شحّ المازوت: سوق سوداء وصفقات بين الشركات والتجار والمحطات

بعض التجار كانوا من عرّابي تهريب المادة إلى سوريا وعلى صلة بأصحاب محطات الوقود (علي علّوش)
بعض التجار كانوا من عرّابي تهريب المادة إلى سوريا وعلى صلة بأصحاب محطات الوقود (علي علّوش)


عاش الشعب اللبناني أسبوعين من الهلع، إثر شّح مادة المازوت سواءً في محطات المحروقات أو الشركات الخاصة، وذلك عقب الحرب الروسية على أوكرانيا، التي أرخت بثقلها على سعر النفط العالمي. وتُرجم هذا الشّح بالمازوت أزمة في كهرباء المولّدات الخاصة، وتهديد أصحابها برفع كلفتها أو إطفائها، وبطوابير الذلّ أمام المحطات.

وفي وقت تحدّث فيه وزير الاقتصاد أمين سلام عن احتكار مادة المازوت، معلنًا عن حملة ضد المحتكرين وتجار السوق السوداء، يؤكد معنيون بهذا القطاع أن المادة متوفّرة بشكل طبيعي. فأين تختفي إذًا؟ وكيف تحصل هذه الأزمة؟


صفقات متعددة الأطراف

مصدر مطلع على سير العلاقة بين شركات توزيع النفط، وتجار المحروقات، وأصحاب محطات الوقود، يلفت لـ"المدن" إلى أنه "من اللحظة التي رُفع فيها الدعم عن المحروقات، توقّفت عملية تهريبها عبر الحدود اللبنانية – السورية، والمعابر غير الشرعية في البقاع أو الشمال"، لافتًا إلى أن سبب شحّ المازوت اليوم في الأسواق "هو عقد صفقات خاصّة متعددة الأطراف من أجل التخزين وتجارة السوق السوداء".

الصفقات المذكورة تتضمن التخزين والتوزيع الفئوي والانتقائي لمادة المازوت، يقول المصدر، ويشرح: "مع ارتفاع سعر النفط العالمي جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، وصعوبة استيراده، بدأت وزارة الطاقة والمياه إصدار تسعيرات عدّة مختلفة في الأسبوع الواحد، ما دفع عدداً كبيراً من الشركات إلى إخفاء مخزونها من مادة المازوت، الذي يكفي السوق المحلية، في خزانات سريّة بعيدة عن أعين القوى الأمنية، لعدم التفريط به وبيعه على الأسعار السابقة، ولانتهاز الفرصة وتحقيق أرباح مضاعفة عند إصدار التسعيرات الجديدة على السعر المرتفع".


لا مصلحة لأحد بالتخزين؟

ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا، نفى عبر "المدن"، كل ما يقال حول تخزين أو احتكار من قبل الشركات، معتبرًا أن ليس هناك من مصلحة في التخزين لدى أي طرف اليوم، لأن سعر النفط العالمي إلى هبوط، والتسعيرات المقبلة ستشهد انخفاضًا، على عكس جداول الأسعار الماضية التي صدرت بعد الحرب الروسية–الأوكرانية".

رغم قيام بعض الشركات بعملية التخزين، إلا أنها ما زالت تسلّم عددًا لا يستهان به من التجّار الكبار، الذين هم أيضًا شركاء في عملية الاحتكار، بأسعار تفوق تسعيرة الدولة، يقول أحد تجّار مادة المازوت في السوق السوداء، مؤكدًا أن 70 في المئة من التجّار الذين يفترض أن يسلّموا بضاعتهم إلى المحطّات، يقومون بتخزينها وبيعها في السوق السوداء بأسعار عالية، بينما صغار التجّار لا تُعطى لهم حصصهم المشروعة من المازوت بحجة فقدانه، ما يعني أن هناك "تجار بسمنة، تجار بزيت".


السوق السوداء

ويكشف تاجر السوق السوداء أنه في كثير من الأحيان، يعمل وسيطًا بين الشركات وتجار آخرين، لإبرام صفقات تجارية بينهم من أجل بيع مادة المازوت، كاشفًا أن بعض هؤلاء التجار كانوا من عرّابي تهريب المادة إلى سوريا، ومنهم من هم على صلة بأصحاب محطات الوقود. ويؤكد أن بعض المحطات، تبيع حصصًا لها من المازوت قبل تفريغها، لتجّار أو شركات، للاستفادة منها ماليًا، فيما يتم تزوير فواتير لتغطية كل هذه العمليات.

ويشدد على أن مجهودًا أمنيًا بسيطًا بامكانه فضح كل هذه الشوائب، لكن ما يساعدهم هو انعدام الرقابة والاستخفاف الأمني، وأكثر من ذلك، ملكية بعض الشركات لنافذين سياسيين تجعل من الملاحقة القانونية شبه مستحيلة.


تقنين لا تخزين

من جانبه يؤكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، جورج براكس، لـ"المدن"، أن لا عمليات تخزين أو احتكار لمادة المازوت لدى محطات الوقود. ويشير إلى أن "التخزين حالة واقعية في هذا القطاع، لكني لست بصدد تصويب الاتهامات باتجاه أحد".

ويضيف براكس: "الشركات ربّما تقوم بعملية تقنين أو إدارة لمخزونها كي تحافظ عليه إلى حين وصول الباخرة التي تعتزم تسليمها. كما أن بعض الشركات تعاني من شحّ في هذه المادة، الأمر الذي أوقفها عن التسليم للتجار والمحطات".

ويستشهد براكس بما تقوم به إحدى الشركات التي تمتنع عن التسليم، قائلًا: "إذا كانت الباخرة التي تنتظرها، تأتي في 28 من الشهر الحالي، فهذا يعني أنه على الشركة أن تقسم مخزونها لجزئين كي يكفيها الجزء الأولى لمدة 14 يومًا (بدءاً من 14 آذار) والاحتفاظ بالجزء الثاني كاحتياطي". وتساءل: "كيف علينا أن نتهم الشركات بالتخزين في هذه الحالة إذًا؟" لكن في المقابل اعتبر أن كل الأزمة الحالية تعود إلى "الطلب الكبير على مادة المازوت، باعتبار أن شركة كهرباء لبنان شبه متوقفة وتحل مكانها المولدات الخاصة. وأصبح هذا الطلب يفوق قدرة الشركات والتجار والمحطات على التسليم".

تعليقات: