عدنان سمور: الخيام تصنع ملحمتها الكربلائية


في تاريخ الخيام محطات كبرى، عبرها الخياميون وقدَّموا فيها تضحياتٍ جسام، وقد تركت هذه المحطات آثاراً عميقة في وعيهم وفي تكوينهم الإجتماعية والنفسي، وحفرت في ذاكرتهم الفردية والجمعية صوراً وخواطر يتناقلونها من جيل إلى جيل، ولا شك أن التضحية الكبرى التي قدمها الخياميون يوم هدَّد العدو وجودهم وحاول إقتلاعهم من أرضهم عام 1978، تمُثِّل ظاهرة قلَّ نظيرها في تاريخ الشعوب، وما زال في تلك الواقعة، الكثير من المعاني والعبر والدروس التي لم تُستخلص بعد، إضافة لأن هذا الحدث التاريخي المشرف، ورغم كل ما بذل الخياميون من جهود قيِّمة ومخلصة لحفظه حياً في ذاكرتهم الجمعية، لم يوفَّ شهداء ملحمة الخيام الكربلائية بعد حقهم!

ولم يوضعوا في المرتبة التي يستحقونها في حياتنا ووجودنا!

لذلك وفيما كنت أعمل على جمع ما توفر من ذاكرة شفهية عن تاريخ الخيام الغني والجميل، شعرت بمسؤولية كبرى تجاه هؤلاء الشهداء وبدأت أحضِّر لجمع كل ما يتعلق بملحمة الخيام الكربلائية من معلومات ووثائق وأخبار موزعة هنا وهناك، والتي بتقديري يجب جمعها والعمل الجاد على أن تبقى خالدة في ذاكرة الخيام الجمعية جنباً إلى جنب مع الملحمة الكربلائية الحسينية التي تمثل منارة الإنسانية الخالدة على إمتداد العصور والأمكنة.

والذي أكَّد لي صوابية هذا التقدير، أنه على الرغم من أن جميع شهداء هذه الواقعة التاريخية هم عظماء، بمقياس تجسيدهم لأكثر النماذج رقياً أخلاقياً، عن تعلق الإنسان بالأرض التي ولد وعاش عليها، وهو يمثل إمتداداً لسلسلة طويلة من آبائه وأجداده، فإن هناك شخصيات من بين هؤلاء الشهداء المظلومين، الذين قدموا حياتهم في هذه الملحمة عن سابق إصرار وتصميم ووعي، لديها قناعة راسخة، مفادها أن خروج جميع الخياميين من الخيام نتيجة دخول العدو اليها، سيكرر تجربة تهجير الفلسطينيين، وقد يخسر الخياميون بذلك بلداً وتجربة إنسانية لا مثيل لها، وذكريات مشتركة بالغة الروعة والجمال، ومن الغبن والحيف أن تموت هذه الذكريات وتندثر، كيف لا وقد تعبت في نسجها أجيال متعاقبة من آبائنا وأجدادنا الطيبين والخيِّرين، على مدى قرونَ متمادية.

أمام هذا الوعي الذي كان يتمتع به شهداء ملحمة الخيام الكربلائية، والذي يختزن عمقاً وجودياً وعلاقة متماهية بين الأرض والإنسان، قرَّرتُ، ما أمكنني، أن أكتب السيرة المتوفرة المكتوبة والمختزنة في الذاكرة المكتوبة والشفهية الخيامية عن هؤلاء الشهداء.. وسنبدأ بعرضها إن شاء الله، بعد الإنتهاء من عرض سيرة شهيد الخيام العزيز الدكتور شكرالله كرم. وهكذا، ومن حيث لا نشعر نجد أن كتابة التاريخ في بلادنا المعذبة والمحارَبةِ من قوى الإستكبار والهيمنة المتسلطة على هذا العالم والناهبة لثرواته، محكومة بأن تبدأ من كتابة تاريخ شهدائها العظام الذين لولا دمائهم الطاهرة والزكية، لما تحررت لنا أرض ولا تحرر إنسان، ولا كان لنا أمل بمستقبل ولا كان لنا مكان بين الأمم الحيَّة المشاركة في صناعة الحضارة الإنسانية العظيمة والمشرِّفة، المشاركة التي تعتبر هي هدف الإنسان الأول في هذا العالم.

إن هؤلاء الشهداء البسطاء الطيبين، جديرون بكتابة وحفظ سيرهم الذاتية على غرار عظماء وأعلام أي شعب من الشعوب، لا بل هم أكثر جدارة منهم، لأنهم إستطاعوا بتضحيتهم ونبلهم وإيثارهم أن يفتحوا لنا كوة في جدار المستحيل، لنبصر من خلالها نوراً يهدينا إلى مستقبل مشرقٍ ومشرف، يكون فيه وطننا وأهلنا أحراراً وأعزاء.

في الختام نسأل العلي القدير أن يقدِّر لنا التوفيق والنجاح في مسعانا، ونتمنى على كل من يستطيع من الخياميين الطيبين والأوفياء، أن يتفضل علينا بما توفر لديه من معطيات تفيد بحثنا، ونكون له من الشاكرين، ونسأل الله العلي القدير أن يرضاه ويرضانا مع الشهاداء الأحياء، في علِّيين.


* عدنان إبراهيم سمور

باحث عن الحقيقة

17/03/2022

أسماء شهداء مجزرة الخيام المنشورة في جريدة السفير اذار 1978


تعليقات: