أهداف إعلان الإنجاز الأمني: إخضاع السنّة وتخويف الشيعة والمسيحيين

ينطوي استعراض الإنجازات على مقايضات ومساومات سياسية لتحقيق مصالح شخصية (علي علوش)
ينطوي استعراض الإنجازات على مقايضات ومساومات سياسية لتحقيق مصالح شخصية (علي علوش)


وكأن المسرحية بدأت تكتمل فصولها التي خبرها اللبنانيون جيدًا طوال السنوات الفائتة. والفصول الأخيرة تشي بمزيد من التهافت. ففي العام 2013 وما تلاه أُجِّلت الانتخابات النيابية بذريعة الخوف على الوضع الأمني، وبسبب أنشطة جماعات إرهابية ومتطرفة في لبنان. ومُدِّد للمجلس النيابي.


استثمار مزدوج

واليوم يتكرر المشهد نفسه: على مسافة أسابيع من موعد الانتخابات، استحضر شبح الإرهاب مجددًا. والتوقيت له أكثر من هدف، من دون أن نقلل من خطورة النشاطات الإرهابية التي قد تستهدف لبنان. لكن المشكلة في ما يلي تلك الخطورة من استثمارات سياسية.

أعلن وزير الداخلية عن إنجاز أمني نوعي، وهو يُضاف إلى إنجازات أخرى تتعلق باكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلية، وشبكات تهريب المخدرات. لكن هناك أيضًا الاستمرار في غض النظر والتعامي –إن لم يكن التآمر- عن عدم الكشف عن من يهرب شباناً لبنانيين من طرابلس إلى تنظيم داعش.

وعلى كل حال، تنبني هذه الإنجازات وفق معادلة 6 و6 مكرر: كشف شبكات التجسس تمنح حزب الله فرصة سياسية للانقضاض على الجميع، وشن الحملات على المجتمع المدني. وكشف الشبكات الإرهابية تدفعه مع بيئته وجمهوره إلى الاستنفار، واستنفار المسيحيين كذلك. وهذا يوفر خوض الانتخابات بعصب مشدود. أما كشف شبكات تهريب المخدرات، وموقف وزير الداخلية المعترض على إقامة تجمعات سياسية للمعارضة الخليجية، فهدفهما نيل رضى دول الخليج


زمن فجر الجرود

وعلى مسافة زمنية قصيرة من الانتخابات، وفي خضم صراع أمني- قضائي- مالي- سياسي، يأتي الإعلان عن كشف هذه الشبكة الإرهابية. ولهذا الكشف أهداف عدة. وإذا لم تنجح هذه الأساليب الأمنية في تأجيل الانتخابات، تيرز أهداف أخرى: العودة إلى زمن ما قبل انتخابات العام 2018، زمن معركة فجر الجرود ومواجهة الإرهاب. وقد تحكم ذلك بمسارات سياسية عدة، أبرزها التحالفات، وعدم خوض تيار المستقبل المعركة الانتخابية بجدية في مواجهة حزب الله، وصولًا إلى إعلان سعد الحريري أنه لا يهتم بالسياسة بل بالاقتصاد.

إذا حصلت الانتخابات، تكون وظيفة الإعلان عن مثل هذه العمليات الأمنية وضع السنّة في خانة النبذ السياسي مجددًا. وعليهم أن يكونوا إما متطرفين فينفض الآخرون من حولهم، وإما أن يخافوا ويخرجوا من المعادلة، وإما أن يقدّموا فروض الطاعة، متلافين إعلان مشروع سياسي واضح وكامل. وبعبارة واحدة: إخراجهم من السياسة.


ضعفاء يستجدون أقوياء

ويكشف أسلوب الكشف عن العملية غيابًا لكل أرضية سياسية أو دولتية في لبنان. وينعكس هذا الغياب هشاشةً تتجلى في أوهام أشخاصٍ وأحلامهم وطموحاتهم، فيندفعون إلى مقايضات ومساومات سياسية لتحقيق مصالحهم الشخصية. وهم يعوّضون بذلك عن ضعفهم السياسي وحيثياتهم السياسية، فيبحثون عن من يوفر لهم الحماية والغطاء. لذا يضطرون لتقديم التنازل تلو التنازل، سعيًا لمكسب ولو إدى إلى تتفيه السياسة والدولة والحكم.

وهؤلاء يحتاجون إلى من يوجههم. وبما أن حزب الله هو السلطة الفعلية، يقدمون له أوراق الاعتماد. وخصوصًا بعدما استشعر وزير الداخلية مثلًا، الخطر، بسبب موقفه من مؤتمرات المعارضة الخليجية، ورد فعل حزب الله السلبي على موقفه. لذا وجد أنه في حاجة للبحث عن وسيلة لإرضائه، حماية لوضعه وطموحه. وهذا ما ينسحب على أصحاب مواقع أخرى يستشعرون التهديد من خصوم يسعون إلى إقالتهم أو الإدعاء عليهم.

هذا هو هدف اختلاق إنجازات، من خلال الإعلان عن عمليات أقل ما يقال فيها أنها تُقدَّم لحزب الله على طبق من ذهب، فيما هو يسعى إلى تخويف الشيعة والمسيحيين والسنة من بعبع الإرهاب، وعلى أبواب الانتخابات.


تخويف السنة وسوابق مقلقة

وبصرف النظر عن أهمية هذه الإنجازات، ودخولها في سياق الأمن الاستباقي، تظل المشكلة في طريقة تقديمها الاستعراضية وهزال هدفها السياسي وخطأ توقيت إعلانها. ذلك أنها بدت وكأن هدفها الدفاع عن النفس في وجه الشيطنة. وآثارها ستكون أخطر على المدى الأبعد: إبعاد السنّة أكثر عن المشهد، إضعافهم وجعلهم إما متهمين بالإرهاب والتطرف، وإما منكفئين بدافع الخوف، وتلافي التهمة، وإما مضطرين إلى تقديم فروض الطاعة للبقاء أو سعيًا للوصول.

وهنا لا بد من استعادة حادثتين وقعتا سابقًا: في العام 2017 أعلن عن إحباط شبكة تسعى لتنفيذ تفجير انتحاري في طائرة آتية من أستراليا. وفي العام 2019 حكمت المحكمة العسكرية بالبراءة على الشخص المتهم بالإعداد لتفجير الطائرة وأطلق سراحه، بعدما قيل إنه ينتمي لتنظيم داعش.

والحادثة الثانية تتعلق بالإعداد لتفجير مقهى الكوستا في الحمراء عام 2017. والمسلك الذي سلكته التحقيقات القضائية مع المتهم أشارت إلى أن الحزام الذي كان بحوزته معطلاً، وأنه استدرج إلى هذا العملية نتيجة صراعات بين الأجهزة!

تعليقات: