ابراهيم حيدر: تداعيات حرب أوكرانيا… “حزب الله” يصوّب ضد الأميركيين ويتحدى بلبنان وسوريا!


تختلط الاوراق على مستوى المنطقة كلها ومنها لبنان، انعكاساً للحرب الأوكرانية التي تركت تداعياتها على ملفات دولية رئيسية، وأحدثت تغييرات كبرى في التوازنات العالمية. ويترقب لبنان ما يمكن أن تُحدثه من تأثيرات على ملفات أخرى، بما فيها سوريا حيث توجد قواعد روسية تدير التوازنات فيها وتمنع اشتعال الجبهات بين إيران وإسرائيل. ويظهر أن التأثير الأكبر للحرب كان على المفاوضات النووية التي باتت معطلة، وبدأت ملامح المواجهة من الساحة العراقية بعد قصف إربيل. وبينما تبدو المطالب الروسية بإعفاء موسكو من أي عقوبات غربية مستقبلية على تعاملاتها مع إيران، هي السبب في توقف المفاوضات، إلا أن رفض إيران لإحياء الاتفاق النووي بالحدّ من برنامجها الصاروخي وأنشطتها في المنطقة هو أساس الكباش. ولذا تشترط طهران في التفاوض عدم تقييد قدراتها الدفاعية وسياساتها الإقليمية. تتصاعد وتيرة النزاع العسكري والسياسي في العالم والمنطقة، فكلما توغلت الحرب أكثر في #أوكرانيا، كلما كانت تداعياتها أكبر على المنطقة، وفي حال تعطل الاتفاق النووي سينعكس الأمر توتراً ويزيد من احتمالات المواجهة في لبنان وسوريا والعراق، وينعكس على التحالفات القائمة في أكثر من منطقة خصوصاً في سوريا التي تشكل موقعاً حساساً لدول عدة، في مقدمها إيران، ثم إسرائيل التي تنسق مع #روسيا عسكرياً في هذه المنطقة، ولا تريد لموقفها من الحرب الاوكرانية أن يؤثر على استمراره، خصوصاً وأن إسرائيل تستهدف بالطائرات نقاطاً إيرانية وأخرى تابعة لـ”#حزب الله” بموافقة روسية، أي أن القوات الروسية لا تتدخل في في عمليات إسرائيل الحربية داخل الأراضي السورية، لمنع إيران من ترسيخ وجودها في سوريا.

https://imasdk.googleapis.com/js/core/bridge3.503.0_ar.html#goog_1051816920 seconds of 14 secondsVolume 0%‏سينتهي هذا الإعلان خلال 15

إطالة أمد الصراع في أوكرانيا لن تنجو منه المنطقة. أبرز التغيرات، التحالف الإسرائيلي -التركي المتجدد، وتراجع الدول العربية عن التطبيع مع النظام السوري وتعويم بشار الأسد الذي لن يُدعى إلى القمة العربية في الخريف المقبل وفق مصادر دبلوماسية فيما يُمسك الروس بأوراق كثيرة ولا تزال في جعبتهم قدرات للمناورة في غير منطقة. علماً أن إيران لا تستطيع معاداة روسيا وان كانت منزعجة من مطالبها، خصوصاً بسبب موقعها في سوريا التي تحاول طهران الإمساك بساحتها. لذا ستذهب مضطرة إلى النقاش مع الروس، فيما مثلاً ذراعها الأول في المنطقة أي “حزب الله” يدعو على لسان أمينه العام حسن نصرالله إلى التوجه نحو الشرق وروسيا، للتمكن من مواجهة الأميركيين في لبنان والمنطقة.

تتوزع الادوار بين أذرع إيران في المنطقة، فطهران مستاءة من الموقف الروسي حول الاتفاق النووي، فيما “حزب الله” يدافع عن روسيا في سوريا ولبنان وينظر الى ما بعد الاتفاق في حال توقيعه. وعلى هذا يغيّر الحزب في خطته بالتماهي مع الموقف الإيراني، فيما الانقسامات تكبر في المواقف والتوجهات، فالحياد أو النأي بالنفس لم يعد وارداً بعد حرب أوكرانيا. وبات واضحاً أن العالم لم يعد يهتم بلبنان بل أن تناول الوضع اللبناني صار يمرّ عبر الأزمة الأوكرانية. والموقف الذي أعلنه لبنان من الحرب واعتراض “حزب الله” الذي يتماهى مع الموقف الإيراني، فتح مساراً جديداً جعل البلد معلّقًا على حبال الأزمات الدولية، وهو ما ينعكس على المساعدات، ويزيد من حجم الأزمات الداخلية. فإلى جانب أزمة الغذاء والمحروقات تتفاقم مشكلة الطاقة مع تعثر وصول الكهرباء الأردنية والغاز المصري، بالتوازي مع تأزم ملف ترسيم الحدود الذي يرفضه “حزب الله” وفق مقترح آموس هوكشتاين.

ويتداخل التأثير الأوكراني على لبنان مع معركة الانتخابات النيابية والانقسام في الداخل، إذ عاد الاصطفاف إلى قواعده الأساسية، وبدت المواجهة واضحة بين “حزب الله” وحلفائه من جهة، وخصومه من جهة أخرى، فقد رفع نصر الله سقف التحدي مترقباً مع ما يمكن أن تصل إليه المفاوضات النووية، حيث تسعى إيران إلى إنجاز التفاوض مع الأميركيين ومواجهتهم في الوقت نفسه في المنطقة وتريد رفع العقوبات وتحرير أموالها. ويتهم نصرالله الأميركيين بأنهم يمنعون المساعدات عن لبنان، ويريدون فرض شروطهم عليه للحصول على ما يحتاجه، وهو موقف لا يخرج عن السياق الإيراني، فيرفع سقف شروطه لبنانياً، تحضيراً للمرحلة المقبلة، اي في حال وقع الاتفاق أم لم يوقع وما يمكن أن يحمله في الحالتين على ملفات المنطقة.

المفارقة ان مواقف نصرالله ترتبط بتداعيات الحرب الأوكرانية، أولاً بانتقاده لبيان وزارة الخارجية والموقف اللبناني الرسمي ويتهم الأميركيين بكتابته، ومنتقداً في الوقت نفسه نظرية الحياد التي ينادي بها البطريرك بشارة الراعي، وبذلك يحدد سقفاً، يرتبط بالخارج في الموقف من التغيرات العالمية جراء الحرب الأوكرانية، ثم بمعركة الانتخابات النيابية وما بعدها من استحقاقات. وعلى وقع التصعيد الاقليمي، والتغير في الاستهدافات الإيرانية، يرفع “حزب الله” سقف التحدي أيضاً على مشارف الانتخابات، والمعركة بالنسبة إليه هي مع الأميركيين الذين يحمّلهم مع من ينفذ سياساتهم مسؤولية الانهيار في لبنان. وهو يتحضر لمرحلة ما بعد الانتخابات في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الإقليمية، خصوصاً الانتخابات الرئاسية وتركيب النظام المقبل، ويحاول أن يضبط من خلال الانتخابات توجهات حلفائه، خصوصاً التيار العوني، الذي يسعى إلى ترتيب علاقته بالأميركيين بهدف رفع العقوبات عن جبران باسيل استباقاً للاستحقاق الرئاسي.

وبينما يستعد الحزب للمرحلة المقبلة، فإنه يسعى أيضاً للفوز بالاكثرية النيابية عبر محاصرة الخصوم وفي مقدمهم الحزب التقدمي الاشتراكي المطلوب سورياً بهدف حصاره وتحجيمه درزياً، والقوات اللبنانية وأيضاً القوى السنية التي تسعى إلى استعادة العصب في بيئتها خصوصاً الرئيس فؤاد السنيورة. ويتكامل سعي “حزب الله” مع عودة النظام السوري للاهتمام بالانتخابات كمتنفس له لبنانياً بعد تراجع الانفتاح العربي والخليجي عليه، ويركز على الوسط السني من خلال حلفائه بالتنسيق مع الحزب.

ستكون الأسابيع المقبلة ساخنة على كل الجبهات، بما فيها احتمالات التصعيد ونقل المواجهة مع الأميركيين إلى سوريا ولبنان بعدما افتتحت في أربيل رداً إيرانياً على قصف إسرائيل لقواتها في سوريا. ويبقى لبنان الحلقة الضعيفة والبلد المنكوب الذي يتلقى كل الضربات.

ibrahim.haidar@annahar.com.lb

Twitter: @ihaidar62

مناصرة لـ حزب الله
مناصرة لـ حزب الله


تعليقات: