عائلة الشهيد الخالد يحضرون المدفن لدفن جثته
حاصبيا :
تذرف الحاجة مريم دموعاً لما تزل سخية رغم مرور الزمن الطويل. تنظر المرأة المسنة بحسرة إلى صورة ولدها الشهيد يحيى الخالد المسمرة منذ سنوات طويلة في زاوية صالون المنزل. ترجو من الله بصوت خافت يغلب عليه الحزن أن يطيل عمرها حتى يوم غد الأربعاء، لعلها تنعم بنظرة لما تبقى من جسد »حشيشة الروح«. تنظر إلى الأعلى وتقول: »ساعدني يا رب لتحقيق ذلك الحلم إنك سميع مجيب«، ويردد زوجها الحاج محمد، أمام من جاء يسأل عن أي جديد: »أملي الوحيد أن أرى ولو عظمة من جسد بطلنا الطاهر«.
توجه أشقاء الشهيد يحيى الخالد ورفاق دربه صباح أمس الى مدافن بلدته كفرحمام، يحفرون القبر، ويزيحون التراب عن مكان له بالقرب من منزلهم، ليغمروا قامة طال فراقها في غياهب الموت. حملوا عدة الحفر والتنظيف، وعملوا على تحضير المدفن الذي سيحضن جثة شهيد العرقوب، بعدما قضى مع رفاقه الخمسة من المقاومة الوطنية (الحزب الشيوعي اللبناني) في مواجهة بطولية ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي وأعوانه في تلة أبو قمحة غربي حاصبيا ليل ١٧ـ١٢ـ .١٩٨٧
يبدو الوالد الذي تجاوز الثمانين من عمره، متماسكا، صابرا، على أمل ملاقاة جثة ولده، قائلا إن ذلك يخفف عنه نصف الألم. يعود بالذاكرة إلى الفترة التي عاشتها العائلة في أعقاب الاستشهاد، عندما حاولت إخفاء اسمه عن جيش الإحتلال، تفاديا لردات فعله. لكن ردة الفعل جاءت بعد حين قاسية ومؤلمة، فجرى اعتقال الأب والشقيق، ومن ثم أبعدت العائلة، بعد أعمال تنكيل وإهانة.
هنا تدخل وليد شقيق الشهيد ليقول: حاولنا خداع العدو الإسرائيلي وإخفاء استشهاد شقيقي، فأقمنا ليلة رأس السنة من ذلك العام، وكنا جميعا تحت المراقبة المتواصلة والدقيقة، احتفالا راقصا حتى الصباح وكأن شيئا لم يحصل، وبقي استشهاد شقيقي سرا بين العائلة حتى عملية التبادل التي حصلت عام ،١٩٩٨ لكن جثمانه لم يكن بين الجثامين التي سلمت، كما خاب أملنا في عملية التبادل الأخيرة، ونأمل تسلم الجثة هذه المرة.
ويروي وليد ما حصل ليلة الاستشهاد قائلا: »كنا نقطن في بلدة مجدل عنجر، وكنت على علم بالعملية، حيث رافقت العناصر الستة في طريقهم لمهاجمة هدفهم في تلة أبو قمحة غرب حاصبيا، انتظرنا تنفيذ العملية من محيط كفرمشكي، وتمكن المهاجمون من الوصول الى الموقع واطلاق النار باتجاهه عن قرب، واستمرت المعركة ساعات عدة. لكن لدى انسحاب المجموعة وعند وصولها الى نقطة يطلق عليها جل قطيط، شمالي حاصبيا، تم رصدها من قبل طاقم دبابة ميركافا إسرائيلية كانت متمركزة في تلة زغلة، فأطلقت باتجاهها عدة قذائف مسمارية مباشرة، أدت الى استشهاد ستة ونجاة السابع«.
في اليوم التالي عملت عناصر لحد على التنكيل بالجثث من خلال ربطها بآلية مدرعة، والسير بها وسط الشارع الرئيسي في حاصبيا، وقد لاقت هذه الخطوة استنكارا واسعا في حاصبيا ومنطقتها، لكن شكلت قوة العملية التي أربكت الاحتلال وأعوانه، وأوقعت في صفوفه إصابات عدة، عزاء لعائلات الشهداء، حيث احترقت آليات عدة وانفجر مستودع للذخيرة، وأبدى وليد اعتزازه بشقيقه الذي نفذ سلسلة عمليات في العرقوب والقطاع الشرقي وكان قدوة في العمل المقاوم.
الشهيد حسين ضاهر
بدورها بدأت بلدة شبعا الاستعدادات لاستقبال جثة شهيد جبهة المقاومة الوطنية حسين ضاهر، بطل عملية مرصد جبل الشيخ شرق شبعا. كان الشهيد ضاهر ضمن مجموعة من المقاومة هاجمت ليل ٢١/١٠/١٩٩٠ الموقع المحصن بمختلف أنواع الأسلحة، ويقول »رباح« أحد الذين شاركوا في العملية، إن المجموعة المهاجمة تمكنت من الوصول الى مسافة قريبة من المرصد، بالرغم من الأجهزة المتطورة والحديثة التي كان مجهزا بها، ودار اشتباك استخدمت خلاله مختلف أنواع الأسلحة الصاروخية والرشاشة، ودفع العدو في أعقاب ذلك بطيرانه المروحي والحربي لقصف المنطقة، لكن المجموعة استطاعت الانسحاب شمالا حتى وادي جنعم، وهناك كشفها الطيران الاسرائيلي وجرى قصف المنطقة بالقذائف المدفعية الثقيلة وصواريخ المروحيات، الأمر الذي أدى الى استشهاد حسين ضاهر من شبعا وانعام سليم حمزة من عبية وحسام عزالدين علي من الدورة عكار وحسين أحمد حجيري من عرسال، وعملت قوة إسرائيلية في اليوم التالي على تفخيخ الجثث وإحاطتها بحقل ألغام، مما حال دون سحبها على الرغم من المحاولات العديدة التي قمنا بها، وقد تركت الجثث في العراء لفترة تقارب الشهر، عمد بعدها الإسرائيليون الى سحبها باتجاه شمالي فلسطين، رافضين تسليمها الى الصليب الأحمر الدولي.
وللشهيد حسين ضاهر شقيق يدعى محمد ضاهر، سجن في معتقل الخيام لمدة سبع سنوات ونصف السنة بتهمة التعاون مع المقاومة، كما استشهد والده قاسم في غارة إسرائيلية استهدفت محيط بلدته شبعا.
تعليقات: