يوسف غزاوي: شكرالله كرم، نبيّ الأطباء

الدكتور شكرالله كرم
الدكتور شكرالله كرم


كنتُ أعرف هذا البطل وأنا صغير كمن يعرف نجماً في السماء ينير ظلمة الخيام في زمن السراج. لقد ذهبتُ إلى عيادته للمعالجة برفقة والدتي. كان علاج الطبيب شكرالله ابتسامة وتعليقات يتبعها شفاءٌ سريعٌ. كان شفافاً كفراشة، نهابه صغاراً ونحبّه بالرّغم من خوفنا من دخول عيادته الملأى بروائح الأدوية التي تثير الرعب في النفوس بمجرّد ملامسة أنوفنا لهوائها. ناهيك من فوبيا الإبرة التي تخترق اللحم بوخزها.

كنتُ صغيراً، لكنني لا أنسى ملامحَه وابتسامته التي كانت تغزو محيّاه لترسم قلوبَنا. ابتسامة لم تكن اصطناعيّة كما يفعلها بعض الأطباء، بل كانت فوتوكوبي عن قلبه الكبير المُحبّ لأهل الخيام، كما برهنت عليه التجارب والأيّام، والذين بادلوه هذا الحب قولاً وفعلاً.

كان طبيباً طليعيّاً لا سالف له بكلّ المعايير. فلم أسمع بطبيب سلب عقول وقلوب أهل بلدته كما فعل شكرالله كرم. كريم، لا همّ له للربح المادّيّ يكفيه تنفيذ رسالته الطبّيّة بإخلاص ومحبّة. عطوف، مرح يشفي المريض بمجرّد لمسه كلمسة الأنبياء. عيادته مفتوحة للجميع للفقير والميسور، للقادر وغير القادر، وزيادة على ذلك كان على اطلاع ومعرفة تفصيليّة بكل عوائل الخيام ومشاكلهم الصحيّة والوراثيّة منها، سهّلت عليه التشخيص ووصف الدواء، فلم يكن القتلة على غفلة من ذلك، بل عرفوا أهميّة هذا الإنسان القابض على القلوب والأوجاع فأردوه شهيداً.

عميقة كانت كلمة ابنه وخلفه الدكتور كرم الذي وعى مكانة أبيه في مسامات اهل الخيام ومع شهيقهم وزفيرهم. عرّفتنا كلمة الإبن أكثر على عظمة الأب وحبّه للآخر ولعائلته وتشجيعه لأولاده على العلم والعطاء والمثاقفة. استمعنا إلى رسائله لعائلته ووقع كلماته التي لا يصدر أزرقها إلا عن أديب ومثقف عميق باطلاعه على نتاجات المفكرين والأدباء والفلاسفة والكتب السماويّة...

من منكم يستطيع أن يدلني على شخص آخر ينافس شكرالله حبّاً وذكرى وقاسماً مُشتركاً لأهل البلدة المنسيّة على تخوم الجنوب في الزمن الصعب؟

أيّها الطبيب الكبير، ترتسم دائماً ابتسامتُك الخالدة أمام مُخيّلتي. أرى وميض عينيك وإشعاع قلبك. انت كالأنبياء ندرة وإشعاعاً وذكاءً وعطاءً. تجمعنا ذكراك دون حواجز تذكر. لحكمة إلهيّة أوجدك الله في ذاك الزمن، قد نعي مغزاها بعد حين... كم أحوجنا إلى أمثالك في جنون هذا الزمن القاتل الفاجر....

* الدكتةر يوسف غزاوي - فنان تشكيلي وأستاذ متقاعد في الجامعة اللبنانية، معهد الفنون الجميلة

تعليقات: