايا في السنوات العشر الأولى من عمر "المعاينة"، أي منذ العام 2004 حتى العام 2014، نجد أن الحوادث ازدادت ولم تنخفض. فهي سجلت على سبيل المثال، عام 2004، وحسب النشرات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، 2133 حادثاً، و397 ضحية. بينما سجلت في العام 2008، 4470 حادث سير، مقابل سقوط 478 ضحية. وفي العام 2012، 4804 حادث سير، و595 ضحية. وفي العام 2014 تخطى عدد الضحايا الـ600.

انخفضت أعداد حوادث السير في العام 2021، كذلك أعداد الضحايا، إنما ليس بسبب المعاينة الميكانيكية بل لأن استعمال السيارات انخفض كثيراً، فمن المعلوم أن عدداً هائلاً من اللبنانيين لم يُجر الفحص لسيارته بعد العام 2019 وما رافقها من انهيار اقتصادي، كما أن نسبة كبيرة أيضاً من السيارات التي نجحت بالفحص، غير صالحة للسير، فكيف ذلك؟


وظائف جديدة

قبل الانهيار الاقتصادي وبعده، كانت المحال الكثيرة لتصليح السيارات موجودة قرب مراكز المعاينة، ومنها مركز الحدت. وهذه المحال هي نتاج تجربة مديدة. فلو لم تُبنَ مراكز المعاينة لما وُجدت. لا عمل لهذه المحال سوى محاولة اصطياد السيارات التي تخرج من الامتحان راسبةً، علماً أن أسباب الرسوب باتت معروفة من الجميع، وهي عادة ما تتعلق إما بالإطارات، أو الأضواء، أو نسبة ثاني اوكسيد الكربون التي تخرج من السيارة، أو لوحاتها.

تعمل هذه المحال، وفق ما يشرح محمد، وهو أحد العاملين فيها، والذين اكتفى بالاسم دون العائلة، لأسباب لها علاقة "بجيرانه"، على استقطاب الراسبين لمساعدتهم على النجاح، من خلال تأجيرهم ما يلزمهم لذلك.

يُشير محمد في حديث لـ"المدن" إلى أن هذه الوسيلة كانت قائمة منذ زمن، لكنها تطورت خلال الأزمة الاقتصادية، حين بات الإيجار رائجاً، كون قطع غيار السيارات غالية الثمن.

على سبيل المثال، يمكن للراسب أن يستأجر الإطارات مقابل 10 دولارات للإطار الواحد، وأحياناً أقل بسبب المنافسة. فينجح، ثم يخرج ليعيد إطاراته القديمة غير الصالحة للسير إلى مكانها في سيارته. وهذا الأمر حسب محمد يتكرر مع أي قطعة مع قطع السيارة الضرورية لتمريرها في امتحان المعاينة، حتى "لمبة" المكابح على سبيل المثال.

لا يقتصر ضرر هذه المحال على إفقاد المعاينة من مغزاها، فحسب منال زعرور، وهي إحدى اللواتي يسكنّ المنطقة، فإن هذه المحال تتسبب بالزحمة، والضرر البيئي، والروائح، وتقول للمدن: "محلات التصليح التي تعمل على الرصيف تُقفل مداخل المنازل، وترمي الزيوت في مجاري صرف الأمطار، بالاضافة الى الضجيج المستمر منذ الصباح الباكر حتى آخر النهار" (وهذا ما تناولناه في التحقيق السابق).


كوارث على الطرقات

إذاً، إن كان للمعاينة الميكانيكية أي جدوى سابقاً، فهي سقطت منذ فترة بسبب الوضع الاقتصادي الجديد الذي يعيشه اللبناني. هذا الأمر سيكون له أثره أيضاً على حالة السيارات. فأي دخول على "الكاراج" يحتاج الى أموال طائلة، يقول سامر، الذي حاول الاستفادة قدر الإمكان من عمر إطارات سيارته، حتى انفجرت ذات يوم على اوتوستراد صيدا- بيروت.

ستتكرر هذه الحالات كثيراً، إذ يكشف صاحب محل بيع إطارات في منطقة الجاموس بالضاحية الجنوبية، أن حجم المبيع انخفض حتى النصف، وارتفعت أعداد الباحثين عن الإطارات المستعملة بشكل كبير، وبات أغلب ما يُباع، إطارات صُنعت في الصين، وليست "باب أول" حتى، إذ يبلغ ثمنها حوالى 240 دولاراً (4 إطارات)، وهنا نتحدث عن القياسات الصغيرة.

والإطارات ليست وحدها من تُرعب أصحاب السيارات، فللمكابح أيضاً نصيبها. إذ يحاول اللبناني الاستفادة قدر الإمكان من عمر المكابح، وأحياناً تكون صلاحيتها قد انتهت، لكنه يستمر باستعمالها، الى جانب قطع غيار أخرى، لا يؤدي تلفها الى توقف السيارة عن العمل، بل خلخلة توازنها، وهذا ما سيؤدي الى زيادة حوادث السير، في المستقبل، علماً أن القدرة على تجديد السيارة باتت "حُلُماً" لعدد كبير من اللبنانيين، بعد الحديث عن رفع قيمة الدولار الجمركي.

بهذا المعنى، قريباً، سيكون مشهد طرقات لبنان ممتلئاً بالسيارات القديمة المتهالكة التي "ستنجح" في كل المعاينات الميكانيكية بفضل "خبرات" تلك المحال وورشات "تأجير" ما يلزم.

تعليقات: