كاميرا المفتي تستدعي وساطة عربيّة


كان اللبنانيون مشغولين بمتابعة استقبال الأسرى المحررين في رأس الناقورة. أما في تلة الخياط، فجهد الوسطاء لحل معضلة تركيب كاميرا على باب منزل مفتي الجمهورية، أزعجت الوزير السابق عبد الرحيم مراد

حسن عليق

كانت الرواية الأمنية شبه الرسمية شديدة الاختصار عند الحديث عما جرى مساء أول من أمس في المبنى الذي يقطنه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني والوزير السابق عبد الرحيم مراد في تلة الخياط. تقول هذه الرواية إن حراس مفتي الجمهورية أرادوا تركيب كاميرا للمراقبة أمام مدخل شقته، إلا أن مرافقي مراد منعوهم بحجة أن الكاميرا تكشف المتردّدين إلى منزل الوزير السابق. وبعد إجراء اتصالات سياسية وأمنية، تضيف الرواية، جرى الاتفاق على تركيب الكاميرا من دون أن تكشف باب منزل مراد.

لكن القضية لم تكن بهذه البساطة. الخلاف بين مجموعتي حراسة الجارَين اللذين تقع شقتاهما في الطبقة الثالثة من مبنى TELEVIEW تعود إلى ما قبل السابع من أيار، تاريخ بدء معارك بيروت بين الموالاة والمعارضة. لكن الاحتكاكات قبل هذا التاريخ لم تكن أكثر من سطحية، تُحلُّ دوماً في ساعتها. وفي التاريخ المذكور، يقول مقرّب من مفتي الجمهورية، نزع مرافقو مراد أسلحة حراس المفتي، ثم أزالوا كاميرا موجّهة نحو باب شقة المفتي من مكانها.

نزع الكاميرا في ذلك اليوم يؤكده حسن مراد، ابن الوزير السابق عبد الرحيم مراد، ولكنه يعيده إلى كشف تلك الكاميرا للمتردّدين إلى منزل والده. ويضيف مراد: عندما أراد أسامة عابدين، مسؤول الأمن عند المفتي، إعادة الكاميرا إلى مكانها، اعترض حراس الوزير مراد على كيفية تركيبها لا على أصل الفكرة، طالبين ألّا تمس الكاميرا خصوصية منزل مراد. ويضيف مراد: «كان حل الخلاف ممكناً، إلا أن طرفاً محدداً أراد تضخيمه واستغلاله سياسياً ضد الوزير مراد لأنه الخصم الأول لتيار المستقبل في البقاع الغربي. وعلى هذا الأساس، فوجئنا بحضور النائب سعد الحريري إلى منزل المفتي وإصراره على عدم الرحيل قبل تركيب الكاميرا، ثم بدأ تصوير الأمر على أنه اعتداء على أمن المفتي».

مفاجآت «حرب الكاميرا» لم تقتصر على زيارة الحريري. فقد اتصل الرئيس فؤاد السنيورة متضامناً مع المفتي، وتدخّل ضباط كبار للتوسط بين الطرفين، قبل أن يحضر قنصل دولة عربية كبرى محاولاً التوصل إلى حل لتركيب الكاميرا. إلا أن «الوساطة العربية» لم تفلِح. وجرى الاتفاق على تأليف «لجنة فنية» من ضباط أمنيين ومندوبين من مجموعتي الحراسة للتحقق من أن الكاميرا لن تكشف الداخلين والخارجين إلى منزل عبد الرحيم مراد.

أمّا ما تناقله عدد من وسائل الإعلام عن اعتداء على حراس مفتي الجمهورية، فنفته مصادر طلبت التعريف عنها بأنها «مصادر إسلامية». وذكرت هذه المصادر أن الكاميرا كانت مركبة منذ سنوات إلا أن حراس مراد استغلوا أحداث أيار لنزعها بحجة تعديها على خصوصية الوزير. وأضافت إن المفتي لم يثر الأمر في حينه بسبب حساسية الأوضاع التي كانت سائدة في بيروت. لكن هدوء الأوضاع بعد تأليف الحكومة خلق جواً ظنّ حراس المفتي أنه سيسمح بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، إلا أنهم مُنِعوا من تركيب الكاميرا. واستغربت المصادر اعتراض مراد على تركيب كاميرا كان الهدف الحصري منها تصوير المترددين إلى منزل المفتي، فيما هناك كاميرات للمراقبة موضوعة على مدخل المبنى وفي محيطه. وأكّدت المصادر أن نقل المشكلة إلى شخص المسؤول عن أمن المفتي أسامة عابدين هو في غير محله، وخاصة أن الأخير يقوم بواجبه على أتمّ ما يُرام، وتركيب الكاميرا هو من صلب واجباته.

وكان الوزير السابق عبد الرحيم مراد قد أصدر بياناً ليل أول من أمس تحدّث فيه عن اتفاق على بندين، أولهما تركيب كاميرا لا تكشف منزله، والثاني «استبدال مسؤول أمن المفتي الذي سبب إشكالات عديدة مع السكان بشخص آخر يليق بمرافقة سماحته». وقد نفت «المصادر الإسلامية» ما أورده مراد في البند الثاني.

من ناحية أخرى، رفض مرجع رفيع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التعقيب على ما أورده مراد في بيانه من أن مجموعة أمن المفتي كانت تسلم نسخة من شريط تصوير باب منزله إلى فرع المعلومات في المديرية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحادثة أثارت ردود فعل استنكرت «التعرض لمفتي الجمهورية»، أبرزها من الوزيرين خالد قباني وتمام سلام والنائب محمد قباني ونقيب المحررين ملحم كرم والوزير السابق عمر مسقاوي، فضلاً عن رجال دين وقضاة شرعيّين.

الباب عَ الباب

مفتي الجمهورية والوزير السابق عبد الرحيم مراد جاران، و«الباب عَ الباب». المفتي على يمين المصعد، ومراد على يساره. لكن المسافة الضئيلة بين بابَي المنزلين احتاجت إلى وسطاء من أرفع المستويات لمحاولة «رأب الصدع» الذي فجّرته كاميرا المراقبة. كان أول الوسطاء قائد شرطة بيروت العميد نبيل مرعي ومساعد مدير فرع بيروت في استخبارات الجيش العقيد خالد جارودي، قبل أن يصل قنصل دولة عربية كبرى ويقوم بزيارات مكوكية أدّت إلى الاتفاق على تركيب كاميرا لا تكشف باب منزل مراد. لكن حتى مساء أمس لم تكن الكاميرا قد زُرِعَت بعد.

تعليقات: