منزل بعد اعادة ترميمه
ومتضررون في بلدات أخرى يستغيثون نتيجة إرتفاع أسعار مواد البناء
... واخرى في برعشيت..
عامان مرا على عدوان تموز 2006. عامان وابناء الجنوب والضاحية الجنوبية منهمكون في ازالة آثار العدوان وسط حالة تذمر من توقف الدفعات منذ 18 شهراً. وتبرير معاناة هؤلاء: الإرتفاع الجنوني لأسعار مواد البناء، وخصوصاً الحديد حيث قفز سعر الطن من 680 دولارا اميركيا الى 1600 دولار، مما يعني ان ما اقرته الحكومة والدول المانحة كمبالغ تعويض لم تعد تكفي لإعادة الإعمار. في هذا التحقيق من ثلاثة اجزاء جولة في الجنوب بدءاً من محيبيب الحدودية وصولاً الى صريفا . اما الضاحية الجنوبية فتواصل مؤسسة "وعد" ورشة اعادة الإعمار فيها بعدما انجزت بلدية طهران انشاء عدد من الحدائق العامة اضافة الى عدد من المشاريع.
من الحدود اللبنانية مع اسرائيل بدأنا جولة على القرى والبلدات الجنوبية للوقوف على احوالها في الذكرى الثانية لعدوان تموز.
في بلدة محيبيب (مرجعيون) انجز الأهالي اعادة اعمار بيوتهم وعادت الحياة الى طبيعتها، من دون ان تتغير احوال اهالي البلدة علماً ان عدد المقيمين في البلدة لا يتجاوز الـ 200 شخص، في حين ان الباقين هم في العاصمة وضواحيها وايضاً خارج لبنان.
علي جابر (51 عاماً) عاد الى بلدته في صباح الرابع عشر من آب 2006، ولم يفاجأ ان منزله مدمر بشكل كامل، وانجز جابر اعادة اعمار منزله رغم توقف دفع التعويضات ويعلق "قبضت الدفعة الأولى في آذار عام 2007، وحتى اليوم لا ازال انتظر الدفعة الثانية، ولدى مراجعة مجلس الجنوب افادوني ان المدفوع في عهدة الهيئة العليا للإغاثة والإستشاري المكلف التدقيق في الملفات. وحتى اليوم لم الق اجابة شافية من الهيئة العليا".
حال علي جابر هي نموذج عن احوال معظم اهالي البلدة والقرى المجاورة، مثل ميس الجبل وبليدا وعيترون ومركبا... الخ.
اما حسين جابر (37 عاماً) فيعتبر ان الجنوب لم يلق اهتماماً يذكر من الحكومات المتعاقبة وتركته السلطة فريسة لجموع قوى الأمر الواقع، التي تعاملت مع جمهورها على قاعدة انه من ليس معنا لا يستحق الإهتمام الكافي.
من محيبيب الى بلدة العديسة الحدودية. هنا المشهد يتكرر. ورشة الإعمار متوقفة، والسبب توقف دفع التعويضات والنقمة على الحكومة لعدم تعاطيها الإيجابي مع الجنوبيين، وهم يصفون ذلك بـ"الكيدية السياسية".
لكن النقمة على الحكومة لا توفّر احزاب الجنوب لجهة ما يسميه محمد زعرور بالإستنسابي (سبق ان اشارت "النهار" الى هذا الأمر في اكثر من تحقيق).
الا ان ما يؤرق الجنوبيين هو عدم ايلاء مناطقهم الإهتمام اللازم من الحكومات المتعاقبة، وخصوصاً ان مجلس النواب عقد جلسة وصفت بالتاريخية في بنت جبيل في ايار عام 2000، واصدر سلسلة من القوانين حول تنمية الجنوب.
ولم تنفذ الحكومات المتعاقبة منذ العام 2000 وحتى اليوم اي قرارمن القرارات الصادرة لإنماء الجنوب، مما يحتم على الجنوبيين الإنتظار والإكتفاء بالمساعدات التي يقدمها "حزب الله"، وكذلك تعويضات بعض الدول العربية وفي مقدمها دولة قطر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة.
اموال "أممية"
ليس في الجنوب اي بوادر للإنماء او للإستثمار، فالإقتصاد المكبل بالهواجس الأمنية لا يسير على ما يرام. الزراعة المورد الوحيد للجنوبيين اضحت بلا جدوى لأن غلاء الأعلاف والأسمدة وغيرها اصبح جنونياً. زراعة التبغ وحدها لا تزال المورد الأول لسكان المناطق الجنوبية، وخصوصاً في منطقتي مرجعيون وبنت جبيل، اما التجارة فلا تشكل مورداً كافياً للأهالي ويبقى اعتماد هؤلاء على اموال المغتربين من ابنائهم في افريقيا ودول الخليج والأميركيتين.
الا ان مورداً موقتاً دخل الى تلك المنطقة مع مجيء قوات "اليونيفيل" بعد وقف العدوان الإسرائيلي في آب عام 2006. وعززت هذه القوات الدورة الإقتصادية المحدودة في مناطق الجنوب، الا ان بعض المحظورات "الشرعية" تحول دون افادة القرى الشيعية من اموال "اليونيفيل" ما يدفع الجنود الدوليين الى التوجه الى القرى المسيحية ومدينة صور.
زراعة التبغ
تلتصق زراعة التبغ بالجنوبيين مذ كان الجنوب ومذ كانت تلك الشتلة. لهذه الزراعة رمزيتها وتكاد تكون "مرادفا لصمود اهل الجنوب".
فزراعة التبغ توجب العمل الدؤوب على مدار السنة، من بدء الجذر وصولاً الى غرس الشتلات، وهو مشوار يمتد شهوراً، ثم يأتي موسم "القطيفة" ومعها يبدأ مشوار جديد لا ينتهي الا مع الشتاء، ومعه ايضاً يبدأ الموسم الثاني. هكذا يستمر العمل طوال 12 شهراً. وفي نهاية المطاف يسلم التبغ الى مصلحة الريجي، لكن المشكلة المزمنة للجنوبيين مع هذه الزراعة تكمن في عدم منح الرخص بشكل عادل للمزارعين. قلائل من هؤلاء حصلوا على رخص جديدة مطلع التسعينات من القرن الفائت، ويعمد بعض هؤلاء الى تأجير هذه الرخصة بمبلغ يفوق المليون ليرة عن كل دونم، ممّا يعني انه على المزارع ان يدفع بدل ايجار الرخصة وفي المقابل يجني مؤجرو هذه الرخص الأموال، من دون ان يتكبدوا اي عناء، ومعظم هؤلاء محسوبون على قوى سياسية فاعلة في ادارات الدولة.
الأضرار حسب الهيئة العليا
نتيجة عدوان تموز دمر في الجنوب زهاء 7000 وحدة سكنية وتضررت آلاف المنازل والمحال. وحسب احصاءات الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب فان المناطق الأكثر تضرراً كانت القرى الحدودية مثل عيناتا وبنت جبيل وعيترون وعيتا الشعب ومارون الراس وصولاً الى الخيام وجزء من قانا وبرعشيت والجميجمة.
وتكفلت بعض الدول العربية مثل السعودية بإعادة اعمار زهاء 200 قرية وبلدة، والكويت 24، اضافة الى مارون الراس التي تكفل بإعادة اعمارها الشيخ ناصر الخرافي، وتكلفت في البدء قطر بـ4 بلدات، ثم اضافت 3 بلدات اخرى هي البستان والظهيرة ويارين في قضاء صور، وسوريا 3 قرى، واليمن قرية واحدة، وسلطنة عمان قرية واحدة. وعليه فإن السعودية تكفلت بمعظم القرى والبلدات، تليها الكويت ثم قطر. لكن الواقع المرير الذي يعانيه اهل الجنوب وسوء ادارة ملفات هذه القرى باستثناء البلدات الأربع (بنت جبيل وعيناتا وعيتا الشعب والخيام)، والتباطؤ بدفع التعويضات وصولاً الى وقفها بشكل كامل منذ آذار عام 2007، كل هذه الأسباب حجبت شكر اهالي الجنوب عن الدول المانحة (عدا قطر). ورغم المراجعات المتكررة لرؤساء البلديات ونواب الجنوب للمسؤولين السعوديين والسفير السعودي في بيروت، الا ان شيئاً لم يتغير ولم تفرج الهيئة العليا للإغاثة عن الدفعة الثانية. وحسب رئيس الهيئة اللواء يحيى رعد فان الأموال نفدت، وبالتالي يجب البحث عن مصادر اخرى لدفع التعويضات، علماً ان الهيئة العليا للإغاثة اصدرت في الشهر الفائت بياناً شرحت فيه قضية التعويضات. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الدول المانحة قد تولت في شهر حزيران تسديد جزء من مستحقات الدفعة الثانية، الذي شمل 1,126 وحدة سكنية، وذلك بموجب الآلية المتفق عليها وفقا للجدول الآتي:
وعليه، فقد بلغ حجم المبالغ التي أقرتها الهيئة للدفع أو دفعتها إلى أصحاب الوحدات السكنية ولتاريخ 30 حزيران2008 حوالى 725 مليار ليرة لبنانية.
إضافة الى ذلك فقد بلغ مجموع المبالغ التي قامت الهيئة العليا للاغاثة بدفعها ولتاريخه لإغاثة النازحين ودفع المساعدات للجرحى وذوي الشهداء وإزالة الردم وإعادة بناء البنى التحتية حوالي 268 مليار ليرة.
وذلك يجعل مجموع المبالغ المدفوعة لتاريخه حوالى 993 مليار ليرة، من أصل 1,480 مليار ليرة تم التزام دفعها حتى الآن في ما خص ما التزمت به الدول المانحة، والجزء الآخر الذي اضطرت الهيئة العليا للاغاثة لدفعه أو التزام تسديده، وذلك فور توفر المبالغ اللازمة لتمكينها من القيام بذلك.
ووفق الملفات التي تم تحويلها الى الهيئة، الدول والجهات المانحة تكلفت، على صعيد الوحدات السكنية، بإعادة إعمار في كلها ما مجموعه 467 مليون دولار أو ما يعادل703,466,266,535 ل.ل، صرف منها زهاء 301 مليون دولار (453,792,792,100 ل ل). وهذان المبلغان شكلا قيمة الدفعة الاولى، وكذلك ما صرف من أصل قيمة الدفعة الثانية حتى 30/6/2008. أما الرصيد المتبقي لإنجاز الالتزام في ما خص عملية إعادة إعمار الوحدات السكنية التي التزمتها تلك الدول فيقارب الـ 166 مليون دولار أو ما يعادل 249,673,537,435 ل.ل، وسيصار إلى تسديدها فور استكمال أصحاب تلك الوحدات السكنية المستندات المطلوبة حسب الآليات المتبعة. من جهته يؤكد المدير العام لمجلس الحزب هاشم حيدر ان مجموع ما تسلمه المجلس حتى تاريخه هو 20 مليار ليرة عبارة من دفعات ثانية لنحو 1100 منزل وهناك قرى وبلدات لم يشملها هذا المبلغ ويسأل عن مصير التعويضات عن الآليات وكذلك المزروعات. ولكن نواب "حزب الله" يأخذون على الهيئة ومن خلفها الحكومة استمرار حجز اموال المتضررين، ولم نحصل على اجابة من الهيئة العليا للإغاثة.
وكان آخر تصريح لـ "النهار" ادلى به رعد في شباط الفائت، ولم نتمكن يومها من الحصول على اجابات شافية من الهيئة العليا للإغاثة عن السؤال الوحيد الذي يؤرق الجنوبيين والمتعلق بالإفراج عن الدفعة الثانية، وخصوصا ان هناك آلاف الوحدات السكنية لم يبت مصيرها حتى اليوم، عدا عن تزامن توقف الدفعات مع الارتفاع الجنوني لاسعار مواد البناء. واكتفت الهيئة بتوزيع بيانها الذي نقلناه في هذا التحقيق.
بعد هذه الصورة انتقلنا الى مدينة بنت جبيل وجارتها عيناتا للوقوف على احوال هاتين البلدتين التي تكفلت قطر اعادة اعمارهما.
( يتبع جزء ثانٍ)
تعليقات: